سامية العرب
أمام اللاسامية الصهيونية
ا.د. عبد الكاظم العبودي

كلما واجه النقد الإنساني همجية المواقف الصهيونية أضحت التهمة لمنتقدي جرائم الصهاينة هي "تهمة معاداة السامية".يحدث هذا كثيراً عبر الإعلام المتصهين، ويتم بهذا الخطاب تجاوز حق العرب أنفسهم وساميتهم.
ورغم أنّ أجداد العرب هم الساميون، وقد كانت "عاد" من أولى هؤلاء الأقوام كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم.
وإذا كانت العرب البائدة أو الساميون العرب قد هاجروا من مواطنهم الأصلية واندمجوا في حضارات المنطقة، وخاصة في الفترات المبكرة من ظهور الحضارة السومرية، كما ثبتته المصادر الأثرية والتاريخية؛ إلا أن تسمية "سامية" وكما ترد اليوم عُمِّمَت بدهاء وخبث من قبل مدارس الاستشراق الغربية، ويجري إطلاقها بالادعاء حصريا أنها انحدرت من صلب "سام بن نوح" الواردة في التوراة. وكان أول من أطلقها النمساوي "شلوتزر" Shlotzer عام 1781, وهكذا شاع اسمها للأسف في الغرب والعالم، ثم تسللت إلى الكتابات العربية بطريق الاقتباس غير الدقيق والتقليد الأعمى.
يعترض علماء اللغات ومؤرخوا الهجرات الجزرية وباحثوا الحضارات العراقية على هذه التسمية، لأنها لا تستند إلى أي واقع تاريخي أو سند علمي أو إلى أسس عضوية صحيحة، أو حتى إلى وجهة نظر لغوية.
ومن الواضح أن إصرار بعض المدارس الاستشراقية على إشاعة هذا المفهوم واصطلاحه لا مبرر له سوى التشبث بالرواية التوراتية، واستخدام الاصطلاح الشائع لإرضاء اليهود. وكما أن كتبة التوراة في هذه القضية سبق أن تعمدوا كثيرا من المغالطات عندما حشروا مع أسرة الساميين أقواما أخرى: مثل العيلاميين واللوديين وأقصوا الفينيقيين والكنعانيين، بناء على ما ترسب عندهم من أحقاد اليهود الشديد لهؤلاء الأقوام فعدّوهم من الكوشيين، كما ورد في كتابات العهد القديم, وفي ذلك الكثير من المغالطات التاريخية.
لقد صبَّ كتبة التوراة حقدهم المبيت على الكنعانيين، فنعتوا كنعان مثلا بالملعون وأسموه عبد العبيد لإخوته وعبدا ليافث. يقول بروكلمان في ذلك: (ان كتبة التوراة تعمدوا إقصاء الكنعانيين من جدول أبناء سام بسبب العداء الذي كان بينهم وبين الكنعانيين التي تمثلت في قصص الحروب ومدونات الإخبار التي وردت في أسفار التوراة).
لابد من الإشارة إلى أن الدراسات المنصفة ترى أن الساميين هم العرب من السكان الأصليين لجزيرة العرب، وقد وُجِدوا هناك في كل العصور الجيولوجية الجليدية، بعدها نزحوا إلى شمال وادي الرافدين منذ الألف التاسع قبل الميلاد إثر الجفاف الذي حلَّ بجزيرة العرب، ثم انحدروا إلى جنوب وادي الرافدين في الألف الخامس قبل الميلاد، فتجاوروا وتصاهروا مع السومريين سكان جنوب العراق الأصليين وتبعتهم أقوام جزرية أخرى ليتشكل منهم الأكاديون إلى بقية الأقوام التي شكلت حضارة وادي الرافدين التالية ممثلة بالدولة الأكدية.
وهكذا لازمت تاريخَ العراق في كل مراحل حضارته ظاهرةُ وجودِ العنصر السامي في العراق، بدءا من العصر السومري، مروراً بالعصر الأكدي والبابلي والآشوري, ولم يكن هذا العنصر العربي السامي طارئاً على حضارة المنطقة أو منفصلا عنها، لا سياسيا ولا اجتماعيا.
رغم محاولات مدارس الاستشراق الغربية المتأثرة بالفكر الصهيوني أن تجعل من السومريين أقواماً غرباء عن المنطقة بتجاهل أصولهم العراقية الأولى، وباعتبارهم قد قطنوا السهل الرسوبي من المنطقة الجنوبية من العراق منذ أزمان سحيقة.
ترى الحقائق والدراسات الأثرية الموضوعية، ومنها دراسات العلامة الأثري الدكتور طه باقر والدكتور احمد سوسة: (أن السومريين قد أخذوا التسمية لاحقا نسبة إلى اسم الإقليم الذي استوطنوا فيه جنوب العراق، وكذلك الحال مع الأقوام التاريخية التي اشتهرت بهم دول وأقاليم وادي الرافدين المتعاقبة، مثل أكد وبابل وآشور وغيرها. واعتبارا من العصر الأكدي كان ظهور الأقوام الجزرية المهاجرة من جزيرة العرب قد طبع أثرهم على حضارة وثقافات وادي الرافدين.
إن الساميين من أحفاد سام بن نوح كانوا واحدة من الهجرات، وليسوا كلها ، وهم مثل غيرهم اندمجوا في أقوام المنطقة وحضاراتها المتعاقبة، وليس هناك من حضارة عراقية اسمها « سامية خاصة » بهم، وهم كقوم عاشوا ضمن اقوام الهجرات الحزرية الاخرى اندمجوا في قبائلها وشعوبها، فلم يتركوا شيئا لنا متميزا خاصا بهم، اسمه مثلا "الحضارة السامية" ولم نعرف لهم انهم تركوا مدينة واحدة اسمها " مدينة سام" بل كانوا، شأنهم شأن الأقوام الجزرية الاخرى، ممن تسَّمَوا بأكديين أو بابليين أو آشوريين أو غير ذلك، فكلهم في المجمل التاريخي والثقافي والحضاري هم ساميون أو عرب جزريون.
لقد حاول المستشرقون الغربيون والصهاينة مسخ تاريخ وادي الرافدين فابتدعوا نظرية غريبة مفادها:(إن حضارة وادي الرافدين الأساسية هي الحضارة السومرية الغريبة عن السامية لغويا....)، وحشروا معها هنا لفظة "السامية" حشراً مقصودا.
والسامية أو الساميون في نصوص الاستشراق المعادي للعرب هم فقط أجداد اليهود، وليسوا أحفاد حضارة العراق السامية العربية برمتها، التي بدأ ظهورها المبكر في حضارة تل العبيد، وفي أريدو التي ترجع إلى 5000 ق.م. وهي تمثل أقدم استيطان جزري وفد من جزيرة العرب في الألف التاسع قبل الميلاد.
حتى أن المؤرخ كارلتون كاتب "قصة الإنسان" يرى: (...إن أرض سومر كان يسكنها شعب ذو لغة سامية في اغلب الظن), وإن الساميين (العرب) هم أول من اخترع الزراعة التي تعتمد الري وهم أول وأقدم من مارس الفلاحة، وهم أولئك العرب الذين نزحوا من جزيرة العرب إلى الهلال الخصيب إثر فترة الجفاف الذي حل بوطنهم ونقلوا إلى وادي الرافدين خبراتهم ومعارفهم الزراعية.
الحقد الدفين ضد العرب والسامية والذي بدأه المستشرقون ودرّسوه في الجامعات والكليات الغربية بدأ بإنكار أصول السومريين أولا، وبتجاهل الهجرات العربية, لقد وُجدت في جنوبي العراق حتى ما قبل الطوفان، الذي حدده الآثاريون بحدود الألف الثالثة قبل الميلاد، مدن، كما وجدت بعد الطوفان أيضا مدن أخرى, لهذا يرى الباحثون أن الحضارة السومرية وما جاورها كانت سومرية ـ جزرية سبقت الطوفان، ثم استمرت الأقوام العربية وغيرها في اندماجات شكلت حضارات وادي الرافدين.