اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد المدهون مشاهدة المشاركة
الأديب الحبيب، الناقد البصير، د. مسلك ميمون ،
أدام الله علينا طلّتك البهية، ودمتَ لنا ذخراً وينبوعَ عطاء،
لك الثناء الحسن على ما عرضته هنا، وما تتحفنا به من بحركم الزاخر، فلكم بكل ذلك حسن الثواب من رب العباد، والذكر الحسن بين أحبابك وتلامذتك.
أستاذنا الكبير،
يبدو أنّ مشكلة الإبداع لا تقتصر على القصة القصيرة جداً، بل تمتد إلى أجناس أدبية أخرى. وذوو المشيب ليسوا منها براء. وأود هنا التأكيد على جملة من أسبابها وقد أشرتَ إليها وأسهبت في شرحها وتوضيحها:
• الحماس والرغبة الجامحة في النجومية السريعة، مع توافر وسائل النشر الإلكتروني وسهولتها.
• ضعف الإقبال على القراءة النوعية في الجنس الأدبي، وعلوم الآلة التي تعين على امتلاك أدوات الإبداع في هذا الجنس الأدبي المستحدث.
• ضعف ضوابط وآليات النشر في المواقع والمنتديات الأدبية على الشبكة العنكبوتية.
• ضعف بل وغياب عمليات النقد الفنّي لكتّاب القصة القصيرة جداً، وهذه نقطة مهمة. فأنّى للكاتب المبتديء أن يعرف أن ما خطّه ووضع بين هلالين أنه ق.ق.ج، ليس (ق.ق.ج) وإنما هو خاطرة، أو نثرٌ، أو حتّى أحجية. وأنّى له أن يتطوّر إذا لم يتم محاكمة نصه وفق ميزانٍ فنّي واضح المعالم، محدد العناصر.
لذا يلزم، أن يتواضع نقّاد الق. ق. ج. على وضع دليل (Guideance) واضح لهذا الجنس الأدبي المستحدث، وكل خروج عنه يخرجه من كونه من جنس الق.ق.ج.
وفي المقابل، على المجرب أن يتحمّل قسوة النقد كي يعدّل ويحسن ويطور، أو يدعه إلى آخر يتقنه. ورحم الله امرءً عرف قدر نفسه، فإن أبى إلا أن يقحم نفسه، فعلى الناقدين أن يسلكوا معه سلوك الخليل بن أحمد الفراهيدي:
في محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصفهاني:
وكان يونس (أستاذ سيبويه) يختلف إلى الخليل يتعلم منه العروض فصعب عليه تعلمه، فقال له الخليل يوماً، من أي بحر قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه........ وجاوزه إلى ما تستطيع

ففطِن يونس لما عناه الخليل فترك العروض.
أخيراً،
فيما أشرتَ إليه في مقدمة المقال، هل "انفعالات" ناتالي ساروت قصص قصيرة جداً؟ (لطفاً أنظر ما كتبته نجاح الجبيلي في جريدة المدى، هنا)
ولكم فائق الود والتقدير.
طاب مسعاكم.

بسم الله
الأستاذ أحمد المدهون
السلام عليكم
أشكرك على مرورك الهادف . و على اهتمامك بالقصة القصيرة جداً ..
أوافقك الرأي في جل ما ذهبت إليه . إلا قولك : ( لذا يلزم، أن يتواضع نقّاد الق. ق. ج. على وضع دليل (Guideance) واضح لهذا الجنس الأدبي المستحدث، وكل خروج عنه يخرجه من كونه من جنس الق.ق.ج.)
لا يمكن وضع دليل لأننا سنسقط في النمطية ،و ما يكتبه زيد يكتبه عمرو. و هنا ينتفي الإبداع، و تضيق مساحته . فبدل الدليل اجتهد النقاد بتحديد مكونات هذا الفن بشكل عام . و هذه المكونات ليست ملزمة و لا لازمة بأن تكون مجتمعة في العمل القصصي . بل وضعت كاجتهاد نقدي مستنبط من أهم النصوص من أجل الاستئناس فقط . و تبقى حرية الإبداع مرتبطة بهذه المكونات و مدى الاستئناس بها .
و عموماً حتى في نطاق الشعر ، ليس كل من أتقن العروض يستطيع كتابة قصيدة ناجحة . لأنّ الأمر تتضافر فيه أمور كثيرة ، تتفاوت من شخص لآخر . و قل مثل هذا في جميع الأجناس الأدبية .
أمّا مسألة ( انفعالات ) أو كما ترجمها البعض ( انتحاءات ) نتالي ساروت ، قلت بأنها كانت منبها أي مؤشرا. و سواء كانت نتالي ساروت تقصد ذلك أو لا تقصد ، فالنصوص في أصلها يحمل بعضها مكونات الق ق ج : كالتكثيف ، و الإضمار ،و الحذف ، و التركيز ، و التلميح ...
و سواء تنبه إلى ذلك المترجم ، فاعتبرها قصصا قصيرة جداً .أو أنه نعتها كذلك دون تمحص و دراسة . من جهتي ..فبعض نصوص كتاب انفعالات حمّالة لهاجس قصصي و مكونات قصصية تعود لسنة 1932 و هو زمن طويل إذا قيس بالزمن الذي انتشرت و عرفت فيه الق ق ج في العالم العربي أي أوخر الثمانينيات و بداية التسعينيات .

و عموما الجنس الأدبي يكتب عن قصد و قصدية لا اعتباطا .. و نتالي ساروت لم تكن تقصد الق ق ج ، هذا باعترافها . ثم إن مفهوم هذا الجنس لم يكن معروفا في أوروبا بداية القرن العشرين. و لكن يحدث أن يكتب المبدع قطعة نثرية لا يقصد بها جنساً معيناً ، و يأتي النقد ، فيقيّم العمل على أنّه قصيدة نثرية . ليس اعتباطاً . و لكن القطعة النثرية توفرت فيها حيثيات قصيدة النثر . و هذا واضح في كتابات المهجريين و على رأسهم جبران خليل جبران أقول هذا و لو أنني في الحقيقة أومن بالقصدية في الإبداع ، و لا أفضل الاعتباطية و الكتابة كما اتفق ..

الأستاذ أحمد المدهون أشكرك مرة أخرى و دمت قارئا و مبدعا

تحياتي / مسلك