الأستاذ خليل حلاوجي،
أما بالنسبة للانتقائية، فهي لأنني لا أتوقف إلا حيثما أرى مخالفة، أما ما لا أجد فيه مخالفة فلا أجد حاجة لتناوله أو إلى التوقف عنده، وأمر به مرور الكرام.
وأما بالنسبة إلى حديث أبي هريرة مع إبليس (نعوذ بالله منه)، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :
عن أبي هريرة قال: (وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود.
فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود.
فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان).
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب) أي كذوب كذاب في سائر أقواله؛ لأن هذه عادة الشيطان.
أعتقد أن القول بأن (أبو هريرة تعلم من إبليس) هو من نوع إطلاق القول على عواهنه، وأنه تفسير خاطئ للمراد من الحديث، وأنه يحتوي دعوة ضمنية غير صريحة لأخذ العلم من الكاذبين، وكأن القائل يقول: هذا هو أبو هريرة تعلم من الشيطان فلا بأس إن تعلمتم منه، وهذا في اعتقادي عكس المراد من الحديث الذي أراد أن يحذر من المعلمين المزيفين الكذابين ومن الاستماع للشياطين.
يقول أبو هريرة في نص الحديث عن الشيطان: (زعم أنه يعلمني) كلمات ينفعني بها، ولم يقل: (علمني)، وحاشى بأبي هريرة أن يتعلم من ابليس أمر دينه، فأمور الدين لا تؤخذ من كاذب كذوب كذاب ولو كان بعضها صدقا. فالملائكة هي التي تأتي فتعلم الناس أمر دينها كما في الحديث الشريف،
أما المراد من هذا الحديث الشريف فهو كما يلي:
1- التحذير من تصديق الشيطان (والتعلم منه) لأنه قد يعلم أمورا صحيحة للتغرير بكم فاحذروه ولا تصدقوه ولا تتعلموا منه ولا تغتروا به.
2- ينبه المسلمين إلى أن العلم بلا عمل لا يفيد.
3- أن الكذاب قد يصدق أحيانا في أمر ما، فلا يكون هذا دافعا لتصديقه في غير ذلك من الأمور. وهو كذوب لأنه يعد بعدم العودة لكنه يعود.
4- أن الشيطان يمكن أن يتجسد ويتشبه بالكائنات الحية ويشاهد بالصورة الإنسية فاحذروا، وإن كان لا يرى بصورته الحقيقية الأصلية {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]
5- أن الشياطين يمكنهم الأكل من طعام الإنس إذا لم يسمى عليه، قال الله عز وجل: { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ } [الإسراء:64] وأن البسملة من موانع الشيطان.
6- الشياطين يعرفون اللغات ويتحدثون مع كل إنسي بلغته.
7- تعريف المسلمين بفضل آية الكرسي.
8- أن الله يطلع نبيه على الغيب.
إلى غير ذلك من الفوائد.
لكنك لم تشر إلى شيء من ذلك، وقلت قولتك التي توحي بجواز التعلم من إبليس وكأنك تدعو إلى ذلك، وألقيت بالظلال على أبي هريرة وأسأت إليه من حيث تعلم أو لا تعلم.
وبالنظر لحالة الطوارئ التي نستشعرها بسبب الحملة الأخيرة المعلنة للتشكيك برموز الإسلام أبي هريرة وصلاح الدين وصحابة رسول الله فقد وجب الرد، والله من وراء القصد.
منذر أبو هواش
المفضلات