استلاب ثروات العراق

نبال خماش



عندما يتحدث مسؤول عراقي بمنزلة وزير النفط العراقي الأسبق المهندس عصام الجلبي, عن واقع النفط في العراق, ايراداته, أوجه انفاق هذه الايرادات, الحزمة القانونية والتشريعات المتعلقة بهذا القطاع الحيوي, ودور الصراعات السياسية المحلية في تصريف شؤون هذا الملف واستثمار ايراداته, فان كلام السياسي والخبير في مجاله الحيوي لا يمكن, وبأي حال من الأحوال, اعتباره كلاما في الهواء, أو يجري تصنيفه ضمن هذه المعارك الكلامية باعتبارها تحريضا سياسيا ضد عموم الواقع السياسي الحالي في العراق, بكافة تناقضاته وصراعاته المحتدمة. انه كلام الخبير بمجاله, المدعّم كل اضافة أو نقد أو كشف للحقائق, بمعلومات وأرقام احصائية رسمية, ليس من السهل التشكيك بصحتها بحال من الأحوال.

للمهندس عصام الجلبي دراسة طويلة ومعمّقة نشرت قبل فترة وجيزة في احد مراكز الدراسات العربية, ونظرا لأهمية هذه الدراسة بما احتوته من معلومات ثرية وغنية, وصادمة في بعض جوانبها, فقد جرى تداولها وتعميمها على نطاق واسع في العديد من مراكز البحث التي أعادت نشر الدراسة على مواقعها الالكترونية الخاصة, وكذا فعلت مواقع الاعلام الالكتروني.

عنوان الدراسة " النفط والصراع السياسي في العراق", وتضمن محتواها أربعة مباحث رئيسية: الأول جاء تحت عنوان" حقول ومصافي البترول في العراق" وهو عبارة عن استعراض تاريخي سريع لسياق قصة اكتشاف النفط في العراق مطلع القرن الماضي, وأهمية هذا المبحث تحديدا تتمحور أساسا حول هذه العملية البحثية في الربط بين قضية اكتشاف النفط في مرحلة زمنية ما, والأحداث السياسية المرتبطة بهذا الاكتشاف.

فقد جرى في تلك الفترة, وتحديدا عام ,1921 أن مُنح حق امتياز التنقيب عن النفط لعدد من الشركات الغربية, ذوات الجنسية:"البريطانية, الامريكية, الفرنسية, الهولندية"مقابل دعمها للعراق بأحقيته في الاحتفاظ بولاية الموصل, وتم بناء على ذلك التوقيع عام 1925 على اتفاقية الامتياز, ووزعت الحصص على أساس 23.75% لكل من الشركات البريطانية والفرنسية والامريكية والهولندية, و5% إلى السيد كولبنكيان, وكان من ضمن الشروط التعسفية الأخرى إجبار العراق على التنازل عن حصته البالغة 20% الممنوحة له بموجب معاهدة سان ريمو. وكما هو معروف, فقد تم التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم الجزيرة العربية إلى دويلات بحدود مصطنعة وقابلة للتفجير, من خلال جملة من الاتفاقيات والمعاهدات, مثل: سايكس بيكو, وسان ريمو.. وغيرها. إضافة إلى اتفاقية الخط الأحمر في1 يوليو/تموز 1928 بين شركات النفط وممثلي دول تلك الشركات.

أعقب ذلك امتداد الرقعة الجغرافية لامتيازات الشركات الغربية من خلال تأسيس شركة نفط الموصل; ومن ثم شركة نفط البصرة, ولنفس مالكي شركة نفط العراق وبنفس الحصص السابقة, وتمت بذلك تغطية كامل مساحة العراق دون أي استثناء.

المبحث الثاني من الدراسة جاء تحت عنوان" معركة السيادة النفطية", وفيه جرى استعراض مسألة استرداد العراق واستعادته سيطرته على ما يقرب من 99.5 من أراضيه واسترداد ثرواته النفطية من الشركات العالمية, ليصدر في عام 1964 القانون رقم (11) والذي بموجبه الاعلان عن تأسيس شركة النفط العراقية, لتصبح منذ ذلك التاريخ مسؤولة وبشكل حصري عن استثمار النفط ومشتقاته في كافة أنحاء العراق, وأن لا يتم اللجوء الى شركات أجنبية الا في حالة استثنائية مشروطة بصدور تشريع خاص.

في سبعينيات القرن الماضي نجحت الشركة الوطنية العراقية في توسيع طاقتها الانتاجية من 2 مليون برميل يوميا, الى 3.5 مليون برميل عام ,1980 الا أن هذا الانتاج تعطل جزئيا بسبب الحرب العراقية- الايرانية, ورغم تدمير الجزء الأعظم من المنشآت النفطية فترة الحرب, فإنه تمت إعادة بناء وتأهيل معظمها; بحيث تجاوز الإنتاج الفعلي للنفط الخام 3.2 مليون برميل يوميًّا في تموز.1990

العراق المحتل, صاحب رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم, لا يزال أشبه بمزرعة مليئة بالذهب مشرّعة الأبواب ليسرق الجميع منها. أما الأطراف الكبيرة الفاعلة, فهي على صورتين: اما الأطراف العراقية الموجودة داخل "العملية السياسية", واما عواصم الاحتلال, هذان الطرفان سرقا وما زالا يسرقان ثروات الشعب يداً بيد منذ غزو عام .2003 كانت هذه الأفكار الأبرز في المبحث الثالث من الدراسة التي جاءت تحت عنوان"النفط والاحتلال".

البعد القانوني كان من أكثر الأبعاد التي جرى العمل عليها بشكل منظم بهدف شرعنة السرقة, بداية كان هناك حرص من الحاكم الامريكي بول بريمر والسياسيين العراقيبن في السلطة الجديدة على العمل لتضمين دستور عام 2005 مبادئ تتعلق باعتماد الفيدرالية وإنشاء الأقاليم, معززة بنصوص أكثر غموضًا فيما يتعلَّق بإدارة الثروات النفطية وهيكلية ومسؤوليات القطاع النفطي.

واستكمالاً لما تحقق من انقسام واضح بسبب الدستور, كان لا بد من أن تصدر قوانين تلغي أو تعدل القوانين النافذة, فقدمت جهات امريكية رسمية وغيرها مقترحات لتشريعات جديدة; إلا أن وزارة النفط عملت خلال عام 2006 على إعداد مسودة قانون جديد للنفط والغاز, وبعد تفاوض مع إقليم كردستان وبتداخلات مباشرة وغير مباشرة من الإدارة الامريكية العليا ومستشاريها والسفارة الامريكية, تمت الموافقة -في فبراير/شباط عام 2007م- على مسودة نهائية بعد تدخل مباشر للسفير الامريكي زلماي خليل زاده, وتبنى مجلس الوزراء فورًا تلك المسودة خلال جلسة مقتضبة عاجلة, دون أن تطرح المسودة على الخبراء والمختصين أو الرأي العام, واتفق على إصدار أربعة قوانين خلال فترة لا تتعدى بضعة أسابيع; تشمل:

قانون النفط والغاز.

قانون إعادة تنظيم وزارة النفط.

قانون توزيع الموارد المالية.

قانون إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية.

ولأسباب تتعلق بارتفاع أسعار النفط العالمية, فقد غدت هذه الثروة, بعد الاحتلال عاملاً أساسيًّا من عوامل الصراع السياسي داخل العراق, يوشك في أحيان كثيرة أن يفجر وحدة البلاد; مثل مطالبة إقليم كردستان التوسع بحدوده على حساب المحافظات الأربع المجاورة, أو يهدد استقرارها السياسي والاجتماعي, مع انتشار حالات الفساد بشكل غير مسبوق جعل العراق في مصاف الدول الثلاث الأولى عالميًّا من حيث استشراء الفساد. وقد تناولت الدراسة بشكل معمق هذا البعد من خلال المبحث الرابع والاخير في الدراسة القيمة, والذي جاء تحت عنوان" النفط والطموحات الكردية".

أشارت الدراسة بداية الى رفض اقليم كردستان المسودة للقانون الأول, وباشر على الفور إصدار قانون خاص للنفط والغاز يغطي أعماله, ليس ضمن حدود الإقليم المعترف بها (أربيل, السليمانية, دهوك), بل يتجاوزها ليشمل مناطق شاسعة ضمن محافظات نينوى, كركوك, صلاح الدين, ديالى باعتبارها مناطق متنازع عليها, وأعلن نفسه وصيًّا عليها.

باشر الإقليم منذ عام 2008 وإلى الآن التفاوض المباشر بالتعاقد على حقوق وتراكيب وأراض ضمن خارطة أعلنها رسميًّا منذ ,2008 بلغ عددها حوالي 48 عقدًا.

إن النظرة للموضوع أعلاه, لا بد وأن تأخذ أبعادًا سياسية تتجاوز موضوع السيطرة على النفط إلى السيطرة على الأراضي, إضافة إلى الوضع المعقد مع الإقليم, ففشل الحكومة المركزية في سياستها الأمنية والإدارية والاقتصادية, شجع عددًا آخر من المحافظات -سواء كانت منتجة للنفط أو غيرها- على المطالبة بصلاحيات أوسع, وصلت إلى حد المطالبة بإعلان تشكيل أقاليم جديدة.

تخلص الدراسة الى فكرة أساسية وجوهرية مفادها أن الخلل قد وقع منذ الأيام الأولى للاحتلال; حيث اعتمدت المحاصصة الطائفية أساسًا للحكم, وتم على ضوئها تبني دستور يحوي العديد من القنابل الموقوتة, وكان يفترض تعديله بعد أربعة أشهر من تبنيه, إلا أنه مضى الآن أكثر من ست سنوات دون أي إجراء.

عن صحيفة العرب اليوم الأردنية