فوجئت في الآونة الأخيرة بأخبار أثارت في نفسي هواجس القلق و أرغمتني على التفكير المشوب بالحيرة إرغاما و أيقظت في ضميري دواعي التقصي و البحث و التساؤل.
بدأ ذلك حين تناهى إلى علمي خبر توجيه الدعوة إلى عدد من طلابنا و أبناءنا من خريجي و خريجات كلية الفنون الجميلة لحضور مؤتمر صحفي ضخم يهدف للتعريف بأحد أهم الأحداث الفنية و الثقافية المرتقبة على الساحة العربية على حد وصف الدعوة. و قد نتج اندهاشي في البداية عن إغفال الجهة المنظمة للحدث لدعوة ذوي الرأي و المشورة من عمداء و إداريي و أساتذة الفنون و قصرها للدعوة على الطلاب و شباب الفنانين و جمهور الهواة - الأمر الذي يتعارض منطقيا مع وصف الداعين للحدث المذكور بالأهمية السابق ذكرها - إلا أن ما تلى ذلك كان أدهى و أكبر.
ذهب الشباب لحضور المؤتمر بمدينة الإسكندرية - حيث تمت الترتيبات بالتعاون مع مكتبتها الشهيرة - و بوغت الشباب حين ألفوا أنفسهم يغوصون حتى الركب في فاخر الأبسطة بإحدى أكثر القاعات فخامة، و قد أغشت أعينهم أضواء آلات التصوير و أجهزة الصحافة و البث الفضائي. و لم يفتهم أن يلاحظوا أن الحشد الأكبر من الحضور و الصحافيين و رجال الإعلام كانوا من الأجانب و ممثلي القنوات و الوكالات الغربية.
ثم بدأ حفل الافتتاح للمؤتمر حيث قدم أحد الرجال نفسه باسم الدكتور/ نايف المطوع، واصفا نفسه بالمؤسس و العضو المنتدب لما أسماه بمجموعة تشكيل للإعلام التي أنشئت في الكويت عام 2004 على حد قوله. و أردف بخلاصة لسيرته الذاتية جاء خلالها أنه أنهى تعليمه العالي و حصل على درجاته الأكاديمية من الولايات المتحدة الأمريكية في علم النفس السريري.
ثم دلف إلى صلب الموضوع؛ حيث قرر أنه كان مؤرقا طوال عمره بفكرة الكتابة للطفل العربي مدفوعا في ذلك بوطأة الإحساس بفراغ الساحة العربية من أي وجود ثقافي - على حد قوله - من شأنه أن يمثل قدوة حقيقية للطفل و الشاب العربي، و من ثم فقد قرر أن يقوم بسد هذا الفراغ عن طريق إيجاد مثيل لأبطال القصص المصورة غربية الطراز موجهة للطفل العربي بهدف ترسيخ قيم التسامح و قبول الآخر و الاهتمام به، مقررا بالنص - من خلال المطبوعة التي أمدني بها أحد تلامذتي من حضور المؤتمر و التي وزعوها عليهم - أنه ( من خلال خبرته الواسعة التي اكتسبها أثناء معالجته في مستشفى بلفو في نيويورك سجناء حرب سابقين و ناجين من التعذيب السياسي تعرضوا للاضطهاد بسبب معتقداتهم الدينية و السياسية، اكتشف مدى خطورة اللامبالاة بمعاناة الآخرين و تأثيرها السلبي على المجتمع).
ثم أتت المفاجأة الكبرى التي أدارت رؤوس الجميع و التي اجتاحتني بدورها دافعة إياي لكتابة هذه السطور؛ و ذلك حين قرر الدكتور بصحبة أحد الأجانب أنه قد نجح في إبرام عقود شراكة مع أكبر ثلاث شركات عالمية متخصصة في إنتاج القصص المصورة الأشهر على مستوى العالم في مجال أبطال الخوارق؛ و هي شركة دي سي منتجة قصص سوبرمان و باتمان، و شركة مارفل منتجة قصص سبايدر مان و إكس مين و فانتاستيك فور و إنكريديبيل و هالك، و شركة آرتشي منتجة القصص الموجهة للمراهقين، و من المعلوم للجميع أن هذه الشركات هي الأضخم و الأكثر سيطرة على مستوى العالم من حيث إنتاج القصص المصورة و أفلام الرسوم المتحركة و الأفلام السينمائية و المنتجات الدعائية و الدمى الخاصة بالشخصيات السابق ذكرها و التي تصب جميعا في نطاق فكرة البطل الخارق الذي يحارب الشر وفقا لاشتراطات المجتمع الغربي الرأسمالي مع غزارة إسقاطاتها التي تحيل إلى الثقافة اليهودية في بعديها الصهيوني و الغيبي الذي يؤسطر من مقولة الجنس المختار و المخلص اليهودي.
و قد أثمرت الشراكة المبرمة بين هذه الشركات و مجموعة تشكيل للإعلام - التي وصفها الدكتور بكونها شركة مساهمة كويتية تضم أربعة و خمسين مستثمرا من ثماني دول مختلفة لم يسم منها سوى الولايات المتحدة، المكسيك، الكويت و المملكة العربية السعودية - عن إعطاء الحق للشركة الكويتية في نشر و ترجمة و تعريب منتجاتها سابقة الذكر بكافة الوسائل الإعلامية من مطبوعات و أفلام و غيرها في المنطقة العربية و الشرق الأوسط.
ثم أتت أغرب المفاجآت ممثلة في إفصاح الدكتور عن أغرب ما قرأت و سمعت من مشروعات فنية و ثقافية؛ و ذلك حين قرر أن المشروع الأكبر للمجموعة يتمثل في نشر قصص مصورة باللغة العربية و لغات أخرى يدور محورها حول تسعة و تسعين بطلا مسلما خارقا تتوزع جنسياتهم على دول العالم و يستقون أسماءهم و صفاتهم من أسماء الله الحسنى و صفاته !!!!!
فتجد بطلا على سبيل المثال يدعى جبارا و آخر يدعى جامعا و ثالثة تدعى نور... و هكذا و الأغرب أن جميعهم أبعد ما يكون هيئة و سمتا عن الثقافة العربية المزعومة في خطاب الدكتور؛ حيث قام مصمم و رسام أجنبي يدعى "دان بانوسيان" - و هو رسام ذو خبرة في رسم قصص باتمان و إكس مين - بتصميم شخصيات التسع و تسعين بطلا عربيا !!! كما يقوم رسام آخر يدعى "جون ماكري" برسم قصصهم!!! و الأدهى من ذلك أنه برغم تصريح الدكتور السابق بكونه صاحب الفكرة و كاتب القصص إلا أنه عاد و قرر أنه يقوم بذلك بمساعدة الكاتب "فابيان نيسيزا" أحد كتاب باتمان و سبايدرمان !!!!! هذا في الوقت الذي بدأ فيه الخطاب بتحسره على فراغ الواقع الثقافي العربي في دنيا الأطفال و الشباب.
و تتوالى المفاجآت حين يشرح الدكتور فكرة قصص ال99 خارقا موضحا أنها تبدأ من عصر اجتياح المغول لبغداد (كذا !!) و تدميرهم لمكتبتها؛ حيث قام من أسماهم باسم (حراس الحكمة القديمة) - و هي تسمية لا يخفى ما تحيل إليه من تداعيات سحرية و توراتية - بتهريب 99 حجرا تضمنت أسرار الحكمة و القوة و المعرفة إلى الأندلس، حيث فقدت مع الزمن ليعثر علي كل منها أحد شباب المسلمسن مختلفي الأعراق في العصر الحديث و يحوزوا بمقتضاها على ما أسلفت الإشارة إليه من قوى خارقة.
و لن أطيل على سيادتكم في الشرح، فهاكم موقع الشركة الإلكتروني لتستزيدوا من التفاصيل: http://www.teshkeel.com
و لكن لي هنا عدد من الأسئلة التي لم أطمئن لإجابة أي منها:
ما دلالة أن تقوم هذه الشركات العملاقة بعقد مثل هذه الشراكة الضخمة التي تتعدى مليارات الدولارات في هذه المرحلة بالذات، و هي الشركات التي كانت تتعامل بالتعالي مع المنطقة العربية بأسرها مخرجة إياها من حسابات أسواقها و توجهاتها ؟
ما دلالة أن يقوم بتغطية المؤتمر الصحفي و تتبع أخبار الشراكة كل من النيويورك تايمز، تايم، البي بي سي، رويترز، هيرالد تريبيون، سي إن إن، الواشنطون بوست و غيرها من كبريات الوكالات و شركات الإعلام الضخمة بشكل يومي مكثف ؟
ما دلالة أن ترتبط الشخصيات برموز بصرية مستقاة من عالم السحر و عبادة الشيطان و القبالة اليهودية - كأن ترتبط "نور" بشكل النجمة الخماسية المرتبطة بالسحر الشيطاني الذي يحيل إلى (ملاك النور) أحد أسماء الشيطان قبل سقوطه في المرجعية الغربية) و ما معنى أن يأتي تصميمهم و ألبستهم على نسق أبطال الخوارق الغربيين ؟
ثم ما دلالة أن يبدأ إصدار هذه القصص في أكتوبر المقبل بالتوازي مع عرض الجزء الثالث من فيلم عودة سوبرمان ؟
أجيبوني هداكم الله !!!
أين حكماء واتا و دورهم الحضاري ؟
أين غالب ياسين العروبي القح ؟
أين المنذر أبو هواش الصريح الأرومة ؟
أين الغيورين و ذوي الحمية ؟
أين الآباء من الذود عن أبناءهم ؟
أين العرب من نقد ما يتم إقحامهم عنوة على ثقافتهم و تحميله مضامين ما أنزل الله بها من سلطان ؟
أهو عصر الخنوع للإنتاج الضخم و سلطة الأموال عابرة القارات ؟
إن كان ذلك فاصمتوا و لا تجيبوا و لا تشاركوا، فكفانا حزنا و انكفاء و انكسارا.
خالص الحزن
المفضلات