ولابد أن الشاعر قد شاهد هذا ، ولعله في تنقله مع أبيه قد رأى كثيراً من هذه المعالم ، فلو أنهما سافرا بمركب على النيل لبصرا بالكثبان الرملية في الغرب ، والجبال الممتدة على الشرق ، وربما أخذا بالخضرة التي تظهر حينا بعد حين ، أما الطريق البري فقد يكون شرق النيل أو غربه ، وليست في هذا وذاك سوى الرمال تمتد كأنها ليس لها آخر ، والتلال ، وقرى صغيرات يتناثرن هنا وهناك . وتقطع للمسافر حبله الطويل من الاملال والسآمة . وكل هذا لا يحلو من بعض سحر . وربما أنه احترز ي خياله شيئاً من هذا وذاك فأمده بقدرة على وصف الطبيعة أنظر يا صــــــــايدْ الانام المولـى عاطينَا
طبيعـــــــهْ غنيـه ْ في بَواطـــــــــِينَا
ما أخصبْ جـــــزايرنَا وشواطـــِينَا
وخيراتْ الجزيرهْ الدافقــهْ من طينَا

وهي من قصيدة أنشأها ـ كنا قيل (4) حيث ازمع البرنس اوف وليز زيارة السودان في رحلة صيد . ولعل فيها بعض ترحيب يسير " سافر يا أمير وأنزل أراضينا " ولكنه لا يخاف الأمير ولا يمهله فيهنأ بهذا الترحيب ما تهِمَك مدارســـنَا ونــــــوادينَا
أهلك أهملوا تأسيســـــهُ عامـدينَا
ساد الجهلْ وسادْ ت بُه عــوادِينَا
وعم الفقــر مــــدايِنَّا وبواديـــــِنا

ثم يركب الشاعر زورق الطبيعة في بلاده ، ويلجئ نفسه اليه ، ويفاخر ويعرض على الضيف شريطاً متصلا من المناظر .. كأنه يجمعها جمعاً ليبهره بها ، بل يخبره عن قومه وأرض قومه ونبتها وحيوانها :

واصل رحلتَك بين ( جبْرهْ ) و ( اُمْ بادِر )
واملأْ ناظريك في قدرةْ القــــــــــــــــــــادرْ
من تلك الجحافِل واردَه وصـــــــــــــــــادرِ
قطعانْ الأرايلْ افي الجمـــــــالْ نـــــــــــادر

يهي له هذا المسرح الفسيح ، وليملأ ناظريه الضيف من تلك الجحافل ، ويجمع قطعان الأرايل ـ بل أسراب الغزال ـ ومرحات الأبل :

أسرابْ الغزالْ ما بِحْصرا حسابَكْ
ومرحــــــاتْ الأبِلْ السيراَ متِشابِكْ

ويحشد له غابات الدندر ونبته ثم نمر الفروع ، والأسد الذي تتقى وثباته ، أهذا ترحيب أم إخافة ؟ ثم يعود يتمني للأمير عودة مظفرة غانمة لأهله ليحكي لهم ما قد أحس ورأى ؟

ويخاطب الشاعر عبد الله البنا اللورد اللنبي في القصيدة ، أسلوبه فيها جد مختلف . يطلب اليه في رفق ، حتى لا يغضبه ، بل يمدحه :

الا يا حامــــــــلَ الســــــيفين إنّا * * * نفوسٌ المعــــــالي طالبات
اذا ما قيلَ قــــد أوفى ( اللنْبي ) * * * تطاْمنَتِ الأمورُ الجامحاتُ
وأنت بمصرَ قد أصبحــت وداَ * * * تُدين به الرعيةُ والرعــــاةُ

والفرق واضح بين عريضة الشيخ البنا ، وعريضة خليل فرح تعبير خليل كما ترى أكثر صدقاً وجمالا وليس به ذكر كلمة ( النحول ) بل هو يسخر من دائه رغم شدته :

تلك ستُُّون ليلةً هي كالسجــــــنِ أو أشدْ
صدمةٌ ليتها صدمة الأتومبيل أو الأسدْ
عِلتى وهي علتى قصةُ الناسِ في البلد