هذا كان جزء من كلامكم (الوعاء...فالذاكرة وعاء ...)
وهذا كلامكم ايضا (ما يهمنا في هذه الكلمة المتواضعة" إشكالية تقديس المعرفة :المعرفة نشاط علمي تأويلي يصدر عن العقلاء، في إطار تجادلهم مع الثلاثي(العقل، والنص، والواقع).وبالتالي فإن المعرفة ليست مقدسة، بل هي عملية بشرية اجتهادية قابلة للتطوير والتجديد دائما. و الخطورة كل الخطورة في أدراج المعرفة البشرية في مصاف المقدس(الوحي)الذي حقه مطلق الزمان والمكان والإنسان..."[ عن مقال لعبد الحكيم الفيتوري].
تحية طيبة
الفكرة الاولى , ان مخ الانسان ليس وعاء كما رسمه الفلاسفة الاولون , وكما تم وراتثه كفكرة , مخ الانسان , هو الركز العصبي الذي يضم البلايين من الخلايا العصبية , والنيرونات التي تحمل رسائل من مختلف الاشكال والمضامين .. في سرعة قصوى , الى مراكز متفرقة كل له اختصاصه , انت لن تجد المعرف مكدسة , ولن تجد الرياضيات او حروف اللغة مكدسة في زاوية من زوايا المخ , المخ وحده كمركز لا يشتغل لوحده بل هو المركز ومعناه انه يملك ابوابا و ايدي وارجل , تنتشر في كل اعضاء الجسد البشري , حالما تحرق بالنار , فانك تخطف يدك بسرعة قصوى لان الرسالة تكون قد انطلقت من موقع الحرق فى اليد عبلا الخلايا العصبية الى المركز العصبي وعادت الى موقع الحرق من جلد الانسان , ثم يقوم الانسان في حريكة لاارادية بسحب يده بسرعة فائقة , هذه العملية هي عملية معرفية بالنسبة لمخ الانسان , تمت برمجتها بشكل ميكانيزماتي منذ ولادة الانسان , فانت اذا قمت بحرق شخص صغير السن جدا , حتى لو انه لم يشاهد النار او يجربها فانه سيقوم بنفس رد الفعل , وهذا معناه اننا نولد بميكانيزمات معرفية متنوعة منها الحسي الحركي الوجداني , لغوي , منطقي , رياضياتي ... اي نولد ونحن مجهزين ببنيات معرفية شاملة , كل ما يحدث اننا كبشر نقوم بتطويرها حسب السن والتجربة ....فالمخ والجهاز العصبي كله ليس وعاء , وانما هو حاسوب ضخم مبرمج يتصرف وفق ما برمجته انت عليه , لهذا لو طفل من اسرة مسلمة , نشا مثلا في بيئة مسيحية , فانه من دون شك سيكبر مسيحيا في معتقده , وهذا يمس الجانب المنطقي والوجداني في جهازه العصبي , يعني يمكن تغييره ....ان ما يتم بداخل مخ الانسان , هو رسائل تحمل من خلال نيرونات , الى الجهة المناسبة لكي تقوم بتحليلها وتفكيك شفرتها وادماجها ثم اعادة ارسال رسالة داخل نفس الجهاز عبر نفس النيرونات او غيرها كرد فعل يعبر عن التصرف المناسب للوضع المناسب , هذه العملية هي عملية دقيقة ومبرمجة , لقد ولى زمن الحديث عن العقل والفكر والفلسفة ... وحل محله زمن الحديث عن النيرونات الحاملة للرسائل , وعن التفكيك والتحليل و التشفير ... وردود الفعل المضبوطة والفعل المضبوط .
النقطة الثانية ان المعرفة نشاط لا يرتبط بالتاويل , وانما المعرفة العلمية نشاط يرتبط بالتحليل والتركيب والشرح والتفسير , ولعل لفظ ( الفسر ) في المعجم العربي يحمل تلك الدلالة العلمية , اما التاويل , اذا كان صحيحا و فانه ليس الا نتيجة لنشاط معرفي اسمه التفسير الذي ينطلق من القراءة والملاحظة والشرح وينتهي بالتفسير , التفسير هو التوضيح والابانة . فاذا اولت القضية الواحدة تاويلا صحيحا هذا معناه انك فسرتها بشكل صحيح . وعليه فان كل تفسير يجب ان يكون صحيحا , لانه يعني الوضوح , اما كل تاويل فلا يشترط فيه الوضوح اي لا يشترط فيه التفسير , والمعرفة الانسانية العلمية تشترط الوضوح لا التاويل .
2- اما قضية قدسية المعرفة , فانها تاتي من فهمنا للتاويل والتفسير , ناخذ مثلا المعرفة الصوفية او العرفانية , انها معرفة عن طريق التاويل لا التفسير , لن يقول لك اي شيخ او متصوف ما رؤيته وكيف راها وما تعني ... اي لن يقوم بتحليل علمي يتم فيه التفكيك الى غير ذلك من العمليات العصبية , بل سيقوم بعملية تاويل لاي حادثة او نص لغوي , ومن تم ستكون المعرفة هنا مقدسة , لانها تبقى غامضة وفق عملية التاويل , في حين لا يشترط هذا في العمليات المعرفية العلمية الواضحة , فهي تخضع للتفسير فتصبح واضحة , فننزع عنها الغموض , ولا نقدسها بل ننطلق منها من اجل الكشف عن عمليات اخرى او موضوعات اخرى . أعتقد ان الحديث عن قدسية المعرفة امر تافه لا يخص الا المغفلين علميا . ولا علاقة لها بالدين الاسلامي الصحيح , لان الخطاب الاسلامي واضح , يقول لنا صراحة لا تحللوا ولا تجادلوا في القضايا التوقيفية , مثل موضوع الروح , موضوع خلق القران ... لانها من القضايا الغيبية التي لا تخضع لشروط التحليل العقلي والمنطقي الانساني الذي سمح به الشرع او الدين الاسلامي , رغم ذلك , ظهر عندنا فلاسفة ومتصوفة .. وعلماء كلام , منهم من حدثنا عن نظرية الفيض و والاخر حلل لنا نظرية الحلول , حلول الناسوت في اللاهوت او اللاهوت في الناسوت , و ثالث حلل لنا قضية خلق القران ....الى ما لا نهاية و وكلها قضايا محرمة في الدين الاسلامي وهي من القضايا التوقيفية , وليست من القضايا التوفيقية .., لانها تحمل من التاويل اكثر ما تحمل من التفسير . فحد العلم والمعرفة الانسانية ياتي بين التفسير والتاويل .
اخيرا ليس هناك موضوع مقدس في الدين الاسلامي , سوى ذات الله تعالى , وفكرة التقديس هذه جاءت من عند اخواننا العرب المسيحيين في الشام او المصريين المسيحيين , وليس لها في الحقيقة وجود في الفكر والمعرفة الانسانية الاسلامية .
المفضلات