~ غَيْضٌ.. وأقْفاصُ عصافيرْ~
ثم انْصَرَفَتْ مُسْرِعَةً وَقَدْ طَابَ عَرَجُهَا واسْتَقَامَ ظَهْرُهَا وصارَتْ تَعْدُو كَجَوادٍ طَلِيقٍ، فأَخَذَتْ سَبْعَةً من الأَقْفَاص، ووَضَعَتْ في كُلِّ واحِد مِنْهَا زَوْجًا من العَصَافِير الجَمِيلَةِ، وأَمَرَتْ رَئِيسَ الخَدَمِ بِإِدْخَالِهَا عَلَى المَلِك وَقْتَ اجْتِماعِهِ بالقُضَاة والحَاشِيَة لمِنُاقشة أُمُور البِلاد الجَادَّة، وإفْهامِهِ بأنَّها مِنْ بَنَاتِه.
~ مَنْ يَتَزَوَّج بَنَات السُّلْطان؟ ~
فائْتَمَرَ الخَادِمُ بِأَمْرِهَا وتَحَيَّنَ مَوْعِدَ الاجْتِماع ودَخَلَ القاعة، فانْدَهَشَ الحُضُورُ، وكَذَلِكَ المَلِكُ، فاسْتَفْسَرَ عَنْ مُرْسِل هذه الهديَّة الجَميلَةِ فأَخْبَرَهُ الخَادِم بأنَّها من الأَمِيرات، فَثَارَتْ ثَائِرَتَهُ وغَادَرَ القَاعَةَ غَاضِبًا، ثُمَّ سَرْعانَ ما عَادَ إلَيْهَا وأَعْلَنَ عَلىَ المَلإِ بأَنَّهُ يَعْرِضُ بَنَاتَهُ السَّبْع للزَّواج، وعَلَى كُلِّ مَنْ يَرْغَبُ في مُصَاهَرَتِهِ التَّقَدُّم إلى القَصْرِ بَعْدَ شَهْرٍ، ولْيُقْبِلْ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ، كَبيرهم وصَغيرهم، مَلِيكُهمْ ومَمْلُوكهمْ على حَدٍّ سَوَاءْ...
وأَنَّهُ يُمْهِلُهُمْ الثَّلاثينَ يَوْمًا حَتىَّ يَسْتَعِدَّ القَرِيب، ويَلْحَقَ البَعِيد، ويَسْتَحِمَّ الأَغْبَرُ، ويََتَمَشَّطَ الأَشْعَثُ.
وسُرْعان ما انْتَشَرَ الخَبَرُ في البِلاَدِ كاللَّهَب في الهَشِير، فامْتَلأَتْ باحَةُ القَصْرِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلَةِ الثَّلاثِين بالأَنَام، وَصَعَدَ السُّلْطانُ وبَنَاته إلى أَعْلَى مَكَانٍ في القَصْر، فَسَلَّمَ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ تُفاحَةً.. عَلَى أَنْ تَرْمِيَ بِها إلَى الأَسْفَلِ، وَعَلَى أَيِّهِم تَقَعُ يَكُونُ زَوْجَهَا.
~ التُّفَّـاحَةُ المَنْحُـوسَةُ ~
فَدُقَّتِ الأَجْراسُ، ونُفِخَ في الأَبْوَاق، وأَمَرَ السُّلْطانُ بإِطْفَاءِ جَميعِ القَنادِيل..،
وتَقَدَّمت الأَمِيرَةُ البِكْرُ وَرَمَتْ تُفَّاحَتَهَا، فَوَقَعَتْ في بُرْدَة مَلِكٍ كَبِيرٍ تَحْسدُهَا عليه كُلُّ مَن رَأَتْهُ، ففَرحَتْ كثيرا واغْتَبَطَتْ..
ثُمَّ رَمَتْ الأَصْغَرُ مِنْها تُفَّاحَتَهَا، فَتَلَقَّفَهَا أَحَدُ الأُمَرَاء الأَثْرِيَاء..
ثُمَّ تَلَتْهُمَا الثَّالِثَةُ، فالرَّابِعَةُ، فالسَّادِسَة... وكانَتْ كُل واحِدَةٍ منهُنَّ تَفُوزُ بِأَمِيرٍ وَسِيمٍ أَوْ مَلِكٍ عَظِيمٍ أَوْ وَزِيرٍ مَرْمُوقٍ..وَحَانَ دَوْرُ شَمْس،
فَتَقَدَّمَتْ وَهِيَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يَرْزُقَهَا الزَّوْجَ التَّقِيَّ الصَّالِحَ، وَرَمَتْ التُّفَّاحَةَ عَالِيًا، فتَكَوَّرَتْ طَوِيلاً قَبْلَ أَنْ تَقَعَ عَلَى رَأْسِ "الحَمَامْجِي".. وهُوَ خادِمُ الحَمَّامِ الَّذي يُعْنَى بِوَضْعِ الحَطَبِ في فُرْنِهِ لِتَسْخِينِ مِياهِه،
وحِينَ أُعْلِنَ في الأَسْفَلِ عَنْ هُوِيَّةِ العَرِيس، اسْتَاءَ المَلِكُ كَثيِرًا وأَمَرَ بإعَادَةِ الكَرَّةِ مَرَّةً واثْنَتَيْن، وخَمْسٍ وسَبْعٍ، وكانت التُّفَّاحَةُ في كُلِّ مَرَّةٍ تَقَعُ في حِجْرِ نَفْسِ الشَّخْصِ، وحِينَهَا ضَمَّ السُّلْطانُ شَمْسًا بِحُرْقَةٍ إلى صَدْرِهِ، وقَبَّلَهَا، وأَخْبَرَها بأَنَّ هذا الرَّجُلَ.. هو قَدَرُها الذي لا مَنَاصَ مِنْهُ..، وعَسىَ أن يكون الله قَدْ قَدَّرَهُ لها لِحِكْمَةٍ لا يَعْلَمُهَا غَيْرُه.
~ جِيادُ المُلُوك.. وحمارُ الشَّاب الوَسِيم ~
وفي الصَّباحِ، قَامَ كُلُّ زَوْجٍ باصْطِحَابِ عَرُوسِه إلى بِلاَدِهِ، فَتَوالىَ انْصِرافُ العَرَبَاتِ المَلَكِيَّةِ تِبَاعًا مِنَ القَصْرِ، بَيْنَمَا انْزَوَى هُنالِكَ..في أَبْعَدِ رُكْنٍ مِنَ حَدِيقَتِهِ شَابٌ وَسِيمٌ مُخْلَوْلَقُ الثِّيَابِ هُو وَحِمَارُهُ العَجُوز، وانْتَظَرَ انْصِرافَ الجَمِيع ثُمَّ تَقَدَّمَ مِنْ شَمْسٍ وقَبَّلَ يَدَهَا، وأَرْكَبَهَا ظَهْرَ الحِمَارِ وانْطَلَقَ بِهَا إلى بَلْدَتِهِ وَسطَ حُزْنٍ مُخَيِّمٍ على وَجْه السُّلْطانِ وكُلِّ أَهْلِ المَمْلَكَة..
المفضلات