الأخ الكريم الأستاذ سليمان أبو ستة

الشكر الجزيل لكم على اهتمامكم وعلى كلماتكم الطيبة.

فيما يتعلق بسؤالكم المهم: هل لهذا العلم ( وهو كما يبدو لي يؤصل لفرع جديد من فروع البلاغة ) أصل سبق عند غيره من القدماء والمعاصرين ، أو تأثر به الباحث عن طريق الثقافة الغربية، فيما يعرف بمصطلحات من نحو metalanguage و extralinguistic أم هو اختراع توصل إليه وحده أم ترى فيه أخيرا محض افتراء .

أبدأ بالإجابة عن الشقين الأخيرين، فأقول إن هذا العلم (أو ما يمكن أن نطلق عليه الفرع من فروع البلاغة، كما تفضلتم) ليس اختراعا توصل إليه الكاتب وحده، كما أنه ليس محض افتراء.

فقد بدأ الاهتمام به في منتصف القرن العشرين حين ابتكر اللغوي الأمريكي المعروف أ. أ. هِلْ A. A. Hill المصطلحين paralanguage ، paralinguistics اللذين استعملهما للمرة الأولى في كتابه (مقدمة في التراكيب اللغوية) Introduction to Linguistic Structures الصادر سنة 1958. كما اهتم به اللغويان الأمريكيان تريجر، و سميث Trager and Smith. وكان المصطلحان يشيران إلى كل من التعبيرات الجسمية والصوتية المصاحبة للكلام.

غير أن بعض اللغويين يستبعدون التعبيرات الجسمية ويقصرون استخدام المصطلحين على الإشارة إلى السمات الصوتية وحدها مثل التنغيم والنبر وارتفاع الصوت وانخفاضه، والأصوات غير الكلامية مثل الصفير والهمس والغمغمة والقهقهة، وذلك في مقابل مصطلح parakinesics الذي يعني المظاهر الأخرى المصاحبة للكلام مثل هيئة الجسم في الوقوف والقعود والمشي، والتغيرات التي تطرأ على البشرة مثل الاصفرار والاحمرار، وارتعاش الأطراف، وتصبب العرق، وذلك إلى جانب الحركات والإيماءات الجسمية المصاحبة للكلام، التي يشير إليها المصطلحان "الحركات الجسمية" kinesics ، "التواصل غير اللفظي"nonverbal communication. وربما ذكرت شيئا عنهما فيما بعد.

وبالرغم من أنه منذ استخدام هِلْ، وتريجر، وسميث للمصطلحين زاد الاهتمام بدراسة السمات شبه اللسانية من خلال الدراسات السيميائية، فإننا نجد فريقا ثالثا من اللغويين يرى أن هذه السمات تخرج عن نطاق الدرس اللغوي.

ومن هنا نخلص إلى أن الباحث الذي أشرتم إليه ربما يكون قد اطلع على بعض هذه الدراسات، وربما يكون قد أضاف إليها.

أما بخصوص سؤالكم الثاني: ألم يكن في إمكان الصم والبكم تلقي القرآن عن طريق الكتابة بدلا من لغة الإِشارة؟
فأقول إن هذا ممكن لمن يعرف منهم القراءة، ولكن لمن لا يعرفونها فإن الحل يكمن في أن يروا الإشارات التي يستخدمونها مطبوعة فيفهمونها.

تحياتي.