مسامير وأزاهير 165 ...

قد تأخرت كثيراً بزيارتك الميمونة!!!.


هكذا فعلت دماء الشهداء الأبرار "الذين تساقطوا على ظهر سفينة مرمرة التركية" فعلها السحري والعجيب في كسر جدار الصمت والعار وتحريك الماء الراكد الآسن التي أحاطت بجزيرة غزة، فبعد الإعلان الماكر عن تخفيف أمريكي وصهيوني لحالة الحصار!!، ها هي تداعيات تلك القافلة الميمونة قد أتت أكلها هذه المرة من خلال تداعيات كسر حاجز الصمت والخوف والخجل والتردد الذي لازم السيد أمين عام جامعة دولنا العربية الذي امتنع زمناً طويلاً عن أداء واجبه وممارسة مسؤولياته الشرعية والأخلاقية والقومية تجاه ما يجري بحق أبناء غزة، فقرر أخيراً أن يتكرم على أبناء غزة بزيارتهم في عقر عرينهم بعد إهمال طويل لهم!!، بزيارة ما كانت لتتم – وحق رب الكون- لولا مسلسل الحراك السياسي الدولي والدعوة الحثيثة لتخفيف الحصار الجائر عن أبناء غزة والذي جاء كتحصيل حاصل لتداعيات المجزرة الصهيونية التي اقترفها قراصنة البحر من قوات الكوماندوز الصهاينة بحق المتضامنين على سطح سفينة مرمرة!!!.

سبحان الله يا أمين قضايا العرب وجامعتهم العتيدة!!!.
لم تخطر ببالك من قبل فكرة زيارة أبناء جلدتك في غزة الصبر والصمود والرباط إلا بعد أن أدركت جيداً بأن الأصوات التي قد تعالت عبر أعالي البحار لفك حصار غزة قد أتت أكلها وأخذت تفتت في جدار الحصار شيئاً فشيئاً، وكأني بك بعدم زيارتك من قبل لم تسمع قبل اليوم بسنوات العجاف التي ألمت بأبناء غزة، فقررت أن تزور قطاعهم ولتلتقي أبناءه الجياع!!.

سبحان الله يا أمين قضايا العروبة وجامعتنا العتيدة!!!.
لم تحرك فيك ساكناً صرخات أولئك الجياع والعـُراة واليتامى من أطفال غزة طيلة فترة الحصار الآثم، وما تخللها من حرب عدوانية وحشية صهيونية، كما ولم تصحُ من قبل متذكراً واجبك الشرعي والتاريخي والأخلاقي والقومي والإنساني، إلا في أعقاب من سبقك ضميره فتحرك وضحى بحياته شهيداً مضرجاً بدمائه الطاهرة الزكية على ظهر سفينة الحرية "مرمرة"!!!.

عجباً لك سيدي أمين قضايا العروبة وجامعتنا العتيدة!!!....
كم كان نومك عميقاً طيلة السنوات المنصرمة، فلم تستمع خلالها لأصوات الثكالى وآهات الأرامل وتأوهات المرضى وحسرات المسنين من أبناء غزة هاشم حين صاحت وناحت وولولت ألماً وحسرة وجوعاً وفاقة!!، فإذا بك اليوم تلتقط أصوات المستنكرين من أصحاب الضمائر الحية من خارج جلدتنا القومية وهي تعلن عن تذمرها وشجبها من استمرار الحصار والظلم والمكابدة، فأفقت من نومك الطويل ورحت مسرعاً ومهرولاً صوب غزة من معبر رفح الحدودي لتكون بذلك قد ضمنت لك حصة من "حـُمـُّص" المشاركة في العزاء والتأييد قبل انفضاض "المولد" عن آخر مشاهده، لتؤكد لي صواب ما كنت قد طرحته في مقال سابق عن بركات قافلة الحرية، لنرى اليوم بركتها متمثلة بزيارتك الميمونة تلك لتتفقد من انتظرك طويلاً على أرض غزة الصمود والصبر والعزة!!!.

قد أكون قاسياً في كلامي، شديد الوطأة في عتابي، أسمي الأشياء بمسمياتها دونما تلميع ولا تنميق، وأصف الأفعال كما أراها دونما خجل ولا وجل، مجردة من أي تزويق لفظي بقصد الرياء والمواربة والتدليس، لا لشيء إلا لأنني في حقيقة الأمر لا أخشى في الله لومة لائم، لاسيما إن كان ذاك الأمر يتعلق بموقفي من ولاة شأننا العربي، وبناءً على ما تقدم، فإنني بمنتهى الصراحة والوضوح والشفافية أرى بأن قرار السيد عمرو موسى بزيارة غزة المنكوبة الذبيحة وبهذا التوقيت تحديداً إنما كان مبعثه وسببه الرئيس إنما يعود لجملة الحقائق التالية:
1- إحساسه بالخجل الكبير "وهو الراعي الكبير لشؤون الجامعة العربية" مما قدمته قيادة تركيا من عطاء معنوي كبير لأبناء غزة كان قد رفع من درجات صبرهم وصمودهم، في الوقت الذي ما كنا قد تلمسنا منه طيلة فترة الحصار والخناق والتضييق أي ردة فعل عملية تجاه تخفيف الحصار عنهم!!.
2- إحساسه بالخجل الكبير من حالة عدم ردة الفعل الطبيعية إزاء ما كان يجري واكتفاءه حينذاك بعبارات التنديد والشجب والاستنكار، في الوقت الذي ارتفعت الأصوات عالية من وراء البحار السبعة مستنكرة ذاك الحصار ومطالبة بفك الحصار عن أبناء غزة ومجيشة لقوافل المساعدات تلو المساعدات!!.
3- تلمسه للين قد بدا في الموقف الأمريكي تجاه حصار غزة مما أزال عنه حالة التردد والخجل من غضبة أمريكية، مما شجعه ودفعه للإسراع باتخاذ قرار زيارة غزة!!.

ختاماً ... بدلاً من وقوف السيد الأمين أمام كاميرات الصحافة في مؤتمر صحفي يطنب بالحديث وتزويق عبارات الأماني الفارغة والتي لا تغني ولا تسمن من جوع، فإنني أهمس في أذنه ناصحاً محباً، مذكراً إياه بضرورة اقتناص الفرصة وهو على أرض غزة الصمود والصبر والعزة والجلد، فيحاكي أبناء غزة ويعايش ظروفهم المأساوية التي مروا بها، فينال قسطاً بسيطاً مما ناله أبناء غزة من جوع وعطش وحرمان وفاقة وامتهان للكرامة أولاً، لينقل بعدها بكل أمانة لأصحاب الجلالة والسيادة والسمو ثانية ما سيلاقيه هنا ليعرفوا حجم الجريمة التي تناساها بعضهم فصمت عنها، أو شارك بها بقصد أو بغير قصد، فيجيبهم عن تساؤلاتهم حول الممارسات التالية:
1- المكوث لساعات على أبواب المعبر ذهاباً وإياباً، ليتذوق طعم حسرة العودة خائب الرجاء كسير الخاطر بعد منعه من المرور عبر المعبر لمصاحبة مريض أو للالتحاق بوظيفة أو دراسة ولأكثر من مرة!!.
2- أن يجرب ليوم واحد حمل أنبوبة الغاز ليعايش أجواء ما كابده ويكابده أبناء غزة في رحلة البحث المضنية عن وقود الطبخ الشحيح!!!.
3- أن يجرب ليوم أو بضعة يوم الصوم القسري، فيمتنع عن تناول الطعام أو الماء ليشعر عن كثب مرارة الجوع والعطش والحرمان !!.
4- أن يعطى علبة دواء ليبدأ رحلة المشقة في البحث عنها في صيدليات القطاع، متذكراً في الوقت ذاته أن تلك العلبة قد تنقذ مرضاً من الموت!!.
5- أن يعايش أجواء الظلمة القسرية ليلاً جراء انقطاع الكهرباء بسبب نفاد وقود تشغيل محطات الكهرباء!!.
6- أن يقوم بزيارة كل عائلة كانت قد فقدت شهيداً أو سقط منها جريح أو أصاب أحد أفرادها العوق، كي يشعر بما يشعرون من ألم كابدوه طويلاً، ومازالوا يكابدونه حتى يومنا هذا!!.
7- أن يمكث لأيام في خيمة أقيمت في العراء بعد أن خسر أصحابها دارهم نتيجة دمار لحق بها، فمنعوا من إعادة إنشائها لعدم توفر مواد الإنشاء كالإسمنت والحديد وغيرها!!.
تلك لعمري عينة بسيطة مما يعانيه أبناء غزة، وهي أكثر بكثير مما تحتويه مقالتي المتواضعة هذه.
وللحديث بقية...

سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
13/ 6 / 2010