مخطط ايراني لدفع السنة العرب الى الفدرلة والاقلمة



هارون محمد
5/14/2010


أعرف تماماً، إنني الخاسر الاكبر شخصياً وسياسياً، من عملية توحيد كتلتي دولة القانون والائتلاف الوطني، لم يعد امامي من مخرج غير الدمج، قال ذلك نوري المالكي بوضوح وصراحة وهو يستقبل احد النواب الجدد من القائمة العراقية، مساء الاثنين الماضي زاره للمرة الاخيرة في اطار المساعي المبذولة لجمعه مع رئيس الحكومة الاسبق وأحد قادة القائمة العراقية اياد علاوي، وقال المالكي ايضاً كلاماً خطيراً عن ايران وتهديداتها له وعلاقتها الملتبسة معه، لم يشأ صديقنا النائب الجديد الذي غادر مقره البيروتي الى بغداد بدعوة من نوري نفسه، البوح بها لاعتبارات (المجالس امانات).
وقد صار واضحاً للقاصي والداني في العراق ان ايران قد حسمت الامر، واوفدت الجنرال قاسم سليماني المسؤول التنفيذي عن الملف العراقي، ليتولى ترتيب دمج ائتلافي دولة القانون والوطني بنفسه، وهوعقد سلسلة من الاجتماعات مع ممثلين عن الائتلافين لم يشارك المالكي فيها ولم يسمح لعلي الاديب حضورها، وانما مثله كل من حسين الشهرستاني وحيدر العبادي وحسن السنيد وخالد العطية، بينما شارك عن الائتلاف رئيس كتلته النيابية ابراهيم الجعفري وباقر صولاغي وهادي العامري وهما من المجلس الاعلى وكرار الخفاجي وقصي سهيل والاخيران من التيار الصدري.
ورغم ان محادثات سليماني مع قيادات الائتلافين كانت سرية وجرت جميعها في مبنى السفارة الايرانية في حي كرادة مريم المجاور للمنطقة الخضراء وخلف ابواب مغلقة، الا ان اجزاء من مضامينها قد سربت الى اطراف في خارج الائتلافين وتحديداً الى اوساط القائمة العراقية، واكاد اجزم شخصياً ان تسريب معلومات مجتزأة عن الاجتماعات كان متعمداً سواء من الجنرال الايراني او من الذين اجتمعوا به، ولعل ابرز ما اتفق عليه المجتمعون ان الائتلاف الشيعي الموحد الجديد، سيتحالف مع القائمة الكردية التي تضم حزبي مسعود بارزاني وجلال طالباني لتشكيل الحكومة المقبلة، بينما يتعاون مع اطراف في القائمة العراقية - اذا رغبت في ذلك- وهناك فرق كبير بين التحالف مع كتلة معينة والتعاون مع جزء من كتلة اخرى، بل ان حسين الشهرستاني كان واضحاً عندما ابلغ احد اعضاء الكتلة العراقية وبصريح العبارة: تأتون معنا كمتعاونين وليس شركاء، وعندما رد عليه (العراقي) يعني تريدوننا ديكوراً خارجياً.. ضحك الشهرستاني وكأن الجواب قد أعجبه!
وفي التفاصيل التي لم تكشف علناً، ولكنها تتداول في لقاءات وجلسات قيادات ائتلافي دولة القانون والوطني، ان الهدف المركزي من توحيد الائتلافيين في كتلة واحدة، هو ليس في منع القائمة العراقية من تشكيل الحكومة المقبلة فحسب، وانما في معاقبة السنة العرب لانهم وفق الاجندة الايرانية تجاوزوا الخط الاحمر عندما دعموا اياد علاوي ونصبوه رئيساً لقائمتهم، في لعبة خطيرة - حسب الوصف الايراني- للعودة الى حكم العراق من جديد بواجهة شيعية، على اساس ان لا احد يقدر على المزايدة او التشكيك بشيعية علاوي، واذا كانت ايران قد أعطت الضوء الاخضر على صيغة المشاركة الشيعية الكردية في تشكيل الحكومة الجديدة، فانها لن تسمح بشراكة السنة العرب فيها كطرف سياسي، بل كمتعاون وبشرط ان تكون ايران هي من تحدد هذا (المتعاون) وليس الطرف السني المعني، اي بعبارة اخرى ان صيغة حكومة ابراهيم جعفري الانتقالية في 2005 هي المطلوبة ايرانياً في المرحلة الحالية، ولمن يتذكرها فقد كانت تضم نماذج محسوبة على السنة العرب ولكنها لا تمثلهم سياسيا، امثال غازي الياور نائب رئيس الجمهورية وحاجم الحسني رئيس الجمعية الوطنية وعبد مطلك الجبوري نائب رئيس الوزراء مع نفر من الوزراء عديمي اللون والطعم والرائحة.
وعندما يعلن مسعود بارزاني ان بقاء العراق موحداً هو حلم عصافير، ولابد من تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء او اقاليم - حسب قوله- فهذا في الحقيقة هو مطلب ايراني، دفعت به طهران الى كردي للاعلان عنه وليس على لسان شيعي مرتبط بها او محسوب عليها، علماً بان مسعود يلعب اليوم دوراً انتهازياً في غاية الخطورة، فهو على سبيل المثال يهمس في اذن اياد علاوي الذي احتج لديه على تصريحات جلال طالباني التي قال فيها ان التحالف الكردي سيلتحق فوراً بالائتلاف الذي ينتج عن توحيد كتلتي دولة القانون والوطني، دعه يحترق سنياً وعربياً - يقصد طالباني- فيما يطمئن موفدا تركيا عالي المستوى زاره سراً في الاسبوع الماضي، انه لن يتعاون الا مع (العراقية) ولا تصدقوا بما يقال عن تحالفنا مع الشيعة، وهو في الوقت نفسه يبلغ عادل عبدالمهدي انه لن يتحالف مع اياد علاوي ما دام اسامة النجيفي ضمن قائمته، وأخيراً نراه يتطابق مع الطرح الايراني ويقترح تقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم.
وبالتأكيد فان التحرك الايراني الاخير ونجاح الجنرال سيلماني في توحيد الائتلافين الشيعيين في كتلة واحدة، لم يأت في هذا الوقت بالذات الا بعد ان صار معلوماً للاوساط السياسية العراقية، بان طرفاً امريكياً نافذاً ومؤثراً نصح البيت الابيض باستبعاد المواجهة السياسية مع كتلتي دولة القانون والائتلاف في المرحلة الراهنة لحين الانتهاء من سحب خمسين الف جندي امريكي في آب (اغسطس) المقبل، وهذا الطرف الامريكي المتمثل بالجنرال اوديرنو قائد القوات الامريكية في العراق، يرى ان الصدام السياسي مع القوى والاحزاب الشيعية الموالية لايران الان لا يخدم الاستعدادات لسحب هذه الاعداد الكبيرة من الجنود والمعدات بطريقة منظمة وهادئة بعد ثلاثة اشهر، ورغم ان وجهة نظر المؤسسة العسكرية الامريكية لا تنسجم مع رأي وزارة الخارجية الامريكية ووكالة المخابرات المركزية المتفقتين على لعب دور امريكي سياسي من شأنه إضعاف الاطراف الشيعية، الا ان المؤشرات تؤكد ان إدارة اوباما، تميل الى رأي العسكر في هذا الوقت، وهو ما التقطه الجانب الايراني وضرب على الحديد وهو ساخن، واسرع في الضغط على المالكي وجماعة الائتلاف لاعلان الكتلة الشيعية الواحدة، والطلب من التحالف الكردي (بارزاني وطالباني) التعاون معها، والعمـل على اقصــاء وتمــزيق (العراقية) التي تصر الاطراف الشيعية والكــردية ومعـها ايران على تسميتها بكتلة (المكون السني العربي).
ويراهن الايرانيون في هذا السيناريو، على ان كتلة المكون السني العربي لن يكون امامها اذا استبعدت او فشلت في تشكيل الحكومة المقبلة، الا المقاطعة والانسحاب من العملية السياسية، او المشاركة الجزئية فيها، وفي كلا الحالتين، فان الرابح الأساسي هو ايران التي تسعى الى دفع السنة العرب الى الخيار الاول (المقاطعة والانسحاب) والعودة الى المقاومة في مناطقهم ومحافظاتهم، وهو خيار يعتقد الايرانيون انه يرهق الامريكان ويسبب لهم متاعب ومضايقات اكثر من حلفاء طهران، وينقل قيادي في الائتلاف إلتقى الجنرال سليماني وأبدى له خشيته من إقصاء السنة العرب ودفعهم الى المقاطعة، ان المسؤول الايراني قال له اتركوهم يتقاتلون مع القوات الامريكية، ويضيف القيادي الائتلافي ان الجنرال عنفه لانه أطلق تصريحا في وقت سابق قال فيه ان مشاركة القائمة (العراقية) في الحكومة المقبلة مسألة ضرورية، وإنتقد من هاجم بعثية القائمة مؤكدا أنها ليست بعثية وإنما فيها بعثيون.
ان مخططا إيرانيا بات ينتظر السنة العرب في العراق بعد ان أثبتوا في الانتخابات الاخيرة للعالم أجمع، أنهم عراقيون وليسوا طائفيين ولا عنصريين وانتخبوا قائمة تضم عرباً (سنة وشيعة) وأكراداً وتركماناً ومسيحيين وصابئة ويزيدين، واعطوا مثالاً في الايثار الوطني والتضحية من أجل عراق موحد، وهذا المخطط طرفاه الاحزاب الشيعية الطائفية ونظيرتها الكردية الانفصالية، وليس أمامهم لمواجهة هذه المؤامرة وتفكيك اجندتها والحاق الفشل بها في هذا الوقت بالذات، غير التمسك بحقهم الشرعي والدستوري من خلال قيام القائمة العراقية بتشكيل الحكومة المقبلة، والتشبث باستحقاقهم الانتخابي باعتبارهم اكبر الكتل النيابية التي أفرزتها الانتخابات الاخيرة، وسد الباب بوجه كل من يحاول تهميشهم وإضعافهم او اقصائهم.. وبعد ذلك فان لكل حادث حديثا، والخيارات مفتوحة بما فيها العودة الى المقاومة بشتى أشكالها خصوصا وان عام 2010 الحالي ليس عام 2003 أو عام 2005 السابقين، كما يتوهم الطائفيون والعرقيون أعداء العراق.

' كاتب وسياسي عراقي