بسم الله
السّلام عليكم
كما وعدتكم هذا تقرير مقتضب
و ضعنا للتداول و المناقشة ثلاثة نصوص ، و كان الأمل أن تكون المشاركة كبيرة، و لكن و للأسف من خمس و عشرين زائرا زاروا المتصفح،و كلّهم من عشاق الق ق ج ، لم يشارك إلا أربعة :
ـ الأستاذ أحمد لاعبي أربع مرات
ـ الأستاذ محمد فائق البرغوثي / مرتان
ـ الأستاذ فراس شدود / مرتان
ـ الأستاذة أريج عبد الله / مرة واحدة
أما الزوار فكانوا كالتالي : أحمد لاعبي, أحمد القاطي, محمد علي الهاني, محمد فائق البرغوثي, محرز شلبي, أريج عبد الله, مسلك ميمون, معتصم الحارث الضوّي, منى هلال, الحبيب ارزيق, الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر, السعيد ابراهيم الفقي, بسام الحومي, د.إبراهيم ياسين, سليمان ميهوبي, صباح نجد, شيماء عبد الله, سعيد نويضي, علي حسن القرمة, عبد الرحمان الخرشي, عبدالله بن بريك, فراس شدود, نجيب بنشريفة, قوادري علي, كرم زعرور
ـ هل لأننا وضعنا ثلاثة نصوص دفعة واحدة ؟
ـ هل لأنّ النصوص كانت مختلفة عن المعتاد ؟
ـ هل................................................ .؟؟؟
أسئلة كثيرة تبادرت إلى الذهن ، و لكن أملي أن يشارك أعضاؤنا في هذا التنشيط القصصي .. و لا يحتقرنّ أحد رأيه ، فقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ..و غايتنا إجرائية تطبيقية لخلق حوار فعّال بناء ..حول الق ق ج.
إليكم هذه القراءة المتواضعة للنصوص الثلاثة الخاصة بالقاص محمد فائق البرغوثي
*
(1) طفلتــــي
- أتظنين ذلك ؟
* نعم يا أمجد ، لقد كبرنا وصبرنا بما يكفي ، وصار لازماً أن يبحث كل واحدٍ منا على طريقه وحياته . ناولته الذبلة ولم ترفع عينيها .
.
.
- لا بأس لابأس .. لقد تأخر الوقت .. دعيني أوصلك البيت . قال ، بعد أن رفع وجهها بسبابته راسماً ابتسامة رضا .
= =
= =
دهشة قطعت صمت الطريق : أنظرْ .. ما أجمل فستان العروس هذا .
وسحبتهُ من يده ودخلت .
'' طفلتي '' نص قصصي يمتح من العلاقات العاطفية ، التي قد تمتد في الزّمن بدون هدف أو غاية عدا الأماني، و الأحلام ، ذلك أنّ ظروف الفتى ليست هي نفسها ظروف الفتاة .فكلّما تقدم العمر إلا وفقدت الفتاة الكثير من شبابها و جمالها ، و كلّما اقتربت من سنّ اليأس، إلا و تفاقم خوفها فقد تفقد متعة الأمومة ، أو في أحسن الحالات تصبح عملية الولادة صعبة ، و عسيرة ، و قد تأتي على حياتها. بينما الفتى لا سنّ يأس يطارده ، و لا نقص جمال يحاصره ، فيكفيه أنّه ذكر ، يملك ما يملك ، و لديه سند و عقار .. ليحظى بأجمل فتاة و هو كهل .. لهذا حين لاحظت بطلة القصّة أنّ المدة طالت، و لا آفاق للزواج ، نزعت خاتم الخطوبة، و سلّمته لخطيبها، إعلاناً بأنّ الصّبر انتهى .و لاشك أنّ من وراء ذلك تحريض الأهل، و بخاصّة أمّها الحريصة على زواجها .
لكن الخطيب، تجاهل أمر الخاتم، وقال بعد أن رفع وجهها بسبابته راسماً ابتسامة رضا:(لا بأس لا بأس .. لقد تأخر الوقت .. دعيني أوصلك البيت .) و استمرا في صمت طوال الطريق، إلى أن صادف متجراً لبيع لباس العرائس ، فنسيت الخطيبة كلّ ما كان منها، وصاحت في فرحة عارمة : (أنظرْ .. ما أجمل فستان العروس هذا .)
وسحبتهُ من يده ودخلت . فانتصر الحب رغم الظروف القاسية التي حرمت الخطيبين من زواج قريب.
(1)هل النص ق ق ج ؟
هناك حدث/ الزواج ، و سرد تلاحقي، تراتبي ، في ثلاث لقطات :
ــــ ناولته الذبلة و لم ترفع عينيها .
ـــ لقد تأخر الوقت ..دعيني أوصلك البيت .
ــــ ما أجمل فستان العروس هذا .
كما هناك شخصيتان تتحاوران . الخطيب/الخطيبة و بينهما مشكلة هي الحدث .
فضلا عن اللّغة القصصية ، و القفلة .
(2) ما وضع السّارد ؟
السّارد محايد، يكتفي بحكي ما يرى برؤية من خلف vision par derrière و غالباً حين يكون السّارد بهذه الرؤية، عند غير المتمكنين من القصّة ، يسقط في الهيمنة، و التّدخل في السّياق و الآراء .. و لكن هنا حافظ على الحياد التّام . تاركاً للقارئ حرية تحديد الرأي و التّقدير و الاحتمال ..و هذا جيد .
(3) كيف تجد لغة النص ؟
اللغة سردية قصصية مقتضبة مركزة. و إن كانت تحمل خصائص لغة القصة القصيرة ، لا الق قج .
(4) كيف تجد القفلة ؟
في هذا النّص قفلة ، من النّوع الذي يلغي ما استقر في ذهن المتلقي منذ البداية . فإذا كانت عملية تسليم الذبلة للخطيب إعلاناً بأنّ كلّ الحكاية انتهت . تأتي القفلة و بشكل مفاجئ لتعلن أنّ الحكاية بدأت من جديد:( وسحبته من يده و دخلت) .
همسة : العنوان ( طفلتي ) غير مناسب، و لا دال على الحدث،و قضيته المادية . بل كأنّه وضع اعتباطاً .
ــــــ (ما أجمل فستان العروس هذا. ) هذه جملة تعجب ( ! )
ـ بدل ( الذبلة ) الخاتم .
ـــ و يستحسن أن تنتهي القصة بنقط الحذف
*
(2) الـبديـــل
لمْ يَشَأ ْ أنْ يُخبرَ أحداً .
لمْ يقطعْ إجازته ، لمْ يلغ الحجز ، اختفى حتى جاءَ الموعد .
وحيداً على مقعدين ِ يجلس
. ينظرُ إلـى المقعدِ المجاور ويختبئُ خلفَ كتاب .
هي من اختارت المدينة وهاهو الدليلُ السياحي يـأخذه إلى تلك الساحة ، ساحَـتها ، التي تهدلُ بالحمـام .
وحيداً على مقعدٍ مزدوج ، ينظرُ لحمامةٍ حطّـتْ قـُربهُ ، يبتسمُ لها ، يُـمـسكها .. يُقبّـلها ، وبخدّه ِ يتحسسُ انسيابَ جسدها ، ينادي على الفتى بائع ِ الحُبوب ، وينثرهُ على كفه ، فتتوافد الحمامات وتحط ّ على يده وكتفه . يحس بنشوة العناق ، فيستلقي على الأرض ويهيلُ كاملَ الكيس ِعلى صدره ، فيضحكُ ، يضحكُ مِــلء قلبه .لا ينتبهُ لنداء الحافلة ،
ودمعة ٌ لا تتسللُ إلى عينه ،
يفرد جناحيه على الأرض
يغرق في نشوته و ينام .
(1) '' البديل ''. نص نثري، تقريري، مباشر. لا يستجيب للق ق ج ، فكلّ ما هو بالأحمر مجرد حشو ليس إلا ، فلو أعيدت
صياغة ما تبقى ، مع ابتكار قفلة مؤثرة، تناسب وضع الذكريات الضّائعة .. سيستقيم الأمر .
(2) السّارد محايد ،و لكن لا ينسج قصة، إنّما يستعرض ما كان كمادة إخبارية .
(3) اللّغة وصفية إنشائية، لا تلائم الق ق ج ، التي تعتمد التّكثيف، و الدّقة ، و التّلميح .. و الابتعاد قدر الإمكان عن التّصريح ،الذي يميت فنّية القصّ، و
يجعل النّص إخباراً . و إفادة، و معلومات .
(4) ما دام النّص لم يكتب وفق أسس قصصية من البداية ..مهما كانت القفلة لن تخدمه في شيئ . و إذا تسامحنا جدلا ،و اعتبرنا النّص قصّة . ماذا تفيد قفلة كهذه (يغرق في نشوته و ينام ).كتبت لتوضح ما انتهى إليه إنسان يستعيد ذكرى حبيبة، اختارت مدينة ما، و ساحة حمام بها ... و هل هذا يؤدي لنشوة و نوم ؟ أم ترى يؤدي لأماني، و رؤى ، و تأمل ؟
(5) عموماً النّص في حاجة إلى إعادة صياغة، و إعادة نظر. و أظنّه من أوائل ما كتب الأستاذ محمد فائق البرغوثي لأنّه يختلف اختلافاً بيناً عن نصوصه الأخيرة.
همســـة : ـــ (وحيداً على مقعدين ِ يجلس ) عبارة ثقيلة، و غير واضحة، كيف يجلس على مقعدين ؟
ــ (ينظرُ لحمامةٍ حطّـتْ قـُربهُ ) و الصواب : ينظر إلى ...
ــ (لا ينتبهُ لنداء الحافلة ) لا ينتبه إلى .. ( معاني حروف الجر تختلف )
*
(3) قصة قصيرة جداً ،،
نـفـدَ زادُه ، نزلَ ليتسوق،وسط البلد مكان مناسب ، حدّثَ نفسه ، وحثّ الخطى .
رأى نصفَ رجُـلٍ يزحف بكفين ، رأى كهلا يُحدّثُ نفسه،رأى شاباً يحدث نفسه ، رأى دجلة غافية على الأرصفة، رأى عصفورين ببنطلون جينز ويحملان كتبا ، رأى عاملا وافدا يُــثـبّتُ دعائم سحابة ، رأى جثثا عاطلة عن الأمل تـُناوبُ في الجوامع ، رأى طفلين جميلين بيد أمهمها ، بيد زوجها ، رأى إمرأة بكامل قيافتها تبحث عن أقدامٍ تتعثـّرُ بها ، رأى الشمس تـَرجعُ لأطفالها ، رأى الوقت يستغيث من قـتَـلة ٍ يترصدونه ، رأى في كل التفاتةٍ قصة .. تغـفـو خلفها ألف حكاية ورواية..وهولا يزال يبحث لنفسه، يشحذ ُ لحياته...قصة قصيرةً جداً
'' قصة قصيرة جداً'' نص في البحث عن موضوع : قاص يتحدث عن معاناته في إيجاد فكرة ، تكون موضوع ق ق ج بعد أن (نـفـدَ زادُه) ف (نزلَ ليتسوق، وسط البلد مكان مناسب ، حدث نفسه ، و حث الخطى) و توالت المشاهد، و وراء كل مشهد من حياة النّاس، و ظروفهم ، و أنماط عيشهم ..( رأى في كل التفاتةٍ قصة .. تغـفـو خلفها ألف حكاية ورواية..وهولا يزال يبحث لنفسه، يشحذ ُ لحياته...قصة قصيرةً )
و إن كانت الأمور في الواقع ،لا تكون هكذا . القاص لا يبحث عن فكرة قاصداً متعمداً . إنما الأفكار تأتي من ذات نفسها ، و أحياناً تأتي أثناء الكتابة . لأنّها أصلا تكون قد تخمّرت مدّة من الزّمن في الذّاكرة . فحين تنط إلى الخارج تنط مكتملة ناضجة ، و كأنّها بنت اللّحظة، بيد أنّها استغرقت زمناً في المخاض .
و لكن ما ورد في النّص، يوضح مدى ما في الحياة اليومية من أفكار . ففي الوقت الذي نشعر بفراغ الوفاض ، و جفاف المعين، تكون عشرات المواضيع أمامنا ، و أخرى في ذاكرتنا تختمر .و أخرى نفكر فيها بعمق ، و نفتقد طريقة إيصالها فنيا إلى الآخر .
(1) هل هذا النص ق ق ج ؟
هذا النّص أحسن من الثّاني . و إن كان المتلقي لا يعيش سرداً حقيقياً لحدث ما و تطوره ... بل استعراضاً لمشاهد من الشارع العام : رأى.. رأى .. فماذا بعد كل هذه المرائي ؟
رأى أيضاً : (في كلّ التفاتةٍ قصة .. تغـفـو خلفها ألف حكاية ورواية.) فما اللافت في كلّ هذا، دون أن أقول الجديد ؟
حسبَ السّارد : (لا يزال يبحث لنفسه، يشحذ ُ لحياته...قصة قصيرةً جداً )
إذاً النص يذهب إلى أنّ : القاص، بعد أن نفدت أفكاره، خرج يبحث عن أفكار جديدة ،فوجد بين كلّ مشهد و آخر، ألف حكاية و رواية .. و لكن ظلّ في حيرة من أمره ، يبحث عن فكرة تكون ق ق ج . بمعنى آخر : البحث عن فكرة صالحة، و سط خضم الأفكار. و المعاناة في الاختيار الصّحيح .
(2) وضعية السّارد :
سارد محايد ينطلق من رؤية خلفية ، و يتحاشى التّدخل في الموضوع .تاركاً للمتلقي حرية التّأويل و الفهم .. و هذا جيد ..
(3) لغة النص :
ـ اعتماد الجمل القصيرة الواصفة .
ـ توظيف العبارات الغرائبية و السريالية مثلا :
رأى نصفَ رجُـلٍ يزحف بكفين ـــ رأى عصفورين ببنطلون جينز ويحملان كتبا ـــ رأى عاملا وافدا يُــثـبّتُ دعائم سحابة ـــ رأى جثثا عاطلة عن الأمل تـُناوبُ في الجوامع ــ رأى إمرأة بكامل قيافتها تبحث عن أقدامٍ تتعثـّرُ بها ـــ رأى الشمس تـَرجعُ لأطفالها .
ــ تكرار فعل ( رأى ) 12مرة , و هذا غير جائز، و كان من الممكن الاستعاض على ذلك بفواصل أو نقطتي حذف ( ، / .. )
(4)كيف تجد القفلــة ؟
جاءت تحمل على التّأمل و التّساؤل : إذ كيف بعد كلّ هذه المشاهد من الحياة و من المعيش اليومي ..و التي كلّها أفكار و حكايات و روايات .. و يبقى القاص مشدوها حائراً في إيجاد الفكرة المناسبة ؟
*
شكرا جزيلا للقاص محمد فائق البرغوثي على النصوص الثلاثة. و إلى نص جديد يوم الأربعاء القادم بحول الله ، أستودعكم الله
تحياتي / مسلك
المفضلات