الصحافة بين سلطة الإعلام وإعلام السلطة!

مهنة الصحافة، مهنة المتاعب، السلطة الرابعة.. تعددت الأسماء والمقصود واحد، مُسمّيات تُطلق على من يمارسون الصحافة ويُعانون من تعبها وهمومها..
وقد أصبح متداولا - في الدول الديمقراطية المتقدّمة- إطلاق مصطلح السلطة الرابعة "fourth Estate " على وسائل الإعلام عموماً، وعلى الصحافة بشكل خاص. وكانت نقطة التحول مع منتصف القرن التاسع عشر، عندما استُخدم المصطلح بكثافة انسجاماً مع الطفرة التي رافقت الصحافة العالمية منذ ذلك الوقت، ليستقرّ أخيراً على معناه الذي يشير بالذات إلى الصحافة، وإجمالاْ إلى وسائل الاتصال الجماهيري "mass media".
في الدول الديمقراطية المُتحضّرة التي تحترم شعوبها، تُحظى الصحافة بالمكانة الرفيعة التي تستحقها، وذلك في سياق الاعتراف والإقرار بالدور المؤثر لوسائل الإعلام، ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل أيضا في تشكيل الرأي العام، والإفصاح عن المعلومات، وتناول القضايا الكبرى التي تشغل المواطنين، وممارسة الرقابة الشعبية على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة بما يخدم المصالح العليا للأمة، وخلق جسور التواصل والتقارب والتفاعل بين الدول والشعوب.
وبموازاة القفزة النوعية التي شهدها الإعلام في السنوات الأخيرة، فإنّ مساحات نفوذه وتأثيره ستزداد مع مرور الوقت في مختلف مجالات الحياة، ممّا يعكس الدور الكبير والمحوري للإعلام، ويجعله في سُلّم أولويات الدول القويّة، والأخرى العازمة على الالتحاق بالرّكب الحضاري، ولاسيما مع تحوّل العالم إلى عصر القرية الصغيرة الواحدة في زمن تحديات العولمة، وتجليات الثورة الرقمية وتدفق المعلومات.

لنعترف أنّ المجتمعات المُتخلّفة لم تتمكّن لحدّ الآن من مراكمة ثقافة وتقاليد إعلامية، تسهم في تشكيل وعي إعلامي جديد، ومن ثمة سلطة إعلامية قادرة على التأثير، وهيكلة الرأي العام، والتعبير عن هموم الفئات الكادحة، وإصلاح الأوضاع المُختلّة. وُتعزى الأسباب إلى خصوصية البنية الاجتماعية القائمة على التّسلط والاستبداد وقمع الرأي المخالف، والنظر إلى الصحافة بكونها ذلك الكائن المزعج الذي يجب التخلّص منه، بإخراس صوته ومصادرة حرّيته، وحتى إن اضطُرّ للوجود فإن دوره يجب أن ينصرف إلى إلهاء الناس وتسليتهم (نموذج أغلب الفضائيات/ الفضائحيات العربية!)، وأن ينصبّ على التملّق وإخفاء الحقائق وكيل المدح والثّناء! في سياق المفهوم الخاص بمُنظّري إعلام السلطة!

تُشكّل حرية الصحافة أهم المبادىء التي يتأسّس عليها النظام الديمقراطي، إذ من البديهي أنّه ليس هناك نظام دكتاتوري يتحمّل حرية الصحافة، كما أنّه من المستحيل أن يكون النظام ديمقراطياً ويصادر حرية الإعلام، وبذلك غدت حرية الصحافة معيارا لقياس مدى تقدم وتحضّر الدول، على أساس أنها تندرج ضمن مقومات حقوق الإنسان والحريات العامة التي تكفلها كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
قديما قال الفاروق عمر بن الخطاب (ض) قولته المأثورة التي دوت في كل أرجاء العالم: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
وحديثا قال المفكر الكندي باتريك ويلسون: "إن الديمقراطية هي الاتصال، هي تحدّث الناس مع بعضهم البعض عن مشاكلهم المشتركة، وقبل أن يستطيع الناس حُكم أنفسهم، يجب أن يكونوا أحراراً في التعبير عن آرائهم".
التاريخ مليء بالعبر والدروس لمن يريد أن يعتبر قبل فوات الأوان، والأكيد أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا أنفسهم..
نأمل ألاّ نكون نؤذّن في مالطة! وألاّ نكون ننفخ في قربة مثقوبة!!

خالد الشطيبي أبو هبة
• صحفي وباحث جامعي/ عضو النقابة الوطنية للصحافة المغربية
• مترجم اللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية
• عضو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.