قد شارفت الشمس إلى المغيب وها هي ذي اللواري تبرح القهوة الواحدة تلو الأخرى في إتجاهها نحو تلافيف وتعرجات العقبة . تنتهي جبال ووديان وتمتد جبال أخرى والغزلان تركض مزهوة وتختفي وراء الأنظار ولا تسمع سوى صوت اللواري وأنينها وهي تصارع كثبان الرمال فتثير الغبار فوق هامات الركاب وبين الفينة والأخرى تتناهى إلى الأسماع قهقهات المساعدين وهم ينفثون دخان البرنجي وقد إعتلوا السقف وهم يرددون أغنيات قديمة أكل الدهر عليها وشرب وقد مللت احدهم وهو يردد بلا إنقطاع عبارة لا مغزى لها وهي " حرّكتكر" عجيب أمر هذا المساعد وقد إسترسل شعره المجعد إلى ما شاء الله فأخذ يتطاير مع الهواء يمنة ويسرى.أنظروا إلى أسفل الوادي!!!! ها هي قباب عكاشة ,وجزيرة كولب وقد لاحت من على البعد كالسراب في منظر بانورامي بديع وأخذت اللواري تقترب شيئاً فشيئاً من عكاشة.... وفي نهاية المطاف طاب بنا المقام في قهوة عكاشة العتيقة وأول ما يلفت النظر في هذه القهوة المتميزة هي النقوش والأتوجرافات التي كست الجدار فكل مسافر يخط على الحائط (للذكري والتاريخ فلان الفلان ويذيله بالتاريخ)واصلت اللواري مسيرها في تؤدة وتأن إلى حلفا عبر مطلع عكاشة سالكين طرقاً أشد وعورة وأقسى طبيعة وعندما حان وقت صلاة العشاء وقفت اللواري ثانية في قهوة "البير" وهي قهوة متواضعة ولا معلم آخر يكاد يذكر في ذلك المكان القصي سوى هذه القهوة اليتيمة ولا تلبث اللواري فيها طويلاً وإنما تنتظر قليلاً ريثما يفرغ الركاب من أداء شعائر الصلاة وتمضي مجدداًُ منتهجة طرقاً ملتوية تكسوها مجاري الرمال التي تغرس فيها إطارات اللواري فيطلب السائق من كافة الركاب النزول والإنتظار بينما ينهمك المساعدون كان الله في عونهم في رمي الصاجات لتمرير اللواري وتسمع من على البعد صياح أطفال ظمأى يطلبون الماء فيسقيهم أهلوهم من الدلي والقراب المثبتة بإحكام على طرف اللوري ... وأكثر ما يخشاه المسافرون في هذه المناطق النائية هي الهوام (الأفَش) من العقارب والأفاعي وأقربائهم فيشعلون النيران إتقاءاً لشرها المستطير ..... وفي منتصف الليل تصل اللواري إلى قهوة أتيري الشهيرة