{وألقينا على كرسيه جسدًا ثم أناب}
الجسد هو الجسم بالصفات التالية؛
أنه لا يأكل ولا يشرب؛
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) الأنبياء.
وأنه لا يتكلم؛
قال تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) الأعراف.
وأنه لا يرد على أحد قولاً، ولا يأمر ولا ينهى،
وأنه عاجز عن جلب خير أو دفع شر؛
وقال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ {88} أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا {89} طه
فسليمان عليه السلام لما فتن بالصافنات الجياد؛
قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ {34} ص
جلس سليمان على كرسيه جسدًا لا يأكل ولا يشرب من الهم الذي هو فيه، ولا يأمر ولا ينهى،
ولم يذكر الله تعالى أنه هو الذي ألقى سليمان على كرسيه جسدًا؛ بل نكر بقوله: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ }، ولم يقل: {وَأَلْقَيْنَاه عَلَى كُرْسِيِّهِ}؛ لأن سليمان عليه السلام هو الذي فعل ذلك بنفسه هذا لما فتن، ولم يرد الله تعالى له أن يفعل ذلك بنفسه،
ولم يسمه بسليمان لأن اسمه يدل على العلو والعزة، وكان هو في حال يخالف مدلول اسمه،
وعلاج الذنب هو سرعة الاستغفار وليس الجلوس في هم وغم، فتفطن سليمان لذلك متأخرًا؛
: {ثُمَّ أَنَابَ {34} قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ {35} ص.
فاستجاب الله تعالى دعاءه، فغفر له، ولكنه لم يصرح بالمغفرة له لأنه تأخر في الاستغفار؛
قال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ {36} وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ {37} وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ {38} هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {39} وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ {40} ص.
فهذا العطاء علامة على المغفرة له، ولو لم تذكر مباشرة.
انظر كيف جاءت المغفرة سريعة بعد سرعة استغفار موسى وداود عليهما السلام لما بادرا بالاستغفار بعد الفتنة التي وقعا فيها؛ فصرح تعالى بالمغفرة لهما؛
قال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ {15} قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {16} القصص.
وقال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {24} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ {25} ص.
فكان مع سرعة الاستغفار سرعة الاستجابة بالغفران.
أما تفسير الجسد بأنه جني لبس خاتم سليمان بعد خلعه عندما اراد الاغتسال، فأخذه جني ووضعه في يده، وجلس مكان سليمان يأمر وينهى، قد نسوا عدة أمور يجب أن لا تنسى؛
- أن النبوة لا ترتبط بخاتم في يد، إن ضاع الخاتم ضاعت معه النبوة.
- وكيف يقبل الله تعالى لنبيه أن ينتهك عرضه من شيطان من الجن بالدخول على أهله.
- وأن تحكم سليمان بالجن لم يكن قبل الفتنة، وإنما كان بعدها.
لقد جاء القرآن ليطهر سيرة الأنبياء مما نسب إليهم من الموبقات،
فيطهر المسلمين من الخوض فيها،
ويصحح لأهل الكتاب ما أفسدوه في دينهم،
لا أن ننقل فسادهم ونفسر به ما ورد عنهم في ديننا، وما لم يرد.
المفضلات