مسامير وأزاهر 131 ...

درس تركي ثمين بالكرامة وعزة النفس!!!.


لطالما تحدثنا ونوهنا عن الفرعنة الصهيونية، وكيف أننا نحن العربَ قد أصابنا منها الشيء الكثير حتى تجاوز أمر تلك الفرعنة خط الكرامة العربية وهدر حقوقها الوطنية والقومية والسيادية ، إلا أننا ( سهواً أو قصداً ) كنا قد تناسينا تماماً بأن تلك الفرعنة الصهيونية الممثلة بممارسات وتجاوزات وغطرسة لم تأت من فراغ أبداً ، وإنما كانت قد تأتت انعكاساً طبيعياً لحالة الخنوع والهوان والانبطاح الذي تميز به الأداء الرسمي العربي وعلى مختلف الصـُعـُد والميادين ، فكان أن أوقع الكيان الصهيوني في ( حبائل ) متاهة الغطرسة ووهم التجبر والإحساس بجنون العظمة والقوة، مما أدى بالعدو الصهيوني إلى التوهم أن بمستطاعه أن يفعل ما يشاء ... وقتما شاء ... وبمن شاء دونما ردع أو وقفة ثأر لكرامة مهدورة، تماماً كما جرت العادة معنا نحن العرب ... أصحاب المجد التليد والماضي المجيد !!.

لا أجافي الحقيقة لو قلت بأن تلك الفرعنة الصهيونية بكل عناوينها الممثلة بالغطرسة والعنجهية والصلف ، إنما كانت وليدة طبيعية لتراكمات ممارسات ومواقف رسمية عربية اتسمت على الدوام بهوان وخنوع وطأطأة رأس قد امتد لسنين طوال، اعتاد خلالها حكامنا وقادتنا العرب ( إلا في حالات نادرة جداً !! ) على الإذعان للتجاوزات والسكوت على العنجهية الصهيونية ( العسكرية والدبلوماسية ) بحقهم وحق بلدانهم بحجة التزام حكامنا وقادتنا بخيار السلام واحترامهم لنهج التسوية وما أبرم من اتفاقيات وعهود و تحت ذريعة الحكمة والتسامح الإنساني والانقياد التام للشرعية الدولية وتجنيب البلاد والعباد الأذى وغيرها من مفردات من لا حياء ولا كرامة بقاموسه، ولربما، وتفسيراً لتجاوز الحكومة الصهيونية بحق سفير تركيا مؤخراً، فإن حكومة يهود قد ظنت واهمة بأن ما تسكت عليه حكومات الدول العربية على مضض وتتقبله من إهانات مستمرة برحابة صدر ( المؤمن بنهج التسوية والحكمة السياسية !!)، فإنه ولا ريب ستقبل به القيادة والحكومة التركية برحابة صدر العربي و( سعة حكمة ) قياداتهم ... أيضاً!!.

بالأمس القريب، كانت حكومة النتن ياهو قد مارست ما اعتادت أن تمارسه من عنجهية وصلافة وغطرسة حين أقدم دان آلون ( نائب وزير الخارجية ) وعدد من معاونيه بتعمد مبيت على إهانة السفير التركي، فأجلسوه على مقعد أقل ارتفاعاً مما جلسوا هم عليه قبالته ... ذاك أولاً ، وحين تعمدوا بخبث معهود مبيت على مخالفة الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية والتي تقتضي وجود علمي ّ الطرفين المتحاورين، فاكتفوا بوضع علم "إسرائيل " لوحده على الطاولة التي فصلت بينهم وبين السفير التركي ثانياً!!، وبخطوة فاجأت حكومة يهود وفـُتّ في عضدها ، فقد جاءهم الرد التركي الرسمي مزلزلاً وسريعاً حين هددوا حكومة نتن ياهو باتخاذ إجراءات دبلوماسية مشددة تبدأ بسحب سفيرها أولاً إن لم يـُقـَدم اعتذار صهيوني رسمي خطي معلن عما جرى بذاك اللقاء ، ولم تكتف حكومة تركيا بهذا الشرط ، بل اشترطت أيضاً على الحكومة الصهيونية مهلة زمنية قصيرة لتقديمها الاعتذار ، فلم تجد حكومة يهود من بـُدّ إلا الرضوخ مذعنة صاغرة ذليلة لذاك التهديد المهين وغير المسبوق لتكون صفعة قوية رنانة طنانة تتناسب و حجم ( الكرامة ) التركية واحترامه لدولتهم وعلمهم!!.

لم تعتد الحكومة الصهيونية على تقديم الاعتذار عما تمارسه وما تتخذه من مواقف ، ولا غبار في أن ذاك الاعتذار المهين المقدم منها لدولة تركيا ( المعتدة بنفسها والمحترمة لذاتها وكرامتها ) وما زامن ذاك الاعتذار من تصريح على لسان النتن ياهو في تبرير فعلة آلون تلك ، إنما كان قد جاء لجملة أسباب لعل أهمها :
1. ردة الفعل السريعة والقوية والمفاجئة من لدن حكومة تركيا جراء استيائها من تلك الغطرسة وقلة الأدب وعدم مراعاتها للأعراف الدبلوماسية والتي قد تتفاعل إلى قطيعة دبلوماسية بينهما تخشاها "إسرائيل" كثيراً.
2. التغيير الكبير الذي طرأ في الآونة الأخيرة على العلاقة بين تركيا والكيان الصهيوني في أعقاب الحصار الجائر على غزة ، وتسارع ذاك التغيير تحديداً في أعقاب الحرب العدوانية الصهيونية التي شنت على قطاع غزة ، وخروج التظاهرات الشعبية التركية المنددة بذاك العدوان ، وما صدر من تصريحات شديدة اللهجة من الحكومة التركية المساندة لأبناء غزة ، والتي جاءت بعد أشهر عسل طويلة ولعقود من الزمن لعلاقات قوية متينة بين تركيا والكيان الصهيوني.
3. ما أقدم عليه السيد رجب طيب أردوغان من إهانة كبرى بحق شمعون بيريز في مؤتمر دافوس ، حيث وجه له كلاماً لاذعاً مع انسحابه من المنصة ذاتها التي كان يشاركه فيها عدد من الشخصيات الأممية!!.
4. احتمال خسارة الكيان الصهيوني لتركيا بشكل نهائي امتثالاً للمطالب الشعبية التركية ورغبة أكيدة من حكومة تركيا المسلمة على العودة من جديد للعب دور فاعل ومشرف مساند للقضايا العربية عموماً والفلسطينية خاصة !!.

تساؤل ملح على ضوء ردة الفعل التركية التي جاءت لحسابات الكرامة والشرف ...
هل كنا سنتوقع من حكوماتنا العربية ( المعتدلة ذات العلاقات الدبلوماسية مع العدو ) أن تحذو حذو حكومة تركيا فتطالب باعتذار صريح وسريع ووفق مهلة محددة لو جرى لدبلوماسييها ما جرى للسفير التركي!!؟.
والجواب دونما عناء ، يكمن واضحاً لا لبس فيه من خلال هذا الموقف الخطير ( ذي الدلالات والأبعاد ) تحديداً ... ففى جلسة لما يسمى بالكنيست الصهيونى يوم الأربعاء الموافق 29 – 11 – 2008 ، كان أفيغدور ليبرمان ( زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" ) قد تفوه بأقوال مسيئة بحق الرئيس المصرى حسنى مبارك ، وقال من ضمنها ( أن على الرئيس مبارك ان يزور إسرائيل ... أو فليذهب للجحيم !! ) ، في الوقت الذي لم يصدر أي ردة فعل من خارجية مصر استنكاراً وامتعاضاً لذاك الذي تلفظ به ليبرمان بمنتهى الوقاحة ، ولا أدري أسباب ذاك العزوف عن الاستنكار ، فلربما كانت للقيادة المصرية حكمة وتبرير في تجنب الرد والاستنكار على ما تفوه به ليبرمان من إساءة بحق الرئيس مبارك مرده يكمن ( بحكمة ) مفادها ... تجنيب مصر وشعبها تداعيات ما قد يسببه الموقف المصري المطالب بالاعتذار مما سيسبب بالتالي إلى انهيار للسلام المعقود بينهما مما سيعيد مصر رغماً عن أنفها إلى الحضن العربي القومي المشرف!!.

إن ما حدث كان أكبر دليل على أن "إسرائيل" نمر من ورق ، وأنها لا تفهم غير لغة التهديد والوعيد والإنذار، لغة الكرامة والإصرار والتشبث بالحق !!.

صدق من قال ... إن لم تستح فاصنع ما شئت!!!.

سماك العبوشي
Simakali@yahoo.com
15 / 1 / 2010