بسم الله
السلام عليكم
و سنة هجرية مباركة سعيدة للجميع
أشكر الإخوة و الأخوات الذين شاركوا في مناقشة نص ( تحرير ) للقاص المغربي ، إسماعيل البويحياوي و هم سبعة أعضاء ،و منهم من تدخل أكثر من مرة مشكوراً، و هم على التّوالي :
أريج عبد الله ، إسماعيل البويحياوي ، سعيد نويضي ، عبير التدلاوي شيماء عبد الله ، عبد الله بن بريك ، مسلك .
بينما مجموع من زار المتصفح فقد بلغ : ثلاثون عضواً و هم كالتّالي :
مازن عبد اللطيف, أحمد لاعبي, أحمد المدهون, محمد فائق البرغوثي, أريج عبد الله, مسلك ميمون, مسعود صالح, معتصم الحارث الضوّي, الطيب كرفاح, ابراهيم ابويه, بسام نزال, حماده الفرا, رهاف جبر, صادق الرعوي, شيماء عبد الله, سعيد أبو نعسة, سعيد نويضي, شوقي بن حاج, علي حسن القرمة, عبد الرحمان الخرشي, عبدالله بن بريك, عبير الشاوي, فراس شدود, هارون غزي المحامي, هيثم الزهاوي, إسماعيل البويحياوي, نبيل سالم, نجيب بنشريفة, قوادري علي, كرم زعرور
سبعة مشاركين من ثلاثين؟ كم كنت أتمنى أن تكون المشاركة أكثر !
ولكن هذا لا يمنعني من الأمل . بل لولا الأمل ما وصلت هذه الحلقات القرائية حلقتها الخامسة ،أرجو أن تكون الحلقة السّادسة من هذا التّنشيط القصصي أوفر حظاً من سابقاتها ...
و لا يفوتني في ختام هذا التّقرير أن أشكر القاص المبدع إسماعيل البويحياوي الذي شاركنا التنشيط بآرائه ، و ردوده .. و أتحفنا ببعض من قصصه ..
ولقد تعرف عليه الإخوة و الأخوات عن قرب .
أترككم الآن مع هذه القراءة المتواضعة لقصيصة ( تحرير ) و يوم الأحد القادم سنلتقي مع نص جديد، و قاص مبدع جديد . دمتم بخير و سنة سعيدة للجميع ..
*
تحريــــــر
أخرجت عصفوري من قفصه القدري و وضعته في الراحة. استكان استعدادا للحظة الوداع الأبدي.
ينظر إلي عصفوري في الحياة.. ينظف جناحي المحجوزين في قفصي الأبدي .. يهبني ريشة تذكارا.. يقبل جبيني.. يجمع جناحيه ويحررني للريح.
" تحرير" ق ق ج ، تعدّ من قصص إسماعيل البويحياوي الجميلة ،و التي استوقفتني لشيأين اثنين . الموضوع ، و طريقة السّرد .
موضوع : ( الحرية ) و إن كان مطروقاً و بكثرة، في كلّ أنواع السّرد ، بل و في كلّ فنون القول . فإنّه يبقى الموضوع الذي لا ينتهي الحديث عنه و لا يستوفيه حقه كلّ ما قيل و يقال . موضوع الحرية ، موضوع وجودي . رافق الإنسان منذ البداية ،و مازال ، و سيبقى ، ما دام هناك في الوجود إنسان .
إلا أنّ ما أثارني في النّص ، أنّه لا يتطرق للحرية كمفهوم معرفي ابستمولوجي . و لا حرية كمقابل استعباد و إذلال و حرمان . و لكن حرية كإطار شعوري،و نسق إحساسي .
في النّص : السّارد أخرج عصفوره من القفص، الذي قدر له أن يحبس فيه مدّة من الزمن ، ليكون متعة و فرجة للآخر، .يطرب لصفيره ، و ينشرح لقفزه و رفرفته في مجال ضيق . ثم وضعه على راحته بلطف.. فهدأ العصفور لحظة و كأني به لا يصدق أنه حر طليق.. ينظر صاحبه / السّارد . و هو ينظف جناحيه استعدادا للوداع الأبدي أحسّ السّارد أنه ينظف جناحيه المحجوزين في قفصه ( الشّعوري ) الأبدي ثم تنسل منه ريشة كتذكار . يقربه السّارد من وجهه فينقر جبهته و كأنّه يقبله قبلات الوداع .. ثمّ يجمع جناحيه و ينطلق حراً في فضاء لن يضيق به و بأمثاله أبداً . فيشعر السّارد نفس الشّعور و يتحرر من قفصه ( الشّعوري / النّفسي ) ليركب الريح المسافرة بغير قيد ...
هكذا ترتبط في النّص حرية السّارد الشّعورية ، بحرية الطائر . و هي لعبة رمز . إننا نلامس الحرية ، حين نعمل على تحرير الآخرين . و لكن كم نحرم من الحرية و نحن في حكم الأحرار ،حين نعمل على استعباد الآخرين . سواء عن قصد أو عن غير قصد . فالحرية وفق النص حين نعمل من أجلها . و نريدها للاخر كما نريدها لآنفسنا . حالة تبدو غريبة. و لكنها حقيقة نفسية بشرية .
أمّا من حيث تقنية الكتابة .
فإنّ العنوان ( تحرير ) نكرة . و في تنكيره تعميم و إبعاد للتّخصيص ، و المحدودية الضيقة المبتسرة ،المختصرة ..فكلّ يجد نفسه في هذا التّحرير .
كما أنّ القاص عمد إلى البناء المتداخل ، أو المتراشق في حالة تشابك entrelacement يتحدث السارد عن العصفور و كيف أنقذه و حرره ، و يتحدث في ذات الوقت عن نفسه و قد أصبح عصفوراً طليقاً .مثله مثل العصفور الحقيقي.و بذلك ،
فنحن في النّص نرافق سارداً ضمن نطاق الحكي narrateur homodiégétique و صاحب رؤية مع vision avec
يمتلك قدرة التخييلfiction ما يساعد على هذا التّداخل الشّعوري و النّفسي بين السّارد و العصفور و لو من جانب واحد و ذلك فيما تحققه لغة المجاز و الرمز معاً : ( قفصه القدري ، الوداع الأبدي ، ينظف جناحي ، قفصي الأبدي ، ريشة تذكار ، يحررني للريح )
من حيث النّسق اللغّوي، احتفاء بالأفعال المضارعة إذ لا نجد إلا ثلاثة أفعال في الزمن الماضي ( أخرجت ، وضعت ، استكان ) أما الباقي و هي ستة أفعال، تدل على الحاضر و المستقبل : (ينظر ، ينظف ، يهب ، يقبل ، يجمع ، يحرر ) و غلبة أفعال المضارع دليل على التطلع المستقبلي وطي صفحة الماضي ، ماضي القفص الشّعوري المظلم ، و الحصار النفسي ... و هي بذلك أفعال تخدم النص في تركيبه الدلالي و السّردي .
أمّا من حيث التّراكيب هناك تقابل عفوي يخلق شحنة من التّأمل و التساؤل ، و يدفع المتلقي لممارسة قراءات مختلفة .. لنتأمل هذا التّقابل :
ـــ أخرجت عصفوري / ينظر إلي عصفوري .
ـــ قفصه القدري / قفصي الأبدي .
ـــ الوداع الأبدي / القفص الأبدي .
ـــ ينظف جناحي / يجمع جناحيه .
و الأهم من كلّ هذا : هو التقابل بين جملة البداية و جملة النهاية لنتأمل :
ـــ أخرجت عصفوري / يحررني للريح .
القفلة : جاءت مفاجئة و غير منتظرة و جامعة مانعة لكلّ عملية القص في هذا النّص : ( يحررني للريح )
من تمّ كان نص " تحرير " من نصوص الأستاذ البويحياوي التي تشهد له بالإبداع القصصي ، و حسن السّبك و الحبك .. بدون تقريرية و لا مباشرة ، بل بفنية مجازية و استعارية ، و حذف يستوجب الملء ، و إشارات و تلميحات تغني عن الهذر و الكلام الكثير . و تستجيب لمتطلبات فن القصة القصيرة جداً .
همســة : هناك بعض التعابير تبدو زائدة ، أو لا تؤدي دورا يخدم الفكرة مثال ذلك : ( و وضعته في الراحة ، للحظة ، عصفوري في الحياة ،)
أمّا ( يحررني للريح ) فاللام تفيد الملكية إذا وقعت بين ذاتين ،الثانية منهما هي التي تملك . و الشعور بالملكية و التّملك يجعل الحرية تخرج من ضيق القفص لتصبح في قبضة الريح ، أفضلُ ( يحررني كالريح ) أو ( يحررني في الريح ) .
تحياتي / مسلك
المفضلات