مثقفو التمويل الاجنبي
أبدو غريبا، أحيانًا، فانا من سلالة الديناصورات، حملت من جيناتها جينًا يحثّني على المساءلة، فأبدو غريبًا، هكذا، دائما أستطيع أن أقف في الزوبعة، في منتصفها، وأرى بكلّ الوضوح ما لا ينفع الناس، يعلو، وينحط، ثمّ أرى الزوبعة وقد هدأت، بل تلاشت، ولم تخلّف عاليًا، ولم تترك إثرها في الأرض منحطًّا، وإنّما تلاشت فتلاشى ركّابها معها... وهذا آخر عهدي بديناصور متحجّر ما يزال يشهد الزوابع ولا ينهار، ولا يتلاشى...
أبدو غريبًا، وهنا مربط الفرس، أو النعامة، الفرس فرسٌ، والنعامةَ نعامةٌ، إلا أن أحد أجدادي الديناصورات قد سمّى فرسَه النعامة لكي تأخذ من اسمها نصيبًا، وتدفن رأسها في الرَّمل إذا تحرّكت الخيول إلى غاية غير شريفة، أو حرب ليس له فيها ناقةٌ أو جمل....
لذا أبدو غريبًا، غربة ذلك الجد في حربٍ لم يكن من جناتها، وحديثي ليس عن الحرب التي تعرفونها، وعركتم ثفالها فأنتجت كلَّ أشأم، تلك الحرب التي أدلى عنها جدّي الآخر بحديث مرجّم، وإنّما مدار حديثي عن حرب أخرى، حرب في مخادع النساء، وفي أطباق المائدة، وفي حبر الجرائد، وفي لعلعة المهرجانات، وبهرجة اللعلعانات...
بدأت أبدو أكثر غرابة، أعرف، ويبدو لي أنّني لو تركت هذا القلم الذي يَخِزُ أصابعي إلى غايته لرحت في رحلة غفران، ووقفت على السِّراط أعدّكم واحدًا واحدًا: هذا هنا وهذا هناك، لكنّني من باب الكرم الديناصوري، سوف ألجم القلم، وأقطع اليد التي تهمز حصان الرّحلة، لأظلّ بينكم، وأتحدّث عن النار المسروقة من المعبد، النار التي كانت غايتها إضاءة العالم حول العبّاد الزهّاد، فصارت المعبودة الغائبة بعد أن سرقها عابر طريق، أو لصّ معابد.. فذهبت في البعيد، واستفتى العُبّاد قلوبَهم فلم تفتهم...
أنا بينكم ، وهذا ما يجعلني أبدو غريبًا، إذ إنّني، بوحي ما، أو بانفلات لحظة ديناصوريّة من جد قديم، أرى الوهم وقد قلب عاليها سافلها، وصار جَجنَّشًا من نقول إنّه جُحَيش...
أنا الآن بينكم بعد أن أشبعت في المقدمة السابقة رغبة أسلافي في المجاز الموجع... أنا الآن بينكم، في وسط الزوبعة، وأرى من ركّابها عرّابي التمويل الأجنبي، ولكم المشهد كما أراه من وسط الزوبعة، أقصد الوصف الحقيقي لأكياس الوهم التي يرفعها التمويل الأجنبي السّخي:
فنّان تشكيليّ، ضحل الموهبة، والإحساس، قابل للبيع في أي مزاد، ولا من مشتر، فجأة، كان علمًا، متنغنغًا، تذكره ندّابات الإعلام الثقافي بوصفه آخر الفاتحين...
شاعر تافه لا يستطيع أن يقيم جملة سليمة، وذهَبَ إلى الشعر مُشْتَهَرًا لأنّه، الشعر، حمار المغفّلين البُله في زمن لا يقيم للشعر وزنًا... الشاعر إيّاه يكتب ال"قصائد" التي ليس لها معنى، فيكافأ بسخاء مادّي وإعلامي لأنّه اختار أن يكون خارج لعبة الموت والحياة، وقبلَ أن يكون فاقدَ الذاكرة...
روائي يكتب رواية تدور أحداثها في " كلسونه" بوصفه فضاءً خارج الزمان والزمانيّة، فتقام له صلاة الرّحيل إلى أقاصي حدود التحديث، ذلك أنّه كان أكبر من المكان والإنسان...
مُفكّر يبدأ بشتم الأسلاف، ويبتدع نظريّات تسقط في الصف السادس الابتدائي، قرّر أن يكون مفكّرًا لأن هذا الإقليم يحمل الغث والسمين، ولا بأس أن يكونَ غثَّه إلى حين... هذا المفكّر لا يسكن شقّة مستأجرة بأكثر من ثلثي دخله، وإنّما تُغدق عليه الأموال لأنّه بات مزيّنا للفسوق والغطرسة وشطب ذاكرة الشعوب...
أراهم أمامي الآن يعتلون الزوبعة، فيتوهّمون أنّهم في عليّين، وأنا، والعياذ بالله من هذه ( الأنا)، عندما أقول: (عندنا)، فإنّني ، بحكم الخلفيّة الديناصوريّة، أقصد العرب، والجغرافيا التي تنطبق الآن على سحناتهم من خليج يغرّبُ إلى محيط يَشْرَق.
المفضلات