أبي وشجرة التين
الشاعرة الفلسطينية الأميركية نعومي شهاب ناي
ترجمة نزار سرطاوي
بسواها من الفواكه لم يكن أبي يحفل أبداً.
يشير إلى أشجار الكرز ويقول:
"اترين تلك؟ أتمنى لو كانت أشجار تين."
في المساء كان يجلس إلى جانب سريري
وينسج حكاياتٍ شعبيةً كأنها أوشحةٌ صغيرةٌ مفعمةٌ بالحياة.
وكانت دائماً تحتوي على شجرة التين.
حتى حين لم تكن مناسِبة للحكاية، كان يقحمها فيها.
كان جحا ذات يوم يسير في الطريق، ورأى شجرة تين.
أو، ربط راحلته إلى شجرة تين وخلد الى النوم.
أو، في وقت لاحق عندما أمسكوا به وألقوا القبض عليه، كانت جيوبه مليئة بالتين.
حين بلغت السادسة من عمري تناولت التين المجفف وهززت كتفيّ بلا مبالاة.
قال: "ليس هذا ما أتحدث عنه!
"أنا أتحدث عن التين مباشرة من الأرض - هِبَةٌ
من عند الله! – عن غصنٍ ثقيل حتى أنه يلامس الأرض.
أتحدث عن انتقاء التينة الأكبر حجماً والأعظم امتلاءً
والأحلى مذاقاً
في الدنيا ووضعها في فمي. "
(هنا يتوقف ويغمض عينيه.)
مرت السنون، سكنّا في بيوتٍ كثيرة.
ولم تكن في أي منها أشجار تين.
كانت عندنا الفاصوليا والكوسا والبقدونس والبنجر.
قالت أمي، "ازرع واحدةً!"
لكن أبي لم يفعل.
كان يعتني بالحديقة بفتور، ينسي أن يرويها بالمياه،
ويترك البامية فتصير كبيرة الحجم.
"يا له من حالم. انظروا كم من الأشياء يشرع فيها ولا ينتهي."
آخر مرة انتقلنا فيها، تلقيت مكالمة هاتفية،
والدي، يردد بالعربية أغنيةً
لم أسمعها من قبل. "ما هذه؟"
أخذني وخرج بي إلى الساحة الجديدة خلف المنزل.
هناك، في وسط دالاس، تكساس،
شجرة تحمل حبّةَ تين
هي الأكبر حجماً والأعظم امتلاءً
والأحلى مذاقاً
في الدنيا.
قال "إنها أغنية عن شجرة تين!"
وراح يقطف الثمار كأنها رموز ناضجة،
وشعارات وطمأنينة
لعالمٍ كان مِلكه على الدوام.
------------------------------
My Father and the Fig Tree
Naomi Shihab Nye
For other fruits, my father was indifferent.
He'd point at the cherry trees and say,
"See those? I wish they were figs."
In the evening he sat by my bed
weaving folktales like vivid little scarves.
They always involved a fig tree.
Even when it didn't fit, he'd stick it in.
Once Joha1 was walking down the road and he saw a fig tree.
Or, he tied his camel to a fig tree and went to sleep.
Or, later when they caught and arrested him, his pockets were full of figs.
At age six I ate a dried fig and shrugged.
"That's not what I'm talking about! he said,
"I'm talking about a fig straight from the earth — gift of Allah! — on a branch so heavy it touches the ground.
I'm talking about picking the largest, fattest,
sweetest fig
in the world and putting it in my mouth."
(Here he'd stop and close his eyes.)
Years passed, we lived in many houses,
none had fig trees.
We had lima beans, zucchini, parsley, beets.
"Plant one!" my mother said.
but my father never did.
He tended garden half-heartedly, forgot to water,
let the okra get too big.
"What a dreamer he is. Look how many things he starts and doesn't finish."
The last time he moved, I got a phone call,
My father, in Arabic, chanting a song
I'd never heard. "What's that?"
He took me out back to the new yard.
There, in the middle of Dallas, Texas,
a tree with the largest, fattest,
sweetest fig in the world.
"It's a fig tree song!" he said,
plucking his fruits like ripe tokens,
emblems, assurance
of a world that was always his own.
------------------------------
تعبر الشاعرة والروائية وكاتبة الأغاني نعومي شهاب ناي عن تجربتها كعربية أميركية من خلال قصائد مفعمةً بالروح الإنسانية تتحدث عن التراث والسلام مع روح الإنسانية. وتجمع هذه القصائد، كما يقول الشاعر ويليام ستافورد، "بين الحيوية المتساميه والألق إلى جانب الدفء وعمق الرؤية الإنسانية." وقد حظيت ناي بتقدير كبير تمثل في العديد من الجوائز وشهادات الزمالة التي منحتها لها المؤسسات التي تعنى بالشعر والأدب. كما نُشرت قصائدها وقصصها القصيرة في كثير من المجلات في أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط والشرق الأقصى.
ولدت ناي في 12 آذار / مارس، عام 1952، في سانت لويس بولاية ميسوري، لأبٍ فلسطيني (عزيز شهاب) وأم أميركية. بدأت تتعلم الكتابة منذ طفولتها المبكرة، متأثرة بوالدتها، التي كانت تقرأ لها دائماً.
حين بلغت الرابعة عشر من عمرها سافرت إلى فلسطين، حيث التقت بجدتها، وعاشت لفترة وجيزة في مدينتي رام الله والقدس وتلقت جزءاً من تعليمها الثانوي هناك. وقد تركت تلك الزيارة أثراً عميقاً في نفسها انعكس في كتابتها لاحقاً. وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة أكملت الدراسة الثانوية في سان انطونيو بولاية تكساس. وحصلت لاحقاً على درجة البكالوريوس في اللغة الانجليزية والأديان العالمية من جامعة ترينيتي.
صدر للشاعرة العديد من دواوين الشعر منها "طرق مختلفة للصلاة" (1980)، "معانقة الصندوق الموسيقي" (1982)، "القفّاز الأصفر" (1986)، "الحقيبة الحمراء" (1994)، "الوقود" (1998)، "19 فصيلة مختلفة للغزلان: قصائد الشرق الأوسط" (2002)، "أنت وما هو لك" (2005). وقد حصل هذا الأخير على جائزة إيزابيلا غاردنر للشعر. كما صدرت لها رواية بعنوان "حبيبي" (1999).
سافرت ناي إلى الشرق الأوسط وآسيا ثلاث مرات ممثلةً لوكالة الولايات المتحدة للإعلام لتعزيز النوايا الحسنة من خلال الفنون. تعيش ناي مع عائلتها في سان انطونيو بولاية تكساس. وقد انتخبت في عام 2010 مستشارةً لأكاديمة الشعراء الأميركيين. وهي متزوجة من المصور ميخائيل ناي.
المفضلات