بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر المؤمنين ، وقامع الكافرين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعد:
(إنَّ التاريخ ـ وبالدقة ذاتها ـ لا يكرر أبداً نفسه، ولكنه غالباً ما يوجه صفعاته، إلى أولئك الذين يتجاهلونه كلياً)
بهذا سطَّر أحد أشهر المؤرخين المعاصرين الأمريكان[بول كينيدي]مدير مركز الدراسات الأمنية الدولية بجامعة بيل ، وأستاذ التاريخ فيها" "وصدق!فإنَّ أمريكا تتجاهل تاريخ الأمم السابقة التي سادت ثمَّ بادت(فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)
ومن الجيد أن نقارن بين واقع الإدارة الأمريكية بواقع الأمم الكافرة التي تكبرت على منهج ربها وآذت عباده ، فلعل الربط بين الواقع الحاضر و تاريخ الماضي يوضِّح لنا دلالات ، ويجلي لنا أمور غامضات ، وقد أمرنا تعالى في محكم التنزيل بأن نعتبر بما وقع للمؤمنين والكافرين من قصص وأخبار حيث قال(فأخذه الله نكال الآخرة والأولى*إنَّ في ذلك لعبرة لمن يخشى)ومن هذا المنطلق فلعلي أربط بين منطق الطغاة في القرآن الكريم وأفعالهم مع المؤمنين ، بمنطق طغاة أمريكا وأفعالهم مع عباد الله كافرهم ومسلمهم ، كي يُعْلَمَ أنَّ التأريخ يعيد دورة الأيام ولكن بأسماء أخر، وأفعال تبتكر، وجرائم تحضَّر، وما أشبه الليلة بالبارحة!!
ومن جميل كلام الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:(فأمرنا أن نعتبر بأحوال المتقدمين علينا من هذه الأمَّة ،وممن قبلها من الأمم ،وذكر في غير موضع أنَّ سنَّته في ذلك مطَّردة وعادته مستمرة ،فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنَّة الله وأيَّامه في عباده ، ودأب الأمم وعادتهم) (انظر:كتاب الجهاد لابن تيمية2/70ـ جمع الدكتور/ عبدالرحمن عميرة)
وعليه فقد أزمعت الرأي مستعيناً بالله في البحث والكتابة لتوضيح سياسات هذه الدولة ليعتبر المسلم قبل الكافر ، مستشرفاً في ذلك المستقبل الذي بدأت خيوط نوره تلمع ، وحجب ظلامه تزول وتُقْشَع ، بأنَّ مصير هذه الدولة إلى سفال ، ولو امتدت الأيام ، فحقٌ على الله ما ارتفع شيء إلا وضعه ، ولن يبقى إلا الإسلام العظيم يحكم البشرية في أرض الله .
فلن ألتفت إلى الزفَّة الإعلامية الصاخبة التي تظهر هذه الدولة بمظهر الكابوس المخيف ، والامبراطورية التي لا تقهر أو التي بدأت تعيد عهد سالفتها بريطانيا بأنها الدولة التي لا تغيب عنها الشمس ،فإنِّي موقن حتماً بأنَّنا في زمن حجب الحقائق ، وتكميم الأفواه ، وتغطية العيون ، ولن يمنعنا مانع بأن نصدح بحقنا ، ونرفع به عقيرتنا ، ما أحيانا الله ، وقد قال تعالى:(إنَّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) ، وما دمنا أحياء نرزق ، وأقلامنا في أيدينا توثق وتطلق، فلنوضح الحقائق ، وإذا كانت العبارة الفرنسية تقول:( أعطني سطراً واحداً لأكثر الناس حرصاً ، وأنا أجد كلمة واحدة يستحق عليها الشنق)؛فإنَّ كلام خير الحاكمين يقول:(فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون*ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)
ولعلي أستعرض في ثنايا هذا المقال شيئاً من الجرائم الأمريكية مقارناً مع جرائم من سبقهم من طغاة الأرض ، وفراعين الدهر، سائلاً المولى التوفيق في العرض ، والسداد في الطرح.
1ـ ادِّعاء أمريكا بأنَّها الدولة التي لن تقهر ، والتي توقف التاريخ عندها ، فلن تزول حضارتها ، ولن يفنى شبابها ،فهي باقية أبد الدهر ـ عياذاً بالله من ذلك ـ فلا مانع من التوسع والهيمنة على جميع الدول ولعلَّ أشهر من كتب في هذا العصر عن هذه النبوءة ؛ فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ والرجل المريض) ، فقد ألَّف كتابه محتفلاً فيه بسقوط الشيوعية واندحارها أمام الحضارة الغربية الحديثة ! فالعالم بزعمه لم يعد أمامه شيء جديد سوى هذه الحضارة الغربية وبالذات الأمريكية ، ولهذا فقد أغلق باب التاريخ ولم يعد هناك من يمسك زمامه سوى القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا وسينتهي التاريخ عندها ولن تقوم قائمة لأي حضارة بعدها، والحقيقة أنَّ كلام فوكوياما وغيره ممن يتمنطق بذلك ، مبني على مقولة أمريكية قديمة تقول:(إنَّ أمريكا هي العالم ، والعالم هو أمريكا)ولا ريب أنَّ الرجل وقومه يعيدون كلام من سبقهم من الأمم الكافرة حين نظروا لقوتهم وجبروتهم فاستكبروا وقالوا ليس لنا نهاية ولن نزول ، حيث قال تعالى عنهم:(أولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال)!!
تأمل خطاب(ألبرت بيفريدج)ممثِّل ولاية (إنديانا) في مجلس الشيوخ الأمريكي وهو يقول:(لقد جعل الله منَّا أساتذة العالم ! كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى،وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة ، وبدون هذه القوة ، ستعمُّ العالم مرَّة أخرى البربرية والظلام ، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس كشعب مختار!!يقود العالم أخيراً إلى تجديد ذاته)" "
والشاهد من ذلك أنَّ هؤلاء القوم قد أعادوا سيرة سلفهم حين نظروا لقوتهم وجبروتهم وخيراتهم وحضاراتهم ، فافتخروا بها ، وظنَّوا أنهم بذلك أولياء الله وأحباءه ، ففي الزمن السابق قال أحدهم حين رأى أملاكه وخيراته بكل كبر وعجرفة:(ما أظنٌّ أن تبيد هذه أبداً*وما أظنُّ الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً).
لكنَّ الحق سبحانه لن يحيي إلا الحق وسيجعل الباطل غثاء زبداً زائلاً ، فلم يبق لهذا المفتخر بماله وملكه إلا حطام مامَلَكْ ، (وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحداً*ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً)
2ـ اعتزاز أمريكا بأنَّها الدولة القوية والتي لن تقف أمامها أي قوة ، وفي أدبياتها أنَّ أيَّ تفكير لدولة ما تريد أنْ تتقوى أو تقف مناوئة لها ، فإنَّها ستجلب على نفسها الدمار قبل بداية الحرب بواسطة الحروب الاستباقية الوقائية.وهذا بالضبط حال فرعون ومنطقه حين خاف أن يأتي من بني إسرائيل ابن يقتله ويقضي على ملكه ، فما كان منه إلأَّ أن استحل دماء الناس وفرضها حرباً وقائية له تنجيه من ذلك القتل،وحين نمعن النظر في كلام قادة هذه الدولة المارقة ، أو بحالها العملي مع الدول المخالفة لها فسنجد ذلك واضحاً جداً ، فهاهي مادلين أولبرايت تقول في إحدى المقابلات معها في جامعة أمريكية:(في هذا الكون قوة عظمى واحدة ؛الولايات المتحدة!!)" "
وهذا ستيفن إيه دوجلاس يذكِّر مجلس الشيوخ الأمريكي عام(1858)م بحقيقة المنطق الطاغوتي القائل:(من أشدُّ منَّا قوة) حيث يقول:( إنَّ أمريكا أمَّة شابة نامية ، تعج مثل خلية النحل،وكما أنَّ النحل في حاجة إلى الخلايا ليتجمع وينتج العسل ، أقول لكم:إنَّ التكاثر والتضاعف والتوسع هو قانون وجود هذه الأمة)" "
ومِمَّا يصدِّق كلام (دوجلاس) السابق ذكره ويدلِّلُ على حب هؤلاء الغزاة للتوسع والسيطرة على بلاد الله ، ما قاله السيناتور هارت بنتون في القدم ، في خطاب ألقاه أمام مجلس الشيوخ عام1846م:((إنَّ قدر أمريكا الأبدي هو الغزو والتوسع ، إنَّها مثل عصا هارون[يقصد موسى]التي صارت أفعى ، ثمَّ ابتلعت كلَّ الحبال . فهكذا ستغزو أمريكا الأراضي ، وتضمُّها إليها ، أرضاً بعد أرض. ذلك هو قدرها المتجلي . أعطها الوقت ، وستجدها تبتلع ، كلَّ بضع سنوات مفازات بوسع معظم ممالك أوروبا . ذلك هو معدَّل توسعها))" "
ويقول المؤرخ (ريتشارد إيميرمان):(القوَّة والأمن الأمريكيين يعتمدان بشكل أساسي على الحصول على المواد الأولية من العالم ، وبالتدخل في أسواقه الداخلية ، وبالأخص في دول العالم الثالث التي يجب أن تبقيها الولايات المتحدة تحت السيطرة الشديدة)" "
وهاهو نيكسون يقول:(على أعداء الولايات المتحدة الأمريكية أن يدركوا أننا نتحول حمقى إذا ضربت مصالحنا...بحيث يصعب التنبؤ بما قد نقوم به مما لدينا من قوة تدميرية غير تقليدية ، وعندها سوف ينحنون خوفاً منَّا)ويقول وزير الخارجية كولن باول بعد ضربة سبتمبر:(نحن الآن القوة الأعظم ، نحن الآن اللاعب الرئيس على المسرح الدولي ، وكل ما يجب علينا أن نفكر به الآن هو مسؤوليتنا عن العالم بأسره، ومصالحنا التي تشمل العالم كلَّه)" "
يتبع باقي الموضوع
المفضلات