د. هدى المطاوعة الخالدي
وطنك هو هذا الكوكب:
عندما ينتشر الإنسان في الزمان والمكان, يشعر بأن كل هذا الكون الشاسع هو وطنه. وبأنه يحد كثيرا من عطايا الإله عندما يقصر نفسه على بقعة صغيرة, ينتمي إليها, وينسى انه إنما خلق ليكون سيدا على هذه الأرض, وبأن هذا الكوكب هو بيته ووطنه, ولذلك, هو مسئول بالضرورة عن كل ما يحدث في هذا الكوكب, وبأنه يساهم شاء أو أبى في الطاقة التي تسكن هذا الكوكب بكل ما يقوله أو يفعله أو يفكر فيه, ويساهم أيضا بكل ما لا يقوله أو يفعله أو يفكر فيه. فعندما تشاهد أحد أفلام الرعب بالتلفزيون أو بالسينما, يجب أن تنتبه إلى أنك إنما تساهم في شغل الفضاء بما هو لا يجدي , بل انك يجب ان تفكر في كل لحظة في أفعالك وما يترتب عليها من تعزيز للطاقة الموجودة على هذه الأرض. لا تتخيل بأنك عندما تستمتع بمشاهدة فيلم رعب أو جريمة قتل على التلفزيون أو على الفيديو بأنك تمارس هواية بريئة. فكر ماذا لو انك ساهمت في عمل برامج تلفزيونية وقصص تساهم في طرح الأفكار الخيرة بدل الأفكار الشريرة, فان الطاقة التي تساهم في إنتاجها حينذاك ستكون طاقة ايجابية, بدل أن تعطي دروسا للعقل ليفكر بأن الجريمة في الأفلام التلفزيونية هي موضوع بريء للتسلية... بادر إلى العمل بدل أن تكون متفرجا, واعرف إن هذا الكون الذي تعيش فيه هو النتيجة والحصيلة لأفكار وأعمال الكثيرين من الناس, فإذا كان هذا الكون مصدر خيبة لك, فبادر إلى تغييره بأفكارك وأعمالك وأقوالك, فان كل ما يدور في فكرك وما يصدر عنك, سوف يكون له دور بالضرورة في تعزيز طاقة هذا الكوكب.
لا تقتصر فكرة الوطن على بقعة صغيرة على هذه الأرض, حتى ولو كنا نشعر بالعشق لهذه البقعة لأنها كانت مسقط الرأس, وملتقى الأهل والأحباب. حاول أن ترى الحقيقة الأكبر وهي ان هذا الكوكب كله وطنك, وان أسرتك ليس الأسرة الصغيرة التي أنجبتك, وإنما أسرتك هي الأسرة البشرية بجميع أعراقها وأديانها وبجميع عاداتها وتقاليدها, ولذلك لا تنزوي في ركن ما, وتدع الآخرين يفصلون وأنت تلبس, بل ساهم في خلق الواقع, ولا تتخلى عن حقك في المساهمة في صنع الواقع لهذا العالم.. لا تشعر بالهزيمة وبأنك لا تملك شيئا أو ليس لك سلطة لتغير هذا العالم, فأنت عندما تفكر بطريقة ايجابية وتتعامل مع المحيط بطريقة ايجابية, فانك تنشر طاقة الحب على هذا الكوكب, وهذه الطاقة سعود إليك يوما ما.. انك عندما تعمل عملا جيدا وبنية حسنة, قد لا تلقى النتيجة حالا, فأنت كالفلاح الذي يضع البذور ويسقيها, وينتظر, فالأشجار تأخذ وقتها في النمو وربما غرسك يأكل منه أبناءك دونك, بينما أنت تأكل من غرس الفلاح الذي سبقك.
كثيرين هم الذين تحدثوا عن عشق الوطن بكونه مكانا..أشعر بأن الوطن هو مفهوم أكثر عمقا من الحدود الجغرافية والعادات والتقاليد والثقافة.. هل فكرت قط ان معنى الوطن الذي قد يتسع ليعني الكون بأكمله قد يضيق أحيانا ويختزل ليكون الوطن هو الحبيب أو الحبيبة؟؟؟ هل فكرت ان معنى الوطن قد يكون هو نفس علاقتك بالأشياء؟؟ أو أن الوطن هو علاقة حميمة تربطك بإنسان ما؟؟ يظل الوطن هو معنى نضفيه نحن على الأشياء, ويظل الوطن هو شعور تراكمي نحن نخلقه لنتعبد في محرابه.. ويظل وجود الإنسان عاطفيا.. وتبقى للأشياء ما نضفي عليها من معاني وعلاقات جدلية نصيغها معا كعقلية جمعية ونؤكد عليها بصفة دورية ونقيم لها الطقوس...
معنى جديد للوطن:
الوطن إنسان تسكنه ويسكنك..
الوطن ليس أرضا..
ليس سماءا..
ليس لقمة عيش..
الوطن عيونا وضلوعا وفكرا
يحتويك
يغفر لك أخطاءك..
يحنوا عليك
عندما يجفوا عليك الزمن..
الوطن صديق يفتح لك قلبه قبل بيته..
يستمع اليك بقلبه..
يغفر لك قبل أن تخطأ
ينتظرك لتكبر
عندما تتعثر قدميك فتسقط..
وعندما تشتد حيرتك
فتصير غريبا عن ذاتك..
الوطن هناك.. صديقا ينتظرك أبدا..
ذراعاه مفتوحة لترتمي بكل يقلك
يحتضن أحزانك
وينتشي لفرحك
وينتظرك عندما تكون هشا وضعيفا وبغيضا
ومعذبا
لأنه يدرك تماما الضياء داخلك
ولأنه يملك دوما أن يرى فيك
مالا يراه الناظر اليك
انه يملك أن يراك بقلب المحب
لا بقلب القاضي الذي يفتش عن أخطاءك
وعيوبك ليدينك..
الوطن الصديق والحبيب والرفيق
الذي تلجأ اليه في غربتك واغترابك..
غربتك عن ذاتك
وغربتك عن الآخرين
الوطن لا يلفظك وان استفززته أحيانا..
الوطن لا يطردك من رحمته وان أغضبته..
الوطن ملجأ روحك عندما تتوه..
وعندما تشتاق للحب
وعندما تشتاق للسكينة..
وعندما تشتاق للفرح والجنون..
وعندما تحزن
وعندما يصبح طعم الحياة مثل طعم الحنظل..
الوطن يقف دوما هناك
كخلفية أبدية
تتحرك كل الصور أمامها
بينما هي هناك.. باقية بثبات
تنموا معك رويدا رويدا..
ترافق ساعات حزنك وفرحك
ثانية بثانية
تعرف تفاصيل تاريخك
وتغفر لك هفواتك وسقطاتك
لا حاجة لأن تشرح شظاياك وأحزانك
فالوطن هناك ليحضنك ويعيد صياغتك
يجمع شملك وأشلائك
ويستوعب كل ألوانك
ويعمل دوما في حب ودأب
لتكمله ويكملك
يكون مرآتك يوم حزنك وفرحك
وتكون مرآته يوم حزنه وفرحه
الوطن عيني حبيب لا يغار من العابرين
ولا يمكن للحساد استفزازه ليمقتك
ولا يشعره نجاحك بالانكماش
فنجاحه أو نجاحك هو تفوق لكليكما
الوطن يستوعبك ليصنع من كل اللحظات
جسرا للتواصل الروحي والأبدي معك
لهذا ستشعر دوما باليتم والتشرد
ما دام هناك وطن لا يستوعب جرحك..
المفضلات