ام كلثوم و"سلوا قلبي".. الأعظم....في تاريخ الموسيقى والغناء -1.....السيد زهره
صحيفة ال" جارديان" البريطانية، نشرت قبل يومين قائمة وضعها النقاد لأهم 50 حدثا في تاريخ الموسيقى العالمية. وفي المرتبة العاشرة من هذه القائمة، جاء غناء ام كلثوم لقصيدة "سلوا قلبي".
وفي تعليقها على هذا الموقع الذي احتلته ام كلثوم والاغنية، قالت الصحيفة ان " ان ام كلثوم هي اعظم مطربة في تاريخ الموسيقى العربية. وقد صعدت واصبحت " سوبر ستار " بكل معنى الكلمة في منتصف الأربعينيات، وبفضل تعاونها مع ملحنين من امثال رياض السنباطي، الذي لحن لها قصيدة "سلوا قلبي" في 1964 (الحقيقة ان ام كلثوم غنتها عام 1945). وعندما اندلعت الثورة، ومنعت اغانيها من الاذاعة، قال عبدالناصر متسائلا: ما هذا، هل هؤلاء مجانين؟ هل تريدون ان تنقلب مصر علينا؟"
هذا ما كتبته ال "جارديان" البريطانية.
والحق ان اختيار الصحيفة ل" سلوا قلبي " لاحتلال هذا الموقع، هو اختيار موفق وصائب تماما. ويبدو ان النقاد الذين اختاروها على معرفة دقيقة فعلا بناريخ ام كلثوم ومسيرتها.
ذلك ان غناء ام كلثوم ل " سلوا قلبي" في عام 1945، كان بالفعل نقطة تحول تاريخية كبرى في تاريخها، وفي تاريخ الغناء والموسيقى العربية.
وهذه مناسبة طيبة على اية حال، لنلقي بعض الضوء على الاغنية ومكانتها، وبالطبع على مكانة العظيمة ام كلثوم.
هذه الاغنية هي نتاج ابداع ثلاثة من اكبر العمالقة في تاريخ الشعر والتلحين والغناء العربي. كتبها امير الشعراء احمد شوقي، ولحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي، وغنتها ام كلثوم.
قصيدة "سلوا قلبي" كتبها امير الشعراء في عشرينيات القرن الماضي، ومطلعها:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابا
وكما هو معروف، كتب شوقي القصيدة في مدح رسولنا الاعظم عليه الصلاة والسلام في ذكرى المولد النبوي الشريف، وفي تعداد فضائل الرسول وافضاله علينا وعلى البشرية. ولعلها من اجمل وارق ما قيل في مدح الرسول.
هي قصيدة دينية. لكن شوقي كتبها كما ذكرت في عشرينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، كانت ثورة 19 في مصر قد احدثت بالفعل زلزالا طال كل مناحي الحياة في مصر.. طال السياسة والحياة الاجتماعية والاقتصادية، وطال ايضا الموسيقى والغناء.
ولهذا، لم يكن غريبا ان تأتي القصيدة محملة ايضا بروح وطنية وثابة ومتأججة، كما كان حال ذلك الوقت الذي كتبها فيه شوقي.
وقد شاءت الظروف عندما غنت ام كلثوم القصيدة في منتصف اربعينيات القرن الماضي، انه بالاضافة الى قيمتها الدينية، اعطتها الظروف قيمة وطنية بنفس القدر تقريبا.
حين غنت ام كلثوم القصيدة، كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت لتوها. وكانت الحركة الوطنية المصرية في اوجها. وبالطبع، كان الاستقلال والتحرر من الاستعمار الانجليزي الغاشم، هو المطلب الاساسي للحركة الوطنية.
في القصيدة كما نعلم هذين البيتين:يحكي المؤرخون والذين عاصروا تلك الفترة، ان ام كلثوم حين كانت تغني البيتين في أي حفل او أي مناسبة، كان الجمهور يشتعل حماسا وهتافا وتصفيقا. كان الجمهور برد فعله هذا يعبر عن ارادة الشعب المصري في " بناء المجد"، وفي نيل مطالبه في التحرر والاستقلال. وكان لحن البيتين كما وضعه العظيم السنباطي، واداء ام كلثوم المذهل لهما، لا بد ان يقودا الى تفجير هذه الانتفاضة الوطنية في كل مرة تتغنى فيها ام كلثوم بالقصيدة.
وعلمنا بناء المجد حتى
اخذنا امرة الارض اغتصابا
وما نيل المطالب بالتمنى
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
يقول الناقد الفنى الكبير الراحل كمال النجمى تعليقا على هذه الحالة الوطنية التي كانت تصاحب غناء ام كلثوم للقصيدة:" اختلطت الحماسة الوطنية بالأشواق الدينية، وتحولت ام كلثوم الى داعية من دعاة الجلاء بسبب هذه القصيدة التي الهبت حماسة الجماهير، حتى قال محمد عبدالوهاب تعليقا عليها حين ذاك : ان الجمهور يصفق ويهتف لأم كلثوم وكأنها زعيمة وطنية لا مطربة".
وقد بلغ السنباطي القمة في تلحين القصيدة، ودشن بها مدرسته الكبرى التي تربع بها بلا منازع على عرش تلحين القصائد.
قبل غناء هذه القصيدة، غنت ام كلثوم قصائد اخرى لملحنين آخرين. لكن السنباطي، كما يقول كمال النجمي :" استطاع في تلحين القصائد ان يتخلص من جاذبية اسلافه في التلحين، وينطلق كالصاروخ في الفضاء الفسيح لهذا الفن العظيم، فن تلحين القصائد، الذي فتح له فيه صوت ام كلثوم ابوابا لم تكن تخطر له على بال من قبل".
المفضلات