أحلام.. عاجزة
نظر إليها بود , وما لبث أن ارتسم على وجهه تساؤل غامض عما إذا كان باستطاعته بعد ذلك أن يكف عن الخوف أو الارتعاش واستقرت عيناه على اليد.. وأغمض عينيه .
إنه الآن يسير في شوارع المدينة الكبيرة .. يجري .. عيناه تبحث عن اللافتات , تلتهم أوجه المحلات لعله يجد ما يبحث عنه .. منذ إصابته وهو يلهث في الشوارع .. بين المكاتب ... صور هذه الأوراق .. احضر يوم كذا للكونسلتو .. احضر خطاب التأمينات .. أين محضر الشرطة .
الشمس تقف حادة فوق رأسه .. في عينيه .. ترسل العرق إلى عينيه مالحا .
إنه الآن وحيد , كل الأصابع والعيون والكلمات تتجه إليه تتهمه بالنقص .. بالعجز
قال في نفسه :
- غير معقول
تذكر الشكوى التي كتبها العام الماضي وسلمها على مهندس الصيانة الذي ابتسم في وجهه ثم ألقاها في درج مكتبه على وعد بالنظر فيها عند عمل كشف صيانة العام الجديد للموسم الجديد .
دفع ذراعه أمام وجهه .. كانت الضمادات والأربطة تغطي كفه .
تتكرر زياراته للمدينة الكبيرة .. يبحث عن المحلات التي تبيع الأذرع الصناعية تراوده الأحلام بعودة أحلام الخطيبة التي ستطير كما طارت أصابعه ..
يلقي برأسه إلى الخلف ..
أحلام رافعة يدها البيضاء .. صورتها تبتعد أكثر .. أكثر .
يصطدم في لهاثه بجسم غريب فيقع .. ينظر حوله رأى عجوز ا أعمى يحاول عبور الطريق , وفى يده عصا طويلة ناتئة .. اقترب منه , أخذ بيده لينهض .. كان الشارع قد ازدحم بالمارة .
اقترب من الأعمى أكثر معتذرا وقال :
- هل تحاول العبور ؟
قال الأعمى : نعم !
- هيا معي لأوصلك
مد له ذراعه .. أخذها العجوز .. مشيا خطوات ..
أحس أن الأعمى يتحسس بأصابعه كفه المبتورة , توقف العجوز في منتصف الشارع , تصلب جسمه وتخشبت يداه .. نظر إليه فوجده يتمتم بكلمات غير مفهومة .
- هيا .. هيا معي !
- اتركني
- هنا في وسط الطريق ؟!
- اتركني أيها العجوز الأخرق !
أراد أن يشتمه .. يرفع ذراعه ويهوي بها على وجه الأعمى .. تراجع .. انكمش عندما رفعها في الهواء ونظر إليها .. ذراع ناقصة .. أنزلها بجواره بسرعة ثم واصل لهاثه السريع . كان العرق يغمره , وأحلام لا زالت تمسك به . قالت :
- لقد غفوت
- قليلا .
التفت حوله . كانت المنضدة البيضاء بقربه , وفوقها رأى الإناء الأبيض الكبير لازال مملوءا بالمطهر الحمر ..
تصور أن أصابعه المقطوعة تسبح في هذا السائل , والخاتم الذهبي – هدية أحلام – يلتمع في الوسط .
فكر...
هل يكفي مبلغ التعويض لشراء زراع صناعي .. ؟
هل ستوافق أم أحلام على عمل الفرح في موعده ؟
-------------------------------------------------فرج مجاهد عبد الوهاب
المفضلات