بسم الله
الأستاذ نايف ذوابه
السلام عليكم
بادئ ذي بدء ، أشكرك على اهتمامك ، و حسن ذوقك ، ونبل تواضعك ، و رقيق مشاعرك .. و أجيبك :
ق. ق. ج. وهي القصة الرقمية الديجيتالية هي من ثمار العصر الرقمي ..
1 ــ هل استوت هذه القصة في الأدب العربي بأصول وقواعد .
ج/ البعض من النقاد و المتتبعين لهذا الفن الجميل ، يعتقدون أن القواعد و الأصول متوفرة ـ باعتبار أن هذا النوع من الابداع قديم في تراثنا العربي ، و منذ أن كان و هو يعتمد لعبة المفارقة ، و بخاصة ما كتب هنا وهناك من شذرات قصصية ، حكائية ، لم يكن القصد من وراء كتابتها ، ما هو معروف الآن ( ق ق ج ) . و يرون أنّ هذا الفن عرف في أوروبا ، و أمريكا اللاتينية أواخر القرن 19 و بداية القرن 20 و ازدهر في العالم العربي و بخاصة في لبنان ،و سوريا و العراق و المغرب و الجزائر و تونس و السعودية .. و هو في انتشار دائم..
و لهذا اكتسب أصولا و ضبطته قواعد .
بينما الفريق الثاني ، و على العكس من ذلك ، يرى أن هذا الفن مازال لم يكتسب خصائصه بعد ، و كل ما هو كائن إنما هو تجريب و بحث ليس إلا .
و صراحة وجدت الذين يقولون بهذا الرأي، هم في الأغلبية قصاصون مبدعون ، و بخاصة حين توضع نصوصهم موضع النقد و التقصي، فلا ترضيهم ملاحظات النقد، فيتوسلون : بأنّ الق ق ج مازالت لم تتضح معالمها . و السؤال : كيف يكون الأمر كذلك ، و المبدع يبدع ركاماً من النصوص ؟ و كيف يمكن أن نبدع في فن نجهل تقنياته ؟
أيعقل لأي كان ، لا يعرف قواعد الشعر، أن يكتب شعراً؟ و ما عساه يكتب ؟
لهذا ، أجدني من جملة من يرون أن هذا الفن له أصوله و قواعده الأساسية التي يمكن الاستئناس بها.
عموما لمزيد من التوضيح يمكن العودة لمقالتي :
مكونات الإبداع في القصة القصيرة جدا
http://www.wata.cc/forums/showthread...ٹط±ط©-ط¬ط¯ط§ظ‹
أو معضلة كتابة الق ق ج عند الشباب
http://www.wata.cc/forums/showthread...¯-ط§ظ„ط´ط¨ط§ط¨
2 ــ أقرأ أحيانا ق. ق. ج .. هي مجرد عبارات لو وقعنا عليها في سياق خاطرة أو رواية أو حتى نص نثري فني لما لفتتنا كثيرا ولما استحقت منا وقوفا طويلا ..
ج/ هذا كلام أ أيده وأوافق عليه ، و مرد ذلك للأسباب التالية :
ــ قلة النقد و التتبع ، إن لم أقل انعدامه .
ــ قلة التنظير لهذا الفن .
ــ عدم إيمان المبدع بالنقد و التنظير .
ــ انتشار تعليقات المجاملة و الإكبار.
ــ استسهال بعض المتأدبين كتابة هذا الفن السردي الصعب .
3 ــ ما عناصر الـ ق. ق. ج...؟
ج/ الاستهلال، الجسم ،المفارقة ، القفلة . مع إيثار الإيجاز ، و الحذف ،و الإضمار، و اعتماد لغة مكثفة ..
4 ــ رواية الأستاذة أحلام مستجانمي التي تحدثت فيها عن سيرتها الذاتية وقدم لها المرحوم الشاعر نزار قباني ..
ــ هل هي بحق عمل روائي أم تبقى في سياق السيرة الذاتية فنيًّا ..؟
ج/ لعلك تقصد رواية : ( ذاكرة الجسد ) لأحلام مستغانمي
التي قال عنها : نزار قباني في ظهر الغلاف: (روايتها دوَّختني ، وأنا نادراً ما أدوخ أمام روايةٍ من الروايات ، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني لدرجة التطابق ، فهو مجنون ، ومتوتر ، وإقتحامي ، ومتوحش ، وإنساني، وشهواني ، وخارج على القانون مثلي ) .
إلى أن يقول : ( هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري ، والحزن الجزائري ، والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي ... وعندما قلت لصديقي سهيل ادريس رأيي في رواية احلام ، قال لي : لا ترفع صوتك عالياً .. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها ، فسوف تجن ... أجبته : دعها تجن ..لأن الاعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين . )
هي رواية السيرة الذاتية ..تعتمد أحداثا و قضايا . و نلاحظ أن هناك فرقا بين السيرة الذاتية Autobiographyالتي يعمد فيها الكاتب إلى الحديث عن حياته الماضية و أحداثها .. و يشير إلى ذلك و بين الرواية السيرة الذاتية التي يستأنس الروائي من خلالها بقضايا عايشها و أمور ذاتية تخصه دون أن يشير إلى ذلك ، بل يبقى كل المضمون في سياق أحداث روائية خالصة لماذا ؟
يجيب عن ذلك روي باسكال بقوله : ( ما من شك أن التخفي وراء القناع الروائي كان أمرا ضروريا في الأزمنة التي كان الكتاب فيها أقل جرأة في الحديث عن أنفسهم أو أقاربهم. وبالطبع كانت هناك على الدوام حيطة إزاء الأحياء من الناس,إن لم يكن تحرجا من الذوق العام, فخوفا من العقاب القانوني بتهمة التشهير)
انظر :
13 - Roy Pascal. The Autobiographical Novel and the Autobiography,P: 135.
و " ذاكرة الجسد " تحفة ، اعتمدت خلالها الروائية ، على شذرات من حياتها المليئة بالأحداث ، التي لها ارتباط ببلدها الجزائر ..و هي رواية شيقة، صدرت عن دار الآداب ببيروت سنة 1993 ـ و وصلت اليوم إلى طبعتها الـ 18 نالت جوائز عدة :
ـ جائزة نور،تمنح لأحسن إبداع نسائي باللغة العربية، منحت لها سنة 1996 من مؤسسة نور بالقاهرة.
ـ جائزة نجيب محفوظ، للرواية، جائزة في مستوى المسابقة، منحت لها من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1998،مما جعلها تترجم إلى لغات عالمية عديدة.
حازت الرواية أيضا على جائزة "جورج تراباي" الذي يكرّم كل سنة أفضل عمل أدبي كبير منشور في لبنان .
ترجمت الرواية إلى لغات عديدة منها الإنجليزية بواسطة بارعة الاحمر ،و إلى اللغة الإيطالية بواسطة فرانسيسكو ليجيو، و إلى الفرنسيةـ منشورات ألبين ميشيل ـ بواسطة محمد مقدم.
ـ في طريق الصدور باللّغات ( الألمانية، الأسبانية، الصينية، الكردية).
ـ أدخلت الرواية في المقرر التعليمي للعديد من الجامعات الدولية، و في جامعات عربية أيضا ( السربون بباريس،جامعة ليون، جامعة ماريلاند بواشنطن،الجامعة الأمريكية ببيروت و القاهرة،جامعة عمان بالأردن،الجامعة الجزائرية، جامعة سانت ـ جوزيف بيروت....) و أيضا في برنامج الثانوية العامة بلبنان.
ـ كانت الرواية موضوعا لأطروحات الدكتوراه، و لبحوث جامعية كثيرة.
ـ اعتبرها النقاد كأحسن عمل روائي صادر في العقد الأخير.
قلت أخيراً :
5 ــ أنا ناشط في الشأن العام نحو ربع أو ثلث قرن وقد بدأ ذلك من نعومة أظفاري بمعنى أن حياتي حافلة بالمواقف القوية جدا التي تستحق التسجيل في السجن أو في النشاط العام نفسه والاصطدام بالقوى النافذة مباشرة أو من خلال أبنائهم أثناء عملي في الكلية العلمية الإسلامية في الأردن؛ إذ كانوا يحاولون تكريس ثقافة الاستبداد وتخويف الناس وتهميش الآخرين واغتيال شخصياتهم وتكريس حضور السلطة وممثليها حتى في العملية التعليمية والتربوية..
ـــ هل يمكن أن يكون ما أكتبه عملا روائيا وبم تنصحني وتوجهني في ذلك؟
طبعا المقصود تعميم الفائدة والتجربة الفنية وإجاباتك ستكون هادية لي ومفيدة في إكمال بقية فصول ما كتبت من سيرتي وإعادة النظر فيما كتبت..
ج / على ضوء ما قلت سالفاً ، أنت و ما تريد ، إن أردت أن تحدث قارئك عن حياتك الماضية و أنت تشعره بذلك .فهذايعد سيرة ذاتية خالصة. أو أنك تمازج الواقع بالخيال، و تنسج سردا روائيا يستفيد و يستأنس بوقائع من حياتك ،دون إفشاء ذلك و كأنه لا يمت لك بصلة ، بل قد لا يصل إليه إلا من كان له علاقة و طيدة بماضيك... فذاك ما يدخل في رواية السيرة ذاتية.
و في هذا الشأن نجد روي باسكال يقول : ( هناك بعض الميزات الفنية لشكل الرواية على شكل السيرة الذاتية, أولها ميزة أن تكون قادرا على سرد الظروف التي تقع خارج نطاق التجربة الشخصية المباشرة للمؤلف; فالروائي يمكنه أن يستدعي أحداثا من خارج نطاقه الشخصي, وان يتخيل أفكارا ضمنية لم يعبر عنها الآخرون, كما يمكنه أن يعيد تشكيل الحوارات التي لا قدرة للذاكرة على الاحتفاظ بها, أضف إلى هذا أن بطل الرواية يمكن وصفه بضمير الغائب ومن كل جوانبه. أما الميزة الأهم, فهي اختلاف المنظور العام للعمل, إذ يكون المؤلف في رواية السيرة الذاتية مستقلا , شأن المؤلف في كل عمل فني آخر, أو فلنقل إنه لا يكون موجودا داخل صفحات عمله, يمكنه أن يصف مراحل الحياة الأولى للشخصية, دون أن يتورط في متابعة مستقبلها , ويمكنه – من حيث المبدأ – أن يستدعي تجربة طفل بكل طزاجتها, دون أن يشير إلى ما آلت إليه أمور هذا الطفل. الرواية تمنح الكاتب حرية أوسع بهذا الخصوص)
انظر : Roy Pascal. The Autobiographical Novel and the Autobiography, P: 136.14
أهم ما يمكن أن أقول: إن كنت تعتزم كتابة رواية السيرة الذاتية :
1 ــ تجنب المباشرة و التقريرية .
2 ــ تجنب التفاصيل و الجمل التفسيرية و ما يمكن إدراكه من
السياق أثناء القراءة .
3 ــ التعامل مع الأحداث بحيادية تامة .
4 ــ ترك مجال الاستنتاج و الحكم للقارئ .
5 ــ تنوع حالات السارد لتجنب السقوط في شرك السارد العليم.
وفقك الله ...
تحياتي / مسلك
المفضلات