معركة القادسية
"معركة غيرت وجه التاريخ وعم نفعها على البشرية جمعاء"
( 1 )
مقدمة
حين يرى العربي المسلم ذو القلب الحي بعينيه ، ويسمع بأذنيه ما يجري الآن على أرض فلسطين والعراق من قتل بأبشع الطرق، وإذلال للإنسان على يد أحقر الخلق، واستخفاف بالأعراض، وغطرسة همجية، وأسر وسجن وتعذيب للصغير والكبير، وقد رأى ما حل في أفغانستان والعراق وكيف استأسدت الدول المتغطرسة على إخوان لنا ضعاف، فصبت عليهم من جحيم قنابلهم ما يفوق الوصف،
أنادي أمة عـلمـت بدائي = ولكن لم يـحـرّكـها ندائي
كأني والعـدا تقتات لحمي = وتشرب بالتذاذ من دمــائي
بلا حامٍ يذُدْ عــني بلاها = ويغضب لي ويبكي من بكائي
مصابي آلمََ الأحجار حـزناً = وناحتْ منه أقـطار السـماء
فهل صُمَّتْ مسامعهم وماتتْ = ضمائرهم، فما أحسوا ابتلائي
إذا تذكر الإنسان وتذكر... يكاد يصاب بغصة في حلقه، تحيل حياته إلى جحيم لا يطاق، وتلبسه نظارة سوداء لا يرى فيها إلا السواد أمام ناظريه، وتحيل تفاؤله إلى يأس قاتل، ثم يستولي عليه الشيطان فيجعله حبيس آهات وحسرات، ويسلب منه الثقة بنفسه وبدينه وبوعد الله جل وعلا.
أحبائي ، هذان الخنجران هما أخطر ما يواجه أمة من الأمم، خنجران هما اللذان ينحران الأمة، ويجهزان على حياتها، ويزهقان روحها:
أولهما: أن تسلب منها الثقة بما تعتقد وتدين وتعيش من أجله، وتقاتل وتموت من أجله، فتفقد ثقتها بنفسها حينما تفقد ثقتها بوعد الله:
كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].
فإنها تطعن نفسها بخنجر في سويداء قلبها.
ثانيهما: أن يقعد أفراد الأمة عن العمل الدؤوب لنصر عقيدتهم ومبادئهم التي يؤمنون بها، سواء كان قعودهم ذلك نتيجة آهات الحسرة، وبكاء على الماضي، ونوحاً على الحاضر، أو كان نتيجة رضى الأمة بالدون، وقبولها بالهوان.
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلاْحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:22-24].
ومهما يكن من أمر فإن القعود وترك العمل هو خنجر يجهز على حياة الأمة، إن أخطأها الخنجر الأول، وإن كان الأول قد أصابها فإن هذا الثاني يسرع في إزهاق روحها والفتك بها.
وحتى نثبت الثقة بالنفس، ونطرد شبح اليأس، لا بد من معرفة حقيقة هذه الأمة، هل هي أمة ذليلة في كل مراحل حياتها؟ هل عاشت هذه الأمة قرينة الهزائم؟ هل كان لهذه الأمة مجد تليد؟ هل ما تمر به هذه الأمة أزمة عابرة، لا تلبث أن يعقبها انبلاج فجر جديد؟
هذه الأسئلة لا تلبث أن تتلاشى إذا ما ألقى الإنسان نظرة عابرة على تاريخ هذه الأمة المجيد، هذا التاريخ الذي يبعث في المسلم التفاؤل، ويخلصه من أوهام الخوف، ويهز فيه الحنين للسؤدد والمجد، فيحرك فيه التمرد على الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة، وهذا ما يخشاه أعداؤها كل الخشية.
أعداء هذه الأمة يريدون الناشئة أن تدرس تاريخ الفراعنة والآشوريين، والبابلين والفينيقين، أو يدرسون تاريخ الأسر التي حكمت بعض البلاد.
ويريدوننا أن نطوي في صفحات النسيان تاريخ العظماء، لا يريدوننا أن نعرف خالد بن الوليد، ولا سعد بن أبي وقاص، ولا الفاروق عمر، يريدون جيلاً، بل أجيالاً تجهل عدل عمر بن عبد العزيز، وقوة أحمد بن حنبل، ونجدة المعتصم، وفتوحات صلاح الدين قاهر الصليبين، يريدون أن تجتث الأمة من أمجاد قاهر التتار، وفاتح القسطنطينية.
أحبائي ، صفحات من آلاف صفحات هذا التاريخ المجيد تعود بكم إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد ثالث أعظم رجالات التاريخ ، في عهد الفاروق عمر بن الخطاب .
كان الصراع بين العرب المسلمين وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.
وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.
تلك المعركة التي نشبت لتحدد مصير العالم، إلى الأمامية البصيرة، أم إلى الرجعية العمياء؟ .......
يتبع / (2)
_______________________________________________
المراجع :
معركة القادسية للشيخ هيثم جواد الحداد
أيام العرب في الإسلام
المفضلات