لا أظن أن الأنظمة الغارقة في مستنقع العمالة والتطبيع والواقعة في فخ الحركة الصهيونية، ومن وراءها دعاة العلمانيّة واللادينيّة لا تدرك أن التمادي في غيها والهرولة دون هوادة للتمسح بأيادي مجرمي الحروب أمثال وبوش وبلير وصنعائهم من اليهود ومن لف لفهم ودار دورهم قد يدفع بالشعوب إلى الانفجار والتمرد، لأنه لم يعد لديها ما تخسره أو تخاف عليه غير قيود الذل والقهر والفقر بعد أن خبرت سياسة التسويف والتضليل وتذوقت مرارة العجز والإفلاس وأدركت أن زعماءها وقادتها قد أوصلوها إلى عصر جديد من الوصاية الاستعمارية الأمر الذي جعل الإنسان العربي العادي جدا يتساءل عن مفهوم السيادة الوطنية والكرامة القومية ناهيك عن دينه الذي باتت المجاهرة به ضربا من ضروب الإرهاب، أما الواعي فقد أصبح يرى أنه لا عزة في ظل أنظمة عميلة ولا حرية مع التبعية والتطبيع؛ فدعاة هذا المنطق حكموا على أنفسهم بالبوار منذ أن ارتهنوا بكليتهم للآخر وركبوا موجة السلام التي وضع لبنتها الرئيس السادات وتبعه من بعدها القادة العرب سرا وجهرا إلى أن قلعوا برقع الحياء دفعة واحدة وباتوا يتبارون ويتسابقون لإقامة العلاقات الدبلوماسيّة مع العدو الصهيوني متناسين في غمرة لهوهم واستخذائهم للآخر أن بحور الدماء التي صنعها العدو الصهيوني بينه وبين العرب لن تجف في يوم من الأيام ولا يمكن اجتيازها إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر قضاء مبرما.
لقد فات الكيان العميل ومن وراءه الولايات المتحدة الأمريكيّة أن الشعوب العربيّة ليست كقياداتها المفروضة عليها بقوة الحديد والنار، وفاتهم أيضا أن من جاء بغير إرادة شعبه لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن يُـقلـّب قلوب الجميع ويجعلهم يمثـّلون دوره ويرضون بما يرى هو وكأنه قرآنا منزلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وظهر ذلك جليّا بعد أكثر من 15 عاما على مؤتمر مدريد للسلام إذ غرقت الأنظمة العربية بالتعامل مع الصهاينة حتى أذنيها وبقيت الشعوب على موقفها الثابت في أن لا تعامل مع الصهاينة البتـّة ماداموا يحتلون أرضا عربيّة ويضطهدون شعبها .
لقد نجحت الأنظمة الخائنة، بما فيها السلطة العميلة ولصوصها في محاصرة وخنق الشعب الفلسطيني ومحاصرته في مخيمات الشتات وكانتونات الداخل حتى يستجيب لسياسة الأمر الواقع المحكوم بالتفوق الصهيوني المدعوم عالميا والمستفيد من خنوع الأنظمة التي بقدر ما تضغط على المقاومة أو الفلسطينية بشكليها السلمي والمسلّح تسعى إلى مغازلة الكيان الصهيوني وتعمل على استرضائه والتطبيع معه استجابة لضغوطات الحركة الصهيونية العالمية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية وقياداتها المختلفة المتخرجة من تحت عباءة شتراوس وتعاليم الكنيسة الإنجيليّة التي هي في مجملها تخدم مصالح إسرائيل وتقول بالخزعبلات التوراتيّة والتي لا تقرها المسيحيّة على كل حال.
لست هنا بصدد لوم الأنظمة العميلة المرهون بقاؤها بقدر مستوى العمالة والخيانة التي تمارسها، وإنما أريد القول أن في مقاومة الحركة الصهيونية ومناهضة التطبيع ورفض العولمة يكمن سر سقوط رموز العمالة والخيانة؛ فكلما حاصرنا هذه الأنظمة وعمقنا فشلها في تمرير المشاريع المسقطة ساعد ذلك على إضعاف العلاقة بين أنظمة العمالة وقوى الهيمنة مما يوفر للشعوب العربية مجالا أوسع لفرض إرادتها وتوسيع نطاق تحركها وتحررها من الصمت والخوف، ويتأتـّى ذلك بأن يحارب كل ومن منطلق اختصاصه وفنـّه الذي يتميّز به؛ فكما إن للمقالة عشاق فهناك لباقي أشكال الأدب عشاق، وكل يحارب من خندقه؛ فالشاعر يحارب بشعره وكذلك القاص والكاتب الساخر ورسّام الكاريكاتور والمترجم. خلاصة القول إن منتدى مقاومة التطبيع لا يختص بفن دون الآخر؛ فحربنا من خلاله مفتوحة ولا هوادة فيها، وجميع الأسلحة المباحة يجب أن تكون مهيأة لان الهجمة اليوم علينا حقيقية وهي إن نجحت لا قدر الله؛ فستتحول الأمة بمجملها إلى رعاة وخدم عند أبناء القردة وحفدة الخنازير، وساعتها سيكون هذا هو الموت الذي لا قيام ولا بعث منه ..!!
اقتطاف وتعليق طه خضر عن عدة دراسات وأبحاث..
إيماض البرق في فضح الاستعباد الجديد والرق - بحث / طه خضر
فنون الأدب ومقاومة التطبيع / طه خضر.
الوحدة والتفرق والانتصار/ الهادي المثلوثي.
الدولة والقانون والمؤسسات _ مقالات .
المفضلات