الحـلـم ،،،،،،
يا أيها الآخر،،،،
الحلم أحد مقاييس الكمال البشري ، إذ يمثل صفة سامية المنزلة ، عالية الرتبة ،عظيمة النفع والفائدة ،،،
وقد حازها بتمامها نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
روي المؤرخون الثقاة أن الله تعالي لما أراد هداية زيد بن سعنة ( أحد أحبار اليهود ، وأكثرهم مالا في المدينة ) إلي الإسلام ، حدثت واقعة عجيبة ،،، يجدر تسجيلها ،،،
قال زيد :
[ لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ،، يسبق حلمه غضبه ، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ،،،،، فكنت أتلطف له لأن أخالطه ، فأعرف حلمه وجهله ،،،،
فابتعت ( اشتريت ) منه تمرا معلوما إلى أجل ، وأعطيته الثمن ،،،
فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، أتيته ، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ،،،
ثم قلت له : ألا تقضي يا محمد حقي ؟ فوالله إنكم يا بني عبد المطلب لمطل (من المماطلة) ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ،
فقال عمر بن الخطاب ، (وكان حاضرا) :
أي عدو الله ، أتقول لرسول الله ما أسمع ، فوالله لولا أن أحاذر فوته ، لضربت بسيفى رأسك ،
ورسول الله صلي الله عليه وسلم ينظر إلى عمر بسكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال :
[ أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ، أن تأمرنى بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ( المطالبة )،،،،
اذهب يا عمر فاقضه حقه ،، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته ( أفزعته وأخفته ) ] ،
ففعل ،
قال زيد :
فقلت : يا عمر ، كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ،، يسبق حلمه غضبه ، ولاتزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد خبرتهما ،،،
فأشهدك أنى قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ] .
رواه السيوطى فيما أخرجه الطبرانى والحاكم والبيهقي وابن حبان وأبو نعيم ، عن عبد الله بن سلام .

وإذن ،، فهيا بنا معا نستجلى بعض مدلولات هذه الواقعة الموثقة ،، وما أكثرها ،،،
حبر من أحبار اليهود ، وهم القمة في العلم من أهل الكتاب ، ظهرت له كل علامات النبوة في نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تتبق إلا واحدة ، هي علامة الحلم ،
ولن يسلم هذا الحبر الكبير إلا من بعد التأكد من وجودها ،،،،،
وإلا ،، فالعلامات ناقصة ، والأدلة غير مكتملة ،
وإذن ، فلابد من افتعال الوسيلة المناسبة ،،،
وينجح الحبر الكبير المحنك في تدبير وتنفيذ خطة دقيقة ، بهدف استفزاز نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر من عنصر ،
إذ يأتيه قبل حلول الأجل ،،
ويمسك بمجامع ردائه ،،
وينظر إليه بوجه غليظ ،،
ويخاطبه بعنف ،،
ويتهم بني عبد المطلب بما ليس فيهم ( وهو المماطلة ) ،،
ويؤكد علي تهمته بأنه بناها علي كثرة المخالطة لهم !!!! .

أهناك استفزاز أكثر من هذا ؟
أهناك اختبار أحكم وأدق من هذا ؟
بالطبع لا ،،،

ولايخفاك أن نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم في ذلك الوقت هو الحاكم الأعلي في المدينة ،،
والحاكم لا تجوز مخاطبته بهذا الشكل مطلقا ،،،
بل إن لمخاطبته كثيرا من الضوابط والمعايير اللازمة ،، من تأدب ، وتلطف ، واسترضاء ، واستمناح ،، الخ ،،،
ثم إن من حق الحاكم أن يعجل سداد الدين ، أو يؤخره ،،،
بل ومن حقه مصادرته وتأميمه إذا أراد ،،
ومع ذلك ،،،،،
فقد تجاوز ذلك المشهد كل هذا ،
إن أيا من هذا لم يحدث من نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،
بل إنه لم يستنكر علي الحبر شيئا ( قولا أو عملا ) ،
ولم يحاول أن يخلص قميصه من يد الرجل ،
زد علي هذا أنه لم يتجبر في الرد ،،،،، مع أن الحق معه ( إذ الأجل المحدد لم يحل بعد ) ،،
ولم يرغ ،،،
ولم يزبد ،،،،
ولم يهدد ،،،
ولم يتوعد ،،،
وانتظر ريثما يفرغ الحبر من كلامه ، ،
ثم إنه وجد عمر رضي الله عنه يسمع ويشاهد ما حدث ، وأنه علي استعداد لتجريد السيف مصرحا بذلك ،،،،
فماذا فعل نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،، ؟
انظر معنا إلي التصرف النبوى المحمدي السوى ، السليم القويم ، الأنموذج المثالي ،،،
نهى عمر عن مراده ،
وصوّب رأيه ،
ووعظه أبلغ موعظة ،،،
{{ تأمرنى ،،،، وتأمره }} .
اقرأها مرة أخري ،،،،
{{ تأمرنى ،،،، وتأمره }} ،
{{ تأمرنى بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة }} .
ليس هذا فحسب ،،،،،،،
بل هناك أمرجليل آخر ، ما كان ليغيب عن متمم مكارم الأخلاق نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،،،،
لذا وجب تنفيذه واستيفاؤه فورا.
إنه العدل ،،،
إذ روع عمر الرجل ، فوجب له تسكينه ،، استيفاء للحقوق كاملة تماما ،
{ يا عمر ، اقضه حقه ، وزده عشرين صاعا مكان ما رعته } ،
يا أيها الآخر ،،،،،،
نبينا محمد صلي الله عليه وسلم هو حقا وصدقا متمم مكارم الأخلاق .
فهيا بنا معا نستجلي بعضا من صورها وأشكالها ،، مما كان من وصاياه ،،
وإنها لوصايا نبوية كريمة مثالية أنموذجية ،
ياسعد من نظر إليها بعين الإعتبار والتأسي والإقتداء والتطبيق والتنفيذ ،،،،
ولم لا ، وهي جميعها لخيري الدنيا والآخرة ؟ ،

قال عبد الله بن سلام‏ رضي الله عنه ، وقد كان من كبار أحبار اليهود في يثرب :‏
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب،
فكان أول ما قال ‏:‏
" ‏يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام‏ " .
ولقد جمعت هذه الكلمات علي وجازتها وقلة عددها نهاية البلاغة ، وقصاري الأمر الجامع لمكارم الأخلاق ، من صور العلاقات بين الإنسان وبين غيره من الخلق ، وبين المسلم وبين ربه تعالي ، ثم الختام دخول الجنة بسلام .

يا أيها الآخر ،،،،
هذه وقائـع وثوابت حقيقية ، ليست من قبيل تأليف القصص ، أوحبك الروايات ، أواختـلاق الأحداث ،،،،
نعم ،، هي وقائع سجلها التاريخ الصادق بدقة محكمة ،،
فلعلها تجسد لبصيرتك إحدي مثاليات الكمال البشري ، التى حباها الخالق سبحانه وتعالي لعبده ورسوله وصفوته من خلقه أجمعين ، نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، المتمم لمكارم الأخلاق صلوات الله وسلامه عليه .