" التراث "
اليهود ملح الأرض وزبدة التاريخ
ناصر عبد المجيد الحريري
بيروت في : 05-09-2009م.
إن القارئ للتاريخ اليهودي يجد نفسه في بحر من المغالطات ، فما اليهود إلا مجموعة حاقدة على البشرية جميعاً ، فليس لها أي تأثير ثقافي أو ديني أو حضاري على أية ثقافة أو دين أو أية حضارة في العالم . كما لم يكن لهذه الفئة أمجاد تاريخية إلا الكذب والاحتيال والفسق والفجور وسفك دماء البشر ونهب أموالهم والعدوان على حرياتهم وحرمانهم بأسلوب بالغ في الوحشية والانحرافات الدينية والخلفية والخنوع للغزاة.
هذه هي حضارة اليهود، وقد خلا تاريخهم من أي مجد سياسي أو عمراني أو عسكري لامع. ولم يكادوا يتركوا فلسطين بعد تشردهم النهائي عنها أثراً ما...
ثم تشتتوا في أنحاء الأرض واندمج كثير منهم في النصرانية والإسلام والعروبة بحيث يصح أن يقال أن الدم الإسرائيلي القديم قد باد واليهود اليوم ليسوا سوى جماعة دينية تضم شتى الأجناس واللغات والدماء. وإن دعوى صلة اليهود اليوم ببني إسرائيل وتاريخهم فيها من الزيف ما فيها .
إن الأمر يتجاوز فضول القول إلى فقدان الحياد حين يقال: " إن العبرية هي التي نهضت بأمانة الرسالة العالمية في تاريخ بني الإنسان " وأن تنعقد المقارنة بينها وبين حضارات الشرق في وادي النيل وفي وادي النهرين وفي شبه الجزيرة العربية. كما أن اليهود في ادوار حياتهم الثلاثة – دور البداوة ودور المملكة ودور الشتات في أنحاء البلاد – لم يصدروا من عندهم ثمرة نافعة من ثمرات الأدب والفنون أو ثمرات العلم والفلسفة .
فلم يخرجوا للعالم من أيام الخليل إلى أيام المسيح عالماً وأديباً ولا فيلسوفاً ولا رحالة مشتغلاً باستطلاع التواريخ أو بحاثة مشتغلاً بدراسة الأحياء والنباتات ومسائل التاريخ الطبيعي كما عرفت من قبل وكما عرف اليوم.
لقد كان كل محصولهم من الكتب المقروءة فإنما هي مواعظ وترانيم التي وقفوها على أنفسهم . ولم ينبغ منهم مشتغل بالحكمة والدراسة العلمية قبل اتصالهم بأمم الحضارة واضطرارهم إلى المعيشة بين الأمم في الشرق والغرب .
إن هؤلاء العبرانيين منذ بداوتهم إلى هذا الوقت قد كانوا مستفيدين ولم يكونوا قط منتجين ، وأن محصولهم في الثقافة العالمية محصول المستغل والوسيط ، وليس محصول المالك العامل الذي يعطي وينتج ما يعطيه .
كما لم يكن لليهود فنون وعلوم ولا صناعة ولا أي شيء تقوم به حضارة ما . واليهود لم يجاوزا قط مرحلة الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ ، إن قدماء اليهود لم يجاوزوا أطوار الحضارة السفلى التي تكاد تميز من طور الوحشية ، وعندما خرج هؤلاء البدويون الذين لا أثر للثقافة فيهم من باديتهم ليستقروا في فلسطين وجدوا أنفسهم أمام قومية متمدنة منذ زمن طويل .
يقول الأستاذ عباس العقاد في هذا الموضوع الهام " إن عصب الصهيونية الحمقاء داء قديم ولا تخفى شواهده سواء النظر إلى تاريخهم الحديث . وأمامنا الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية في الغرب وأصداؤها هنا وهناك .
إن دراستها على حقيقتها ، يدل على عبث الصهيونية بأقدس القيم وتسخيرها كل حركة لإفساد القول والأخلاق .
وبعد هذا يتعين على المسئولين التصدي للخطر الثقافي الهادف إلى خلق تشويش في ما عرفته الشعوب الأوربية عن تاريخ الثقافة والحضارة العربية الإسلامية حينما يقرأ أو يشاهد أكاذيب وافتراءات مسلسل التراث اليهودي الخطير .
مر بين أوراقي التي أقلبها بين حين وآخر خبراً أن مسلسلاً تلفزيونياً يدعي أن الحضارة العالمية المعاصرة هي نتاج يهودي !! .
وقد عرض المسلسل في أمريكا بعنوان " التراث " وتم نقله عبر الأقمار الصناعية إلى دول الغرب والكيان الصهيوني ليصدق المشاهدون الخديعة الجديدة لأدبائها وكتابها الذين يريدون غزو العقول بالأوهام والأكاذيب السافرة .
ويتلخص المسلسل الصهيوني في كونه دعاية بارعة لا يتقنها إلا الصهاينة وذلك بحكم وجودهم في كافة أجهزة الإذاعات والتلفزيون والسينما والمجلات والمطابع ودور الكتب في معظم الدول الغربية ولا سيما في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وبلجيكا لبث سمومهم وأكاذيبهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية والفنية والثقافية من أجل التأثير على الرأي العام العالمي . وصولاً إلى أهدافهم الاستعمارية الاستيطانية في العالم العربي المغلوب على أمره ، وفي عالم لا يقدر إلا القوة .
إن هذا المسلسل مستخرج من كتاب "التراث " للكاتب اليهودي الصهيوني أبا إيبان وزير خارجية الكيان الصهيوني السابق ، ويحكي الكاتب " أن الحضارة العالمية المعاصرة هي إلى حد ما يهودية من نتاج عبقرية اليهود وآمالهم وآلامهم وأن كل إنسان منا فيه شيء يهودي وكل نسيج حضاري فيه خيط يهودي وأن هذه المجموعة من البشر التي تضم 14 مليون شخص قد قاموا خلال 3000 عام بدور مؤثر ومحوري في الديانات والثقافات البشرية . كما أنهم استوعبوا كل الحضارات العالمية وأثروا فيها ( فهم ملح الأرض وزبدة التاريخ )!! وفي الحقيقة هم ( دمار الأرض وفساد التاريخ ) .
وقد استغرق التخطيط والإنتاج حوالي ست سنوات وبلغ تكلفته أكثر من عشر مليون دولار أمريكي، وقد زكته أكثر من مائة جامعة وكلية أمريكية وبريطانية كوثيقة تعليمية اعتماداً على القائمة الطويلة من الخبراء والمستشارين الصهاينة.
هذا وقد سبق للصهاينة أن روجوا ويروجون الأكاذيب والافتراءات المرة بعد الأخرى مختلقين ادعاءات مختلفة للاستيلاء على فلسطين وطرد أهلها الشرعيين بحجة أنهم ملاكها الأصليين ، وذلك في غياب من يتصدى لأكاذيبهم وادعاءاتهم الزائفة . فقد ظن العالم أن ما يقوله اليهود هو ادعاء صحيح ، وبالإمكان حل مشكلتهم في العالم باعتبار فلسطين أرضاً بلا شعب . وقد نجحوا بالغدر والدسائس والخيانات في تكوين كيان مصطنع مبني على القوة والسلب والاغتصاب .
وقد بذلت في سبيل إنشائه وحمايته أموالاً طائلة لحمايته بالقوة في وسط عربي منقسم بين معتدل أي مستسلم وبين رافض لوجود هذا السرطان في الوطن العربي .
لقد أصبح اغتصاب فلسطين ذكرى عتيقة بالية في نظر المعتدلين العرب ، فدخلت قصة اغتصاب فلسطين ومذبحة دير ياسين والاستيلاء على الجولان وحرق الأقصى ومحاولات تدميره ، وغزو لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا والحروب التي شنت من أجل التحرير والكرامة ، كل ذلك أصبح في ميزان التاريخ الذي يتسع لكل شيء .
لذلك جاءت هذه الأكذوبة القائلة " أن اليهود هم أصل الثقافة والحضارة المعاصرة " .ووجود من يصدق أكاذيب الصهاينة السافرة . وذلك منذ أن تخلى العرب عن اللاءات الثلاث ( لا صلح ، لا مفاوضات ، لا اعتراف ) بعد حرب حزيران 1967 ، تحولت بفعل جماعة المعتدلين العرب من الحكام العرب ، إلى مفاوضات واتفاقيات ومشاريع استسلامية وفق قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يطمس حقوق الفلسطينيين جميعها . ولهذا ففي ظروف العرب الانهزامية نجد أن اليهود يعملون على إثبات الباطل في عقول الناس وذلك بنشر أن التراث اليهودي له أثر في حضارة العالم المعاصرة.
وقد فند الأستاذ عباس العقاد جميع ادعاءات اليهود والصهاينة فيما يكذبون بالأدلة القاطعة دون تعصب فيقول : " إن الثقافة العربية هي أقدم من الثقافة اليونانية والعبرية وهذه حقيقة من حقائق التاريخ الثابت الذي لا يحتاج إلى عناء طويل في إثباته ن لن الإيمان بهذه الحقيقة لا يحتاج إلى كثير من الاطلاع على الأبجدية اليونانية وعلى السفرين الأولين من التوراة التي في أيدي الناس اليوم وهما سفر التكوين وسفر الخروج " .
لقد تضاعفت خلال هذه المرحلة الخطيرة من النضال العربي المعاصر متاعب الإعلام العربي يوماً بعد يوم ضد التكتلات المتحالفة مع العدو الصهيوني وكذلك ضد الرجعية العربية ذات المصالح الضيقة . خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 26-03-1979م .
فأصبح الكثير من وسائل الإعلام العربي ضحية أولئك المسئولين الذي وصفوا قاموس الاستعمار العالمي " بالمعتدلين " وذلك نتيجة تساقطهم في إسطبل داوود مع التبشير بالإقليمية القاتلة عاجلاً أم آجلاً ، والحقيقة الثانية أن السلبيات العربية تجاه ما يحاك ضد الوطن العربي قد تراكمت كثيراً نتيجة لحرص بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر والأردن والسودان خلال حكم النميري صاحب فضيحة اليهود الفلاشا في عملية توطيد النزعة الإقليمية حتى أن كل دولة عربية باتت تخشى الدول العربية الشقيقة لها أكثر من خشيتها للدول الاستعمارية الغاشمة التي تقدم العون للكيان الغاصب .
من خلال هذا نستطيع أن نسجل خيبة أملنا في كثير من الحكام العرب إزاء ما يمثله وجود الكيان الغاصب الذي يهدد العرب جميعاً فمهما قدم المعتدلون العرب من صكوك استسلام إلى الصهاينة بوساطة أمريكية فلن يفي ذلك بالغرض لدى الكيان الغاصب والرامي إلى بناء " إسرائيل الكبرى " . من الفرات إلى النيل ، هذا هو شعارهم ، ولذلك يؤكد الساعون لتحقيق هذا الهدف أن الصراع في المنطقة " هو صراع وجود قبل أن يكون صراع حدود " وهذا ما أكده هنري كيسنجر في حديثه المنشور في مجلة التضامن العربي ( العدد 100 بتاريخ 09-03-1985م ) .
على الرغم من أن الخطر القائم ، فلا يزال أغلب الحكام العرب يضعون رؤوسهم في الرمال عاجزين عن مواجهة الكيان الغاصب ، حتى لو كان ذلك في عقر دارنا ، فماذا فعل العرب خلال الحرب على لبنان عام 2006 ، وماذا فعلوا خلال الحرب على غزة نهاية 2008 م .
وقد نتج عن القصور العربي خسوف حكام العرب لا شعوبهم ، فقد انقسم بذلك الحكام العرب إلى مجموعات متناثرة متناحرة بحسب الرغبة الأمريكية ، بدءاً من إدارة روزفلت وحتى أوباما الذي لا يفقه حتى الآن إلا الكلام .
هذا هو العالم العربي اليوم ، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً في مواجهة العدو الغاصب ، فالبنسبة للإعلام العربي فقد بات في كثير من الأحيان ذاهلاً ومرتبكاً في مسيرته الإعلامية بسبب محاولا اليمين العربي المعتدل التي تقوم أحياناً وراء الكواليس وأحياناً علناً على حساب الشعب العربي المغلوب على أمره وذلك من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، رضوخاً للشروط الأمريكية الصهيونية المجحفة بالحق العربي .
المفضلات