وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
معظم كتب التفسير تروي أن شابا قتل عمه اختلافا في المبرر الذي ليس مسوغًا للجريمة!
وأنه خطط ودبر ونفذ في ظلمة الليل كي لا يراه أحد ولتبقى جريمته غامضة لا تنكشف أبدًا. لكنه جهل عظمة الخالق وقدرته البالغة في كشف المستور وفضح الظالمين ورد كيد الكائدين في نحورهم ..!
جعل الله – تعالى – معجزة ذبح البقرة معجزة عظيمة؛ ودرسًا بالغًا في القرآن الكريم لا يغفل عنه إلا كل جاهل مغرور متكبر ..!
فالله الكبير القادر المحيط بكل شيء علما وجبروتا وقدرة وتمكينًا مخرجٌ ما تكتمه النفوس الخبيثة من مكر وكيد؛ ويفضح كل تدبير وتخطيط مهما اخفته السنون.
فالحقيقة ستبعث كالقتيل وتشير إلى من كتمها واخفائها بخبثه ومكره فالله معلن كل ما يسره الإنسان ويكتمه من شر وخبث بمكرٍ وغرورٍ.
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؟!
وهذا وعيد لا يفطنه إلا كل لبيبٍ يخشى الله – تعالى – ويدرك أن الشرَّ لا يعود على الإنسان إلا بكل ضرر، فهو يضر نفسه ويخسر ميزانه عند ربه.
وإن فاز بالدنيا ومن فيها غير أن حقيقته الشريرة ستتجلى في يوم ما مهما خطط ودبر وفكر وقدر على كتمانها وطيّها ومهما تدثر بالبراءة والنقاء والتقى والإيمان ..!
والله مخرجٌ ما كنتم تكتمون..!
ومن يلقي السمع ويتدبر بقلب يقظ يدرك السر البلاغي في قوله تعالى " مُخْرج " فهو اسم فاعل من الفعل الرباعي " أخرج " فالمخرج هو من يظهر الفعل بوسائل تجعله مشاهدًا للآخرين. فسبحان من أظهر فعل الجريمة بمعجزة ذبح البقرة وبعث القتيل مشاهدًا أمام قاتله وقومه معلنا عن الحقيقة ومؤكدا لقضية البعث بعد الموت.
وفي قوله " تكتمون " سرٌّ آخر بديع يبين أن القوم اشتركوا مع الشاب في جريمته كونهم شاركوه الستر على فعله وبالغوا في التكتم والإخفاء وطمس الحقيقة بعدم قول الحقّ.
فليس بالضرورة أن يخطط الإنسان للشرِّ كي يكون شريرا فقد يشارك الأشرار ويكون في حزب الماكرين الظالمين إذا كتم الحق وبالغ في التحفظ عليهم والدعوة بعدم العلم وحفظ أسرارهم وشرهم وطمس الحقيقة بالتستر على أفعالهم أو تلبيس الحق بالباطل ..!
وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
فكل هذا من سبيل الماكرين الأشرار الذين توعدهم الله بقوله " والله مخرج ما كنتم تكتمون "
فإن كان ظهور الحقيقة أمام الناس وكشف ما في ضمائرهم وفضح كتمانهم مخزيًا في الدنيا، فالآخرةُ أشد خزيًّا وأشد تنكيلا .. نسأل الله تعالى العفو والعافية و أن يملأ ضمائرنا وقلوبنا خيرا وبرا و يكرمنا أن نكون من حزبه ومن أوليائه إنه القادر على ذلك والمتفضل به.
المفضلات