370 طفلاً يفتقرون إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة
الأطفال الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. معاناة استثنائية في يوم الطفل العالمي (تقرير)

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

[ 22/11/2009 - 09:14 ص ]

لحظات رعب قاسية عاشها الطفل الفلسطيني حسام فيصل مهنا من بلدة دير الغصون شمال مدينة طولكرم في الضفة الغربية، والذي لم يتجاوز من العمر أعوامه العشرة، عندما احتجزته قوات الاحتلال الصهيوني قبل عدة أيام لأكثر من عشر ساعات، ليعكس نموذجًا مما يواجهه الطفل الفلسطيني من جرَّاء انتهاكات الاحتلال، وللمفارقة فإنها تأتي بالتزامن مع احتفالات العالم بيوم الطفولة العالمي.
ولم يجد بكاء الطفل حسام الشديد واستنجاده بأي إنسان صدى عند جنود الاحتلال الذين انهالوا عليه بالضرب، بعد اعتقاله قبل أيام، وتكبيل يديه من الخلف، ووضع عصابة على عينيه، واحتجازه لمدة عشر ساعات في مكانٍ ناءٍ، مرت عليه كأنها عشر سنين بفعل الخوف الشديد والبرد والجوع والعطش الذي كان يشعر بها في نفس الوقت، لتترك هذه التجربة القاسية لديه آثارًا نفسية سلبية لا يزال يعاني منها رغم مرور عدة أيام عليها.
وتؤكد وزارة الأسرى والمحررين في تقريرٍ خاصٍّ لها عن الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال بمناسبة يوم الطفل العالمي، الذي يصادف العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)؛ صدر اليوم الأحد (22-11)، تلقى "المركز الفلسطيني للإعلام" نسخةً منه.. أن ما واجه الطفل مهنا يحدث يوميًّا مع العديد من الأطفال الفلسطينيين، وجزءٌ بسيطٌ من الاعتداءات وأساليب التعذيب التي يتعرَّض لها الأسرى الأطفال طوال سنوات الاحتلال، والتي ازدادت ضراوة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى؛ حيث يتعامل الاحتلال مع الأطفال كـ"مخرِّبين" و"إرهابيين"، فيذيقهم أقسى أصناف التعذيب والإهانة والتنكيل.
370 طفلاً معتقلون في سجون الاحتلال!

وقال رياض الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بالوزارة إن الاحتلال يحتجز في سجونه ما يزيد عن 370 طفلاً دون الـ18 عامًا، في ظروف لا إنسانية وقاسية، ويحرمهم من كافة حقوقهم، ويسومهم كل أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة من ضرب و"شبح" وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم، وحرمان من الزيارة، ويستخدم معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات، والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الصهيونية.
وأوضح الأشقر أن سلطات الاحتلال اعتقلت خلال انتفاضة الأقصى ما يزيد عن 7500 طفل؛ 85% منهم طلاب مدارس؛ يعيش معظمهم في سجن "ريمونيم" الجديد؛ وذلك بعد إغلاق قسم الأحداث في سجن "هشارون"، إضافة إلى سجنَيْ "مجدو" و"النقب" اللذين يعتبران من أسوأ السجون؛ حيث تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات الإنسانية والصحية؛ فهم يعيشون في غرف لا تتعدى مساحة الواحدة منها 20 مترًا مربعًا، حتى إن بعض الأسرى شبَّه هذه الغرف بعلب السردين أو المقابر.
ظروف احتجاز قاسية!

وعدَّد التقرير أشكال معاناة الأطفال الأسرى في ظل ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، موضحًا أنهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا تتوفر فيه هوية ولا إنارة مناسبتان، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، نقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية.
وأضاف التقرير معددًا أشكال المعاناة التي من بينها الحرمان من زيارة الأهل والمحامي، وعدم توفر مرشدين ومختصين نفسيين، والاحتجاز مع البالغين أو مع أطفال جنائيين صهيونيين، والإساءة اللفظية والضرب، والعزل والتفتيش العاري، والعقوبات الجماعية وتفتيش الغرف، ومصادرة الممتلكات الخاصة وكثرة التنقل، والحرمان من الفورة للعقاب.
كما أن الأطفال محرومون من حقهم في التعلم واستخدام المكتبة، بالإضافة إلى أن سلطات الاحتلال اتخذت من قضايا الأسرى الأطفال موردًا للدخل من خلال استمرار سياسة فرض الغرامات المالية الجائرة والباهظة عليهم من خلال قاعات المحاكم العسكرية الصهيونية، وخاصة محكمتي "عوفر" و"سالم"، اللتين تحوَّلتا إلى سوقٍ لابتزاز الأسرى وذويهم ونهب أموالهم؛ فلا يكاد يخلو حكم من غرامة مالية قد تصل إلى عشرة آلاف شيقل (حوالي 2500 دولار)؛ الأمر الذي أرهق كاهل عائلاتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أصلاً في الأراضي الفلسطينية.
آثار نفسية

وبيَّن الأشقر أنه نتيجة تلك الظرف القاسية التي يوضع فيها الأطفال، فإن معاناتهم لا تقتصر على فترة وجودهم في السجن، بل تتعدَّاها إلى مرحلة ما بعد السجن؛ حيث إن الأطفال يخرجون من السجن وهم في حالة نفسية مقلقة تنعكس بشكل خطير على حياتهم، فضلاً عن الكوابيس التي تلاحقهم خلال النوم، وعدم القدرة على ضبط الانفعال والتركيز، ومشكلة التبول اللا إرادي نتيجة الخوف الذي يرافقهم فترة طويلة بعد التحرُّر.
ولكن أخطر ما في الأمر هو عدم قدرة العديد من هؤلاء الأطفال المحرَّرين على الاندماج في المجتمع، والعودة إلى الحياة الطبيعية كما كانوا قبل الاعتقال، فيميلون إلى العزلة والوحدة، ويصبحون عدوانيين من جرَّاء هذا الوضع الجديد، وكذلك يجد الأطفال الذين يقضون عدة سنوات في السجن صعوبة في العودة إلى مقاعد الدراسة؛ لشعورهم بالحرج من الوجود في الصفوف مع أطفال يصغرونهم عدة سنوات.
محاكم خاصة

وأكدت وزارة الأسرى أن الاحتلال يُخضع الأسرى الأطفال لمحاكم مخصصة للكبار منذ عشرات السنين بشكلٍ يخالف القانون الدولي ويفرض عليهم أحكامًا قاسية مجحفة لا تتناسب مع سنهم ولا حجم الفعل الذي ينفذونه، والذي غالبًا ما يكون إلقاء حجارة على قوات الاحتلال، إلا أن الاحتلال أعلن وبشكلٍ مفاجئٍ قبل ثلاثة أشهر تشكيل محاكم خاصة بالأطفال الفلسطينيين لمراعاة ظروفهم، وأنه بدأ العمل بها قبل عدة أيام.
واعتبرت الوزارة هذا الادعاء مجرد تضليل للرأي العام، ومحاولة لتجميل صورة الاحتلال القبيحة وإقناع العالم بأنه "دولة ديمقراطية" تراعى حقوق الإنسان فيما يتعلق بهذا الجانب، إلا أن هذه المحاكم العسكرية لا تختلف عن سابقاتها شيئًا ولم يُجرِ الاحتلال عليها أي تعديل أو تغيير ولا سنَّ قوانين جديدة لمراعاة ظروف الأطفال الأسرى، كما أنها -كغيرها- تأتمر بقرارات جهاز المخابرات الذي يملي عليها الملفات السرية والتهم، ومن ثم يقترح عليها الأحكام المناسبة من وجهه نظره، وهذا يجعل الخطوة الصهيونية بتشكيل محاكم خاصة بالأطفال فارغة المضمون، وتأكيدًا لنهج الاستهتار بالقانون الدولي؛ فهذه المحاكم لم تلتزم بالسن الذي حددته المواثيق الإنسانية للقاصر، ألا وهو أقل من 18 عامًا، وكذلك لم تعتمد آليات جديدة للتعامل مع الأسرى الأطفال، وما هي إلا إضافة رقمية فقط للعديد من المحاكم الذي أنشأها الاحتلال للزج بالفلسطينيين سنوات طويلة خلف القضبان.
مخالف للقوانين

وأشارت الوزارة إلى أنه على الرغم من أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدًا "اتفاقية حقوق الطفل"، شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم وتوفير فرص النماء والنمو، وقيَّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حريتهم؛ فإن سلطات الاحتلال الصهيوني جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الخيار الأول؛ حيث كثَّفت من عمليات اعتقال الأطفال الفلسطينيين خلال انتفاضة الأقصى، كما أن العقوبة التي يخضع لها الأطفال الأسرى تزداد بشكل مستمر؛ ما يشير إلى توجُّهٍ عامٍّ نحو تكريس سياسة اعتقال الأطفال ومحاكمتهم بأحكام كبيرة من قِبَل قوات الاحتلال الصهيوني، وغالبًا ما يتم الاعتقال على خلفية إلقاء الحجارة أو التظاهر ضد جنود الاحتلال الصهيوني.
طرق الاعتقال

وعن طرق الاعتقال أفاد التقرير بأن الأطفال غالبًا ما يُعتقلون من الشارع أثناء لعبهم أو الوقوف مع أترابهم أو أثناء المظاهرات، أو توجههم إلى المدارس أو خروجهم منها؛ حيث تنتظرهم دوريات الاحتلال على أبواب المدارس لاعتقالهم، وكذلك يعتقل الأطفال من بيوتهم وفي منتصف الليل؛ إذ يقوم عدد كبير من الجنود الصهاينة المدجَّجين بالأسلحة والعتاد باقتحام بيوتهم بقوة، وتفتيش منازلهم والعبث بمحتوياتها، ثم يتم عصب أعينهم وتقييد أيديهم ونقلهم إلى أماكن الاستجواب والتحقيق معهم على هذه الحالة، ودون أية فرصة للنوم أو تناول الطعام أو الذهاب إلى الحمام.
وكذلك تعتقل سلطات الاحتلال الأطفال على الحواجز العسكرية؛ حيث توضع أسماء المطلوبين منهم على قوائم عند نقاط التفتيش أو المعابر الحدودية دون علمهم؛ حيث يتم اعتقالهم بمجرد معرفة اقترابهم من الحاجز، فتعصب أعينهم، وتقيد أيديهم انتظارًا للترحيل ثم التحقيق.
وناشدت الوزارة المنظمات الدولية المعنيَّة بالأطفال والصليب الأحمر بتحمُّل مسؤولياتها، وإلزام الاحتلال بتطبيق المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالأطفال لوضع حدٍّ لمعاناتهم المتفاقمة بشكلٍ يوميٍّ.