ليتهم يعلمون
[ 22/11/2009 - 07:14 ص ]
د. أحمد نوفل



"أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" لم يكن عباس ليحتاج أن يسير في الأرض لينظر كيف كان عاقبة "الذين من قبلهم" فالذي سبقه مدفون إلى جواره، أسأل الله أن يجمعهما قريباً.. وكان بالإمكان أن يعتبر من مصيره، وكيف أنه مات مسموماً، ومهموماً قبل أن يكون مسموماً، فقد لبث سنين معزولاً في المقاطعة منبوذاً لا يتصل به أحد.. وكانت هذه هي مكافأة نهاية الخدمة بالنسبة لإسرائيل وأمريكا، وهكذا يكافأ العرب على خدماتهم الجليلة! ووالله إن السلطة قدمت لإسرائيل أكثر من ثلاث فرق من الجيش الإسرائيلي.. وبلا موازنات وتكاليف ترهق الميزانية الإسرائيلية، بل إنها حرست إسرائيل بديون على الشعب الفلسطيني أو مساعدات من العرب "لإخوانهم" الفلسطينيين، أو معونات أمريكية دعماً لحماة إسرائيل المتسربلين باسم السلطة الفلسطينية، قسم كبير منهم حتى لا نقع في التعميم!

وقد قدم عباس استقالته المفاجئة، ولم يصدقه أحد. ظن الناس أنها كمناورات كثير من الزعماء العرب، يستقيلون والويل لمن أخذ الأمر على محمل الجد! ثم يعودون وقد ارتفعت أسهمهم وزادت شعبيتهم.

وبقي هذا الانطباع سائداً، وطبّق البعض عليه المثل: "يَتَمَنَّعْنَ وهُنَّ الراغبات" والاستقالة في عالم العرب من الاستحالة أن تكون حقيقية.

قلت: بقي هذا الانطباع إلى أن انكشف أن الشقراء كلنتون أمرت عبدها عباس أن يقدم استقالته.. ولم يكن نتيجة شرب حليب السباع، ولا عن وعي بخطورة المرحلة، ولا لدوافع الوطنية.. لقد عرض الأمريكان –نيابة عن أسيادهم الشعب المختار- عرضوا على المختار بعد الختيار الشروط نفسها التي طلبوها من "الختيار"، فرفض عباس الخلف كما رفض الرمز السلف..، لأنها شروط فوق مستوى القبول، وهي حكم بالإعدام كما كان الرمز يردد..

وكان الرجاء من "فتح" وقياداتها للرئيس الرمز بأن يعدل عن استقالته في غير محله، لأنه ليس هو صاحب الأمر ولا صاحب القرار، فهلا توجهتم بالرجاء لمن يملك القرار، وكفى خداعاً للجماهير. أما خطاب عباس في رام الله في ذكرى الرمز فقد تكلم فيها عن المعايير المزدوجة لأمريكا، وكأنه يراها أي المعايير لأول مرة، ومتى كانت أمريكا على غير هذه الصفة.. فردت عليه الشقراء، صاحبة العصمة! لا تنس أنك شغال معنا منذ سنة 72 ، ويستر عليكِ مثلما كشفت لنا تاريخ تجنيد العملاء من بني جلدتنا.. "أرشيفهم وتاريخنا" وصدق من قال. ولو كان العربان يتعلمون من دروس من سبقهم ما تكررت المآسي ولا خضنا في مخاضات الباطل، وأضعنا حقوق الشعب بعد ضياع الوقت والعمر سدى. ولو كان عباس مخلصاً لكشف كل المستور، ومن قبله لو أراد الرمز أن "يلخبط" الدنيا، كما كان يهدد لفعل، لكنه آثر أن يموت وسره في صدره، وابن أخته البطل الذي سكت دهراً يكشف لنا قبل أيام أن خاله مات مسموماً، فلماذا صمتّ والسكوت مواطأة!؟

نعود إلى عباس، الذي لا يتعلم ولا كل العربان يتعلمون، لو كان صادقاً وقد جرحته المتكبرة المتغطرسة "للخبط" إسرائيل بحل السلطة، فهذا "الحل" كفيل بإرباك إسرائيل إرباكاً لا حد له.. لكنهم حراس أمناء، لا يفكرون مجرد تفكير في أذى إسرائيل. حل السلطة يعيد الشارع الفلسطيني إلى سخونته وثوريته التي قهرتها وقتلتها وميعتها وضيعتها ومنعتها السلطة.

تعود المواجهات إلى الشوارع ويعود جند البغي يجْرون في شوارعنا كالحمر المستنفرة يطاردون فتية لا يملون ولا يتعبون.. فالسلطة تقوم بكل المهمات القذرة نيابة عن إسرائيل.

فيا عباس كفّر عما ارتكبت يداك من السبعينيات إلى الآن مروراً بأوسلو يا مهندس أوسلو، إلى جرائمك المعاصرة، وهزئك بالمقاومة..

وقد اكتشفنا أخيراً أن من ضمن البنود السرية لأوسلو الموافقة على وطن بديل، وليس في كل أوسلو إشارة إلى الاستيطان. وهكذا فلتكن المفاوضات والاتفاقات!

أما من يخلف عباس، فأمريكا ليست عاجزة فعندها من البدائل أطقم بعضهم بثياب الوطنية، وبعضهم مكشوف بالخيانة معروف وبالتواطؤ موصوف .. وربما سمحت بإجراء انتخابات تعْلم نتائجها أو ترتب، فيصبح خليفة عباس متبجحاً مثل عباس بأنه الرئيس المنتخب، وهكذا فلتكن الديموقراطية، إما مفرّخة عملاء وجواسيس، وإلا فلا كانت!

وهل لا زلتم تذكرون عندما أعلن "سلام" عن دولة فلسطينية عتيدة يعلنها جنابه من طرف واحد، وكأنه يملك أن يخرج من رام الله إلا بتصريح من ضابط ارتباط ربما يكون برتبة عريف. وأعلن سلام أن الدولة ستعلن في سنتين، وهي المدة التي تحتاجها أمريكا وإسرائيل ودايتون لاستكمال تدريب أطقم من يديرون دولة الجواسيس! لتكون حامية لإسرائيل وذيلاً لها إلى يوم الدين. والأخ عمرو موسى يتكلم عن دولة فلسطينية تعتمدها الأمم المتحدة ويا أخ عمرو موسى أليس عندك 22 دولة بعدد الشظايا التي تشظت إليها الأندلس على أيدي زعماء الطوائف الذين أضاعوا الأندلس، فما تصنع دويلة عميلة لا تملك من أمرها شيئاً، وجندها وأجهزتها دربت على أن تكون كلاباً تحرس الأعداء وتنهش الأشقاء؟

السلطة عاجزة، ولكنها كفؤة في إضعاف شعبها ولجمه واختطاف الخلايا الحية فيه، وتعذيبها حتى الموت، أو قبل الموت.. وعباس عاجز إلا عن التآمر على شعبه.

ولكن فلتذق يا عباس الهوان على ما كسبت اليدان من خيانة قضية الأمة والدين..

فهل يتعلم ورثة عباس أم أن سكْر اللحظة وحلاوة السلطة تنسي الجالس على الكرسي ما يكون في غد؟