أنا وأمي مرة أخرى
ما أجملك يا ديمة ،قالها حاتم ،وهو يغمرها ويكاد يخنقها بذراعيه القويتين ،كم أحبك يكاد قلبي ان يتوقف من كثرة الحب، هل يمكن للحب أن يقتل صاحبه؟ ردت ديمة :أنت تبالغ ،كل هذا الحب لم يمر على زواجنا شهرين ؟؟
رد عليها بصوت هامس، حبيبتي ، عمري ، حياتي ، حب غالي ما ينتهيش، اوو اشعر أني أعرفك منذ زمن بعيد صدقيني، عندما تقول أم كلثوم :اللي شفته قبل ما تشوفك عيني ،عمر ضايع، يحسبوه إزاي علي إنت عمريييييييي كانت تقصدني أنا !!
لم تصدق ديمة ما تسمعه لأول مرة في حياتها ، هل حقا يوجد شخص في الدنيا يحبها كل هذا الحب، يا إلهي انا ديمة ، حاتم يحبني كل هذا الحب، فعلا ، سؤال كان يتبادر لذهن ديمة ، ما أقوى علاقة بشرية ؟؟بين الأم وابنتها أم الزوجة وزوجها ، كل تلك العلاقات ، كانت تزيد من حيرتها ، فهي تقدس أمها وتحبها كثيرا ، لكن أمها لا تبادلها هذا الحب السامي النبيل، وفي المقابل يغدق عليها حاتم الحب بأنواعه العديدة ، من شغف ، وهيام ، وشوق، وعشق، وحتى ألم ، هذا ما يقوله لها صدقيني إن قلبي يتألم من حبك ،
عندما يعود للمنزل ، يبحث عنها كالطفل الصغير، ينادي ، دييييييييييييييييييمة ، دييييييييييييمة، أين أنت ، وما أن يراها حتى ولو كانت ترتدي ملابس المطبخ، حتى يحتويها بذراعيه القوية، تدفن رأسها في قميصه ، يشد عليها حتى تكاد أضلاعها أن تتكسر، يغمرها بحبه حتى تكان أن تشعر أن نفسها ينقطع ، حب شريف طاهر عفيف، هذا هو الزوج، فكيف يا ترى هو حب الأم ؟؟ وهو الأجمل والأرقى والأسمى برأي ديمة ، كلما شاهدت طفلة تحتضنها أمها ، تنظر إليها بشوق وشغف، لكنها تقول الله يهنيها !! ما شاء الله ،
هكذا بدأت حياة ديمة الجديدة ،، بعد كل زيارة لأهلها ، بعد أن يزورهم أحد ما لتقديم واجب التهنئة ، كان حتى قبل إقفال الباب يسارع لاحتضانها وغمرها بحبه وشوقه وشغفه ،كانت تلك الحياة كالحلم ،كالأفلام حب وشوق وحنان ،لم تكن تدرك أن السعادة والحب الحقيقي يأتيان مع الزواج، كان كل همها الهروب من سجن والدتها ،فإذا بها تدخل الجنة على الأرض ،وبدأقلبها يعزف بشكل جديد كله حب، بدأت تحب أمها ،وحتى برد شيكاغو ومحلاتها و أشجارها وبساتينها، حيث يسكنون وكل ما فيها، حتى شقيقها رائد ،بدأت تنظر اليه نظرات جديدة مليئة بالحب ؟؟ وبدأت حياتها كعروس، كان حاتم حلم رائعا زين أيامها بلون وردي منعش ،حنون جدا ،و كريم ويحترم مشاعرها!المشكلة فيها ،كيف تعبر عن ذلك الحب وتلك المشاعر؟؟ لم الصمت يا ديمة عبري عن رأيك!1لا تخافي من الكلام ؟؟الذي يخطر على بالك قوليه، انت إمرأة عاقلة وراجحة العقل!!أ, ما أجمل هذا الكلام لم تسمعه إلا بالمدرسة!!أريد الحجاب لك ذلك ،،ماذا أقول لأمي لا شأن لها بك أريدك ان تنتسبي لنادي رياضي إعملي ما تريدين؟؟ لاشأن لأمك بك؟؟ لقد عوضها الله عن قسوة أمها بحنان حاتم و حنان والدها ،فهما متشابهان كثيرا ،بدأت الأم تكره حاتم، لم هذا الحجاب ؟؟يسهران معا فلا تكلمها إلا للضرورة ،،فقد كانت مشغولة بالبحث عن عروس لإبنها رائد .
حسنا سأذهب للبرازيل ،هناك أقارب لي لديهم عروس رائعة ،و في غاية الجمال ،لأول مرة تقول عن فتاة جميلة ؟؟من هي المحظوظة ؟؟
سارة قريبة الأم ،سمراء مثل والدتها وتتميز بعيون زرقاء واسعة ،كانت جميلة وجذابة ،ولكنها تميل للجدية،،كل ذلك لايعني لها شئ،
كانت تعيش دوامة حب خيالية ،ومشاعر تعرفت عليها للمرة الأولى ،جاءت البشرى بدأت ديمة تشعر بعوارض الحمل ،لن أخبر أمي أبدا ،حتى لو وصلت للشهر السابع،ومرت الشهور وبطنها بدأ يكبر،كانت تشعر بفخر جديد بحملها هذا، إنها أنثى منجبة ،ستلد إنسانا ،وتحمل روحا إنسانية تتشكل في بطنها ،بدأت تشعر بدقات قلبه منذ الشهر الأول ،رغبة شديدة في قلبها تريد أن تقول ،لأمها، ماما حبيبتي أنا حامل!! لكنها كانت تشنق تلك الكلمة لا داعي لها ، حسنا يجب أن أخبرها ،أوصت حاتم بكتمان الخبر، حتى تخبر هي أمها وأهلها ،لكن ما بك ماما ألم تنتبه، لقد تقيأت منذ بداية الحمل عدة مرات ولم تنتبه ،أمس بعد تناول طعام العشاء ،في منزلهم، وفي يوم الأحد لم أستطع تناول كأس الشاي ،رغم أنها تعرف أني أعشقه ،بعد حفلة المشاوي يوم الأحد خاصة عندما يصنعه والدي على تلك الفحمات بعد نهاية الشواء، يدفن حبات البطاطا ، لم تنتبه؟؟ لم أشرب الشاي وقدم لي والدي البطاطا المشوية، فلم آكلها ،طوال الوقت تتكلم عن رحلتها للبرازيل، خطيبة رائد التي تريد، كيف أخبرها ؟؟
لالالاداعي يا ديمة ،احتفظي بسرك الصغير،أي سر، لابد أن تعرف ،حسنا لندع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا بما حكم القضاء.
ارتاحت قليلا ،ورغم ذلك ظلت تترقب ذلك اليوم الذي ستعرف أمها أنها حامل ،وما هو التعليق المنتظر؟؟ ذلك اليوم جاء سريعا ،أكثر مما تتصور، كانت مع شقيقتها دانة تتكلمان عن الملابس والأسواق ، هي وشقيقتها تتبادلان الملابس أحيانا ،في تلك الليلة بعد حفلة شراء محمومة بالتخفيضات الموسمية ،ارتدت ديمة بلوزة لدانة ،شاهدتها أمها حينما دخلت فجأة لغرفة دانة ،ما هذا يبدو أن وزنك ازداد يا ديمة !ا هل أنت حامل؟؟؟
ردت دانة بتسرع كعادتها: أمي إنها بالشهر السادس( يا إلهي لم يا دانة حسنا لم أخبرأمي هذه المرة ماذا ستعلق هذا ما دار في عقل ديمة )
ردت الأم ؟ مبروك انتبهي لنفسك حتى لا يزيد وزنك، ولا تستطيعي التخلص من ذلك الزون الزائد
!!وزن زائد؟؟ يا لك يا دانا من غبية، لم أخبرت أمي أني حامل في الشهر السادس !! حسنا شعرت ديمة أنها انتقمت منها ،لن أخبرك بأي شيء يتعلق بأنوثتي ،
ردت الأم ،أرجو أن يكون غلام ،
:أجابتها بل أتمنى بنت ،ولو رزقني الله بها ،لأصومن ثلاثة شهور ،
ماذا؟؟ يا لك من غبية فعلا ،أنت غبية ،
لم تعلق ،لم تهتم ،شاءت قدرة الله ان يكون توأم من الأولاد محمد وأحمد ،
فرحت الجدة كثيرا ،حمدت ديمة الله على تلك النعمة ،عادت لمنزلها ، رفضت ان تمكث فترة النفاس عند والدتها بإصرار عجيب ،وحملت مرة اخرى، فكان غلاما إيضا ،إبراهيم .
لا تزال ديمة تحلم بان ترزق بفتاة ،حتى تمنحها كل ما حرمت منه ،كانت تتكلم دائما عن ذلك أمام والدتها ،التي تسخر منها وتقول :حسنا أنت الخسرانة ،انظري إلى الأمريكان ،الذين يدلعون بناتهم ،كيف حال بنتهم ؟فسوق وكفرودعارة ،الشدة هي التي تصلح للبنت ،أما الولد فلا شيء يعيبه أبدا ،مهما فعل فهو ولد،ولا يجلب العار لاسرته أبدا ،جدال طويل مع شقيقتها دانة ودينا ،،مع الأم ،إصرار عجيب من ناديا، فالولد كنز،
، رغم أن رائد لم يكمل تعليمه عكس شقيقاته ،،فدينا تدرس الطب ،و دانة تعمل طبيبة في هيئة إغاثة عالمية وكلاهما حريصتان وملتزمتان ولكن بدون حجاب!! أما رائد فحدث ولا حرج .
عمر يفتح المشروع تلو الآخر، وبدأ عمل زوجها حاتم بالتعثر ،وبدأت تشعر أن حبه بدأ يخبو، أين ذهب الشوق وتلك اللهفة في عينيه ؟أين ذهبت نار يديه عند لمسها ؟؟ هل هناك إمراة اخرى أم ماذا؟؟؟ يتبع ،،،،،،،،،،،،
زوجة أخي حامل؟؟
أرجوك قلي هل هناك إمراة اخرى ؟كانت تسأله ذلك السؤال وهي تعلق ردائه وتهرب من نظرات عينيه التي تاسرها و تجعلها تذوب كقطعة ثلج في شهر تموز الحار ، احاطها بذراعيه القويتين وابتسم ضاغطا عليها ما بك يبدو ان الغيرة دبت في قلبك عندما تزوج رائد أوو هل تغارين من زوجته ؟ لا يوجد إمراة في العالم غيرك كلهن سواء و لا انظر لواحدة ؟؟ ولكني حقا متعثر في العمل انا متاكد ان هناك من يسرق الشركة ليورط عمي و نعلن الافلاس ؟؟ كانت تلك الكلمات كفيلة بإدخال البهجة لقلبها لا يزال يحبني و يراني مميزة لأني مميزة علي أن أقول ذلك دائما لنفسي .
تزوج رائد وبدأت في منزلهم حياة جديدة شقيقاتها في العمل والجامعة وهناك إمرأة في المنزل ذهبت لزيارة أهلها فوالدها متعب قليلا، تعجبت، الأم تقف في المطبخ ،كانت الأم قد اتصلت بها صباحا قائلة تعالي يا ديمة اليوم عندنا بعد ذهاب حاتم للعمل ضروري أسرعت بالذهاب وهذه المرة الاولى التي تقول لها ضروري أن تحضري صباحا احتاجك أوووامي تحتاجني يا إلهي ماذا تريد؟
دخلت منزلهم كانت الام بالمطبخ :حسنا يا ديمة اريدك ان تصنعي لنا صفيحة بعلبكية زوجة أخيك تتوحم عليها تخيلي أنها تشتهيها وحامها صعب قليلا يا حبيبة قلبي !!شعرت بصدمة حبيبة قلبي تتوحم تشتهي كلمات لم تألفهاحبيبتي انها تتوحم ؟؟علينا ان نصنع تبولة لقد اخترت ضمة البقدونس بحرص شديد و النعنع يجب ان يكون طازجا فهي تكره النعناع الجاف ولا تريد كثيرا من البرغل وهي تفضل البرغل الابيض مثل السوريين سنضع برغل ابيض يا ديمة وزيدي من كمية الحامض الليمون فهي تحبها حامضة وبدأت تتكلم وتتكلم وتردد حب وتحب!!تعجبت ديمة من ذلك !!قالت ديم امي امي تهمس لنفسها ردت الأم :نعم يا حبيبتي ديمة او تقول حبيبتي لم تقلها منذ وعيت يا الهي ما هذا هل لزوجة اخي سارة سحر !!بدأت ديمة تصنع الفطائر واقراص الكبة وزادت من كمية الجوز بداخلها فسارة تحب الجوز ولا تحب الصنوبر الذي تعشقه ديمة والأسرة لا بأس سنعتاد على طعمه قالت لأمها، ردت الام :ماذا إن طعم الجوز في الكبة اجمل لااتتخيلي يا ديمة هيا هيا وطوال الوقت سارة تحب سارة تشتهي انتهت ديمة من الطعام وطبخت الام كالعادة طبقا مميزا من ورق العنب المحشي باللحم المفروم وقد وضعت تحته كميات كبيرة من اضلاع اللحم والكستليتا وزادت من حموضته فسارة تحب ذلك؟؟ وصنعت بجوار ذلك الطبق صينية من الكفتة بالطحينة السائلة بعد ان زادت من حموضتها كما تحب سارة يا الهي اذكر اني عندما كنت صغيرة كلما صنعت ماما كفتة كنت اقول لها اصنعي لنا كفتة بالطحينة تصر ماما على الكفتة بالبطاطس والطماطم وتقول الطحينة ثقيلة جدا و بها سعرات حرارية كثيرة لا داعي لها الان صارت اجمل طبق ،قالت ديمة ماما الطحينة بها سعرات حرارية كثيرة !!لالالا انها غنية بزيت السمسم الهام جدا للبشرة والصدرو العقل و او لو تعرفي فوائده وطعم الكفتة بالطحينة مميز جدا يشبه طعم اكلة البلمة اللذيذة والصعبة جدا .
في المساء جلست الاسرة هيا يا سارة يا حبيبتي كلي ؟ حبيبتي كلي ؟ ما الذي تغير في امي كنت اعتقد انها امرأة عسكرية حبيبتي واخذت تقدم الفطائر لسارة و عصير التفاح!!سكتت ديمة وقالت كل ذلك الحب لسارة الا تخاف ان يزيد وزنها !!حسنا بدأت امي بدأت بالكلام مع سارة كيف الحمل و الوحام أوو لقد عرفت خالتي اني حامل قبل ان اعرف انا تخيلي يا ديمة قالت لي انت بإذن الله حامل من لمعة عينيك !قالت ديمة لنفسها عيني امي التي تراني يوميا لم تنتبه ؟؟ وكل يوم ماذا تشتهي يا سارة ؟
حسنا لا بأس ردت ديمة في نفسها و جلست تتأمل والدتها طوال السهرة وهي ترغبها بالاكل لانها تأكل لشخصين اياك ان تفكري بالوزن !!
عادت للمنزل مصدومة فاجأها حاتم اريد ان اسافر الى دول الخليج تلقيت عرضا للعمل مغر جدا وسنسافر بعد أسبوع تقريبا ؟؟يا إلهي إنه طوق النجاة .
غربة الالتصاق
غربة الالتصاق
كان من أصعب الأمور على ديمة، أن تخبر والدتها بقرار السفر، بودها لو تسافر فجأة ،وبعد أسبوع تتصل بأمها لتخبرها أنها في الخليج ،بعيدا عنك آلاف الكيلومترات ، تفصلني عنك قارات العالم، محيطات الكون، حتى لا إنظر إلى ردك الهادئ القاتل ، لكنها لم تستطع ، لا بد من إخبار أهلها !
استعدت ديمة لزيارة أهلها في نهاية السبوع ، كانت قد أتمت تجهيز الحقائب، أخبرت والدتها ونظرت إليها جيدا ، جاءها الرد كالصاعقة تماما ، وكأنها تتوقع شيئا آخر!! ارجوك ديمة !!أنت تعرفين أمك جيدا ، فلا داعي لافتعال الألم والدهشة ،!!
كان صوت والدتها هادئا ،لكنه يشبه هدير البحر قبل العاصفة ،: حسنا أرجو أن يكون الراتب محترما ؟؟ فقط هذه التعليق!! منذ الصباح وأنا معك، ولم اخبرك !!وطوال الوقت سارة ،سارة ،سارة، لم يا أمي؟ حتى أنك لم تشعري بالهزيمة لأني لم أخبرك بإلا قبل السفر بليلة واحدة!!ذلك ؟كنت أعتقد أني سأفجر قنبلة حسنا أمي ، لا بأس ، وكأني أقاتل طواحين الهواء!!
طوال الليل لم تنم !تتاكد من حقائبها وحقائب الأولاد ، تفكر ، لن أكون مثل أمي أبدا
في الطائرة جلست بهدوء / سيطر الوجوم عليها ، ما بك يا ديمة ؟حبيبتي؟ هل أنت خائفة؟؟ اقترب منها زوجها هامسا، حبيبتي ، هل بدأت تشعرين بالندم ارجوك تكلمي ،حبيبتي ، طوال الرحلة لم تنبسي ببنت شفة!! ما بك ، هل أنت بخيرحبيبتي؟؟ردت عليه : هه هه لالالالا أنا بخير، نادمة ؟؟أبدا ، بل سعيدة ضحكت ، اقترب من رأسها ، شد بيده على يدها ، سأظل أحبك ديمة لا تقلقي، ضحكت، احمر وجهها ،
ردت بغنج أو سأقتلك لو فكرت بأخرى ؟؟
بادلته نظرات الحب والعطف والاهتمام، ثم عادت للتفكير مرة أخرى ، إن تلك الرحلة هو ما احتاجه ،الابتعاد عنك، وعن الضغط الذي يسحق قلبي ،عندما أبتعد عنك سأرتاح، سأبدأ حياة جديدة ،يكفي عشرون عاما وأنا ملتصقة بك لا أريد مزيدا من سنوات الالتصاق !!علي أن أخرج من شرنقتك التي تخنقني ،لن اكون أنت أبدا!! لن أعامل أولادي مثلك!! ولن اعامل زوجي مثلك !!أحبك أمي ، لكني أرفض كل أفكارك التي غرستها ودفنتها قهرا وجبرا في قلبي ،سأرتاح من ذلك التفكير بك طوال الوقت، لن تكوني معي، سأبتعد عنك لأخلق من جديد، سأكون فراشة مختلفة ،لن تتحكمي في شرنقتي،في مولدي، لن أسمح لك بذلك.
وفعلا بدأت ديمة حياة جديدة ،كان المنزل قريبا جدا من منزلهم القديم في جدة، كانت تود لو انه في حي آخر وبعيد عن منزلهم!!حسنا لا بأس في ذلك،إنه من أرقى الأحياء ،لن يؤثر منظر منزلنا القديم علي، كانت حريصة على عدم المرور أبدا بالقرب من ذلك المنزل ! رغم أن زوجها حاتم كان يصر أحيانا على المرور بقربه،لإدخال السرور على قلبها ،بعد عدة مرات، طلبت منه بصراحة عدم المرور!!! استغرب من طلبها!! قالت:أكره ذكرياتي فيه ،لا أحب المرور من قربه أبدا، حتى شجرة السدر الضخمة التي أمامه ،أكرهها ،أشعر أنها غول يفترسني، يكاد يطبق على قلبي ،كلما أخطأت أو صرخت علي أمي أو وجهت لي ملاحظة جارحة ، كانت عيناي تقع على تلك الشجرة، فأشعر أنها تسخر مني، وأغصانها المتدلية بقرب نافذتنا ،كأنها تخرج لسانها وتهزأ ،بي ، تقول :أو أنا شاهدة على ضعفك !!تكره حتى المرور بالقرب من مدرستها القديمة ،حرصت على أن يدرس أولادها بمدارس عالمية، سأخلق بيئة مختلفة عن أمي !!
بعد شهرمن قدومها ،بدأت تنهال عليه الاتصالات الهاتفية ،من صديقات والدتها ،ووالدها، وجميعهم يرغبون بزيارتهم و الترحيب بهم ، توالت الولائم ،الكل يرحب بهم، وجاء دورها ،
بدأت باستضافة بعض زميلات والدتها ،جاءت منى مع سلفتها هند ،وهما تعيشان معا ، في منزل واحد فالشقيقان ،نايف و نواف من أسرة مترابطة كثيرا، وأهم شيء هو الحياة معا ،وهما من أصدقاء والدها ،و زوجاتهم كذلك.
استعدت ديمة لتلك الزيارة، فصنعت بعض فطائر السبانخ الشهية ، والصفيحة البعلبكية واللحم بعجين، وأقراص الكبة المقلية اللذيذة، والتبولة،و كعكة صغيرة ،وطبقا كبيرا من عيش السرايا وحلاوة الجبن التي قامت بحشوها بالقشدة الطازجة الشهية بعد أن أترعتها بماء الزهر والورد ..
بدأت مراسم الزيارة ،رحبت بهن، وأخذت منى وهند تقبلان ديمة يتأثر كبير ، وتتنهدان،، يا إلهي كأننا نرى والدتك ،كأني أتكلم مع ناديا،!!
او ما هذا صدمة!!!ردت ديمة بهدوء وبرود مشيب : حسنا أهلا يا خالتي أهلا وسهلا ،بداية غير جيدة أبدا!!قالت لنفسها ديمة بامتعاض شديد!!
وبدأت التحدث معهما، وقامت بتقديم القهوة السوداء ،أولا وقالت: إنها قهوة أهلاو سهلا !وليس مع السلامة وضحكت!
ردت هند بفرج شديد: يا إلهي! مثل أمك تماما ،كانت تعشق القهوة ،ونشربها عندها مرتين،أول الزيارة فنقول لها ما هذا يا ناديا قهوة في البداية ؟؟فتقول إنها قهوة أهلاو سهلا!! حتى تتفتح عقولنا ،ونتحدث بحيوية ،ثم أخيرا قهوة مع السلامة،
أضافت منى/ وفناجين القهوة الفاخرة ، يا إلهي امك معروفا عنها حبها لفناجين القهوة الذهبية الفاخرة، أجمل فناجين قهوة كنا نشربها عند والدتك!!
ردت هند: يا إلهي ،هل تذكرين شغفها الدائم بفناجين القهوة ،يبدو انك أخذت ذلك منها ،ففناجينك مميزة جدا !
ردت منى :وطريقة التقديم ، نفس طريقة التقديم، عندما وضعت أمامي فنجان القهوة كأني أرى ناديا، يا إلهي ذكريات جميلة، كانت سيدة رائعة ،محترمة جدا ،تحب بيتها و زوجها ،منزلها مثل المسجد في طهارته، و نظافته، يا إلهي ما أطيب قلبها، قليلة الكلام جدا،أمك سيدة رائعة بكل ما تحمله الكلمة ،كم افتقدها .
ردت هند :هل تذكرين اجتماعنا عندها في منزلها، حتى بعد هجرتكم كنت أحب المرور بقرب منزلكم ، وأتنشق رائحة ناديا، العمارة تبدو جميلة ،لكنها حزينة بفقدها ،ديمة ، صدقيني الشجر هناك حزين على فراقها ،وكأنه يبكيها وأخيرا بعد عودتك،شعرت أن شجرة السدر تلك ،قد انتعشت، صدقيني، لقد صار لونها أجمل وأكثر اخضرارا حتى شجر الحي يحب أمك !!
لم تعلق ديمة ،وبدأت بتقديم الفطائر والتبولة، والحلويات ،يا إلهي نفس النكهة، نفس الطريقة، والله زمان على أيامك يا ناديا،إن الذي ينجب لم يهاجر!!هه ههه وضحكا معا بكل فرح ،وظلت هي صامتة ،لم تعلق ،حتى عندما سكتت لم تسلم من التعليقات !! يالهي مثل ناديا كلامها قليل ولكنه ثمين مثل الذهب.
غادت المرأتان بعد أن كاد قلب ديمة أن يتوقف من القهر، وتوالت زيارات الأقارب والأصحاب صغارا وكبار،نفس التعليقات،
ما هذه ؟؟أنا أشبه أمي ؟؟روح أمي ؟؟كلام أمي ؟؟ تصرفات أمي ؟ مشية أمي؟؟ نفس تقاطيع أمي ؟؟فقط بفارق اللون؟؟ !!ما هذا؟؟ هل أحمل أمي بداخلي؟؟
بعد انتهاء تلك الاستقبالات، فكرت ديمة كثيرا ،أخرجت صور عائلتها وطفولتها ،بدأت تفكر، هل حقا أنا أشبه أمي؟ كيف؟؟أنا ارفضها لا أحب تصرفاتها أبدا،؟كيف؟
الحقيقة أنننا نحمل أمنا داخلنا ،وفي قلب كل واحد منا أمه أو أباه ،شاء ذلك أم أبى !
هل أنا أحمل امي بداخلي؟؟ نفس التصرف!! وطريقةالمشي والكلام !!
هل بعدي عنها ملايين الكيلومترات ، وألوف المدن والبحارالواسعة التي فرقتنا ،هربت منها بعيدا ،لأجدها سبقتني هنا ،إنها تنتظرني هنا ،هي أيضا حملتها معي، لم أتركها ؟؟هل تركي لها هو وهم؟؟ يا إلهي من أنا ؟؟
ديمة أم ناديا !!
كيف أرفضها وأحملها طوال هذا الوقت في قلبي ؟
نظرت ديمة إلى تلك الصور التي حتى أنها لم تكن تريد إحضارها معها،لأنها ذكريات إليمة ،صور طفولتها في بلدهم بالعاصمة ببيروت،وفي الخليج، كلها صور مؤلمة ، مزعجة ،لكنها أحضرتها فقط حتى لا تترك شيئا هناك متعلق بها ،وهاهي تنظر إليها ، كانها تراها أول مرة!!
أنا وأمي ،أمي هنا تضع يديها على كتفي ،وهي تحتضن رائد، نعم يدها على كتفيه، لكنها تشدني إليها ،لم ألاحظ ذلك أ!
بدا وكأنها اول مرة تراها ،صورة أخرى وأمها في المطعم الجبلي، عند نبع الصفا بلبنان،عند نبع الباروك ، في بيت الدين، قلعة موسى ، أماكن كثيرة جميلة، تنظرإليها بسرعة تقلب الصور بحثا عن ماذا؟؟عن امك التي تحبك، أم ناديا التي تكرهين، هاهي هنا في مغارة جعيتا ،تركبان القطار تحضنك بقوة ووالدك يمسك برائد، هي تمسك بك وبأختك ،وها أنتم تركبون تلفريك حريصا ، تصرين على الجلوس بجوار أمك ، والدك يمسك آلة التصوير ليصور أمك التي يعشق ، وأنت بجوارها ،لابد أن رائد كان بجوار أبي، يا إلهي ما هذه الصور التي أراها لأول مرة !!
ها هي صورة أخرى في أحد المطاعم بشمال طرابلس ،قرب نبع مياه رائع،أريد رمي الكرة واللعب مع البط وأمي تحاول اللحاق بي وإمساك يدي ، وهي هي صورة أخرى وأنا أجلس بجوار أمي بالمطعم والمائدة العامرة بما لذوطاب ، ها هو طبق البطاطس الذي أحب تقربه ماما لي ،
وتوالت الصور وكأنها تشاهد أمها لأول مرة!!
هل أنا ظالمة ؟؟حاقدة ؟؟غيورة؟؟ ناكرة للجميل؟ من أنا ؟؟
كيف أفسر الأمور؟؟؟ ما الذي يحدث معي؟؟ من المسكين أنا أم امي؟؟
رجعت بذاكرتها إلى الوراء إلى بساتين الموز التي كانت تعشق اللعب فيها ،واللهو مع شقيقها هناك ،شجرة الموز شجرة جميلة جدا، تكبروتحمل عناقيدا من الموز الجميل، الأخضراللون ،ثم ما تلبث أن تظهر شجرة صغيرة بجوارامها ،وتبدأ تلك الأم بالضعف والذبول ، والاصفرار ،حيث تقوم الشجيرة الصغيرة من الموز بامتصاص كل الغذاء من أمها ، التي تبادر بإعطائها ما يلزمها من الغذاء والماء ،ثم لا تلبث أن تموت الشجرة الأم ، لتمنح الحياة لابنتها ، فتذبل ويقوم المزارع بقطعها، حتى يشتد عود ابنتها !!فيقال أن شجرة الموز تقتل امها !!
هل أنا شجرة الموز التي تقتل أمها؟؟
لالالالالالا أنا أحب أمي ،لكني لن أكون أبدا شجرة الموز،
أمي أحملك في داخلي ،في نبض قلبي ، في أنفاسي التي أتنفسها ،عندما أوجه أولادي،أدير حوارا مع زوجي أطبخ طعامي، أصنع فطائري ،أقراص كبتي، دوما ترافقيني، دوما روحك ونفسك ،طيفك الطاهر بصحبتي ،شئت ذلك أم أبيت !! أين أنت أمي ّ!!!!
أنت بداخلي رغما عني ،أم برغبتي؟؟
اختلطت الأمور علي؟؟ كيف أرفضك وأنا اأملك في حلي وترحالي !!
لأول مرة شعرت ديمة بحب شديد وشوق لأمها ،رفعت سماعة الهاتف، دق قلبها حتى دون أن تسمع صوتها !!أمسكت بالسماعة بيد مرتعشة ، قلبها كان يدق بعنف، لآول مرة يذوق طعم حب سامي ،نبيل، أسمى انواع الحب النبيل، أجمل أنواع العواطف الصادقة التي لاتعرف الكذب والرياء والنفاق، أبيضها أبيض وأسودها أسود!! ما أجمل حبك أمي، كيف حرمت نفسي وروحي منك كل هذه الفترة ، كم كنت غبية !!لالالا لاتلمزوا أنفسكم لن أشتم نفسي ، كنت ضائعة ، تائهة ، شدة حبي لك ، أعمى عيناي ،شدة حبي لك ورغبتي بحبك الجارفة، جعلتني لاأزن الأمور جيدا ، أمي حبيبتي سامحيني، بدأ قلبها يدق كطفلة صغيرة، عادت ديمة طفلة صغيرة تحاول الإمساك بيد أمها ،
رن جرس الهاتف وديمة تنتظر ثم جاء الصوت الحبيب من بعيد صوت كهمس الأزهار للياسمين، خرير الماء في الجداول الرقراقة ، كهديل الحمائم ،تغريد العصافير، بوح العاشقين ، أمي حبيبتي كيف حالك؟؟
أو ديمة كيف حالك؟؟ كل صديقاتي اتصلن بي ، قلن لي، ما هذه البنت الرائعة الجميلة! والطعام اللذيد الذي قدمته!إنهن يحببنك كثيرا!!
ردت ديمة وأنا احبك أكثر أمي !!!!!!!!!!!!أمي أنا حامل وقال لي الطبيب إن معي بنتا، سأحبها كثيرا، أمي وسأفي بنذري، سأصوم ثلاثة شهور بهذه المناسبة الغالية ،سأسميها دان كما ورد بالقرآن
(جنا الجنتين دان ).
بدأت الأم تتكلم، لم تكن ديمة تسمع شيئا ،كل ما تسمعه دقات قلبها، وهي تتحدث لأول مرة مع أمها وتخبرها اخبارا أنثوية كانت قد أقسمت زمنا على عدم الخوض بها ،شعرت براحة غريبة ،اجتاحتها قشعريرة لذيذة، ونشوة طالت حتى أطراف أصابعها ،شعرت بالإرتواء والهدوء والسكينة، قلبها بدأ ينبض بشكل مختلف، وكأنه ينبض لأول مرة، وبشكل مختلف، أين كان ذلك القلب ؟؟
قلب من كان قديما، قلب شجرة الموز!!
لقد بدأ قلب جديد ،وحياة جديدة ، بسعادة رائعة ، وفيض من الهدوء والسكينة يجتاحها كلما تكلمت والدتها ،كلما سمعت نبرات صوتها ، ضحكتها، ما أجمل ضحكتك يا أمي ، وأنا التي كنت أقول أنك لا تعرفين الضحك أبدا !!ما أجمل صوتك العذب ، ظلت أمها تكلمها عن أخبار زوجة اخيها سارة ،وحفيدها الجديد عمر !!
ظلت ديمة تسمع وتسمع ،وهي تضحك ، تبتسم ،لأول مرة ، تستمع بحب شديد .
انتهى ....اللهم ارزقنا بر والدينا ونور بصرنا وبصيرتنا .. اللهم آمين
المفضلات