Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
التصوف وحوار الحضارات

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 18 من 18

الموضوع: التصوف وحوار الحضارات

  1. #1
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي التصوف وحوار الحضارات

    التصوف وحوار الحضارات
    ما لابد منه
    إنني سأدلي بدلوي في هذا الموضوع الشائك من وجهة صوفية، وسأحاول أن أقف وقفات مع مجموعة من قضايا الحوار الديني والحضاري والثقافي فيما بين مكونات الثقافة الإسلامية وغيرها، وسأبين كثيرا من المواقف الرائعة التي تؤكد قيمة وجود هذه القيم الكبرى عند الصوفية الذين يعتبرون في تقدير البعض سكانا من الدرجة الثانية، أو أقليات تعيش على هامش الأحداث المتأججة في عالمنا المعاصر، والسبب الكامن من وراء هذا، أنني نظرت بعين قلبي إلى أهيل الدين، فوجدت تفاوتا فيما بين النص المؤسس، وراهنية الحال، فتذكرت أنني مطالب باستكشاف السر المغروس في تفاصيل التجربة، فشمرت عن ساق البحث حتى تعرفت على ما وراء الأكمة، وحينها حصل المراد، وظهر القصد، ثم عن لي أن أخاطب نفسي بحديث الروح، ووحي العقل، فخاطبتها بلغة لا تجيد سواها، وإشارات لا تقوم الدلالة بالبيان مقامها، لكنها وإن شاغبت بالتطاول، فالحياة قد أحيت فروع الكلام بداخلها، وأهاجت كل إحساس يرنوا مني إلى غيرها، وأنبتت في قلبي ورودا بدت لغيري ذابلة، وأزهارا ترمقها عيون العجلى يابسة، وأنا أعاينها لحظة من لطف الله الخفي، وحين تمددت الأفكار في المقالين الأولين(جذور التصوف، وأهمية التصوف)، هام مني القصد إلى أن أبين وجهة نظر صوفية في أمر تعجلته الأقلام بالكتابة، وتواترته الأفواه بالأحدوثة، وتناولته بالكلام، حتى عد من مواضيع الساعة. والله المقصود.
    بارقة
    إن العالم يعيش صراعا محتدما فيما بين القوى القوية المتدافعة على الاستيلاء والهيمنة العالمية، وبين القوى الضعيفة التي تريد الإبقاء على خصوصياتها وهوياتها المحلية، والتاريخ المؤسس اليوم، يشهد عراكا حادا بين ثقافات مستبدة تستغل التطور العلمي لفرض سيطرتها، وبين ثقافات إقليمية لم يكتب لها أن تهب من رقدتها، وأن تنفض غبار العجز والكساد عنها، وهذا الصراع المحتد فيما بين الشرق والغرب، أو فيما بين الإسلام والغرب، أو فيما بين الهلال والصليب، أو فيما الكنيسة والمسجد، هو جزء من تاريخ متعفن يرخي بظلاله على أفئدة كثير من صاغة الفكر والسياسة لدى الإتجاهات التي تريد إطالة ذيل هذا التحارب فيما بين الحضارات والثقافات والديانات إلى أمد لا يعرف نهايته إلا من يريد من هنا أومن هناك مستمرا ليكون وسيلة للقهر والاستلاب والاستعباد، ومنطلقا لتوسيع الفجوات فيما بين شعوب الأرض التواقة إلى عالم يسوده الأمن والاستقرار.
    ولأمر ما، ومنذ زمان يضرب في عمق التاريخ بجذوره، تخوض أمة الإسلام غمار هذا الصراع، فأراضيها كانت مسرحا لكبرى الأحداث التي حصلت تحت مجهر الرأي العالمي، وسكانها كانوا حلبة لتجريب أنواع كثيرة من الأسلحة المدمرة للكون والإنسان، وخيراتها كانت مرمى نظر كثير من الظرفاء الذين أرادوا أن يعلموها كيفية إنفاقها، وطريقة التصرف فيها، ووسائل الحفاظ عليها، وهذا الوضع بمأساويته يدل على فساد الضمائر والقلوب، وينذر بشؤم يؤلم شجاه كل فضيل، يريد أن يرى الكون مراحا تتسامى في الإنسانية عن الأطماع الخسيسة، والأغراض الدنيئة، وتتعالى فيه عن كثير من الأسئلة التي تهز أذهان الفضلاء من أبناء هذه الأمة، وهم يتساءلون عن موقعهم الحقيقي في هذا الوجود، ويبحثون لأنفسهم عن منطلق يستوحون منه موقفهم، ويؤسسون عليه نظرهم، ويستبصرون به طريقهم، فهل الصراع سيمتد فيما بين الحضارات مع قيام الحجة عقلا ودينا وواقعا على وجوب تجاوزه؟؟ أم لا بد من مواصلة النداء للتحاور والتشارك والتفاعل فيما بين الأمم ؟؟
    إن حضارة اليوم تحركت من دائرة النفع، وإزالة الضرر، إلى حضارة مدمرة تلوث الإنسان، وتهدم الكون، وتنسف القيم، وتبني الأحقاد، وتؤسس للكره، والإنسانية في مستقبلها على ضوء هذه المعطيات، ستعيش كارثة هوجاء، وزلزالا عنيفا، يعصف بقيمها، ويقضي على حياتها، وهذا ما يهدد الكون، وسيجعل مآله الدمار والخراب، ونهايته العبثية والفوضى، والذي يدرس أدبيات العنف المستشري هنا وهناك، ويرى نزوة التسابق المجنون نحو التسلح، ويلمس هوة التفاوت الطبقي فيما بين مكونات المجتمعات، سيدرك لا محالة هذه المساحة التي تقف حاجزا فيما بين الإنسان، ووسائل إنتاج السعادة في هذا الكوكب المتشاكس، وسيلحظ إخفاق كل المنظومات التي يطبل لها قديما وحديثا- سواء كانت دينية أو سياسية أو فكرية أو ثقافية - عن إيجاد نعيم آمن للإنسان الموجود في وجوده بطموح العيش الكريم، ورغبة في الحياة الوديعة، وسيجد عجزها عن تلافي الضرر المحدق، والكارثة المرتقبة.
    ومن باب استشعار المسئولية، قد قامت دعوات صارخة في الغرب والشرق، تنادي بالوقوف في طريق هذا الطوفان المهدد للوجود البشري، وتطالب بتجاوز هذا الخطر الزاحف على كيان المجتمعات الإنسانية، وترافع بدعوى السعاية لبناء مستقبل زاهر للكيانات البشرية، وهذه وجدت لها بعض الآذان الصاغية، وصادفت أروحا معذبة تبحث عن تخليص المجتمعات من الزحف الأسود، فالصراع ليس من مصاديق القضاء والقدر، ولا مفردة من مفردات الجبرية والقدرية، بل هو صناعة بشرية خالصة أنتجتها أيد أثيمة تنظر إلى الكون نظرة مختزلة تجزيئية لا ترى فيه إلا المصالح والمنافع، ولا تؤمن فيه إلا بما يدر عليها أوهامها، ويحقق لها نرسجيتها، ويجعلها مسيطرة على غيرها.
    لكن بعض المفكرين يذهبون إلى عدم وجود صراع فيما بين الغرب والإسلام، لكون المسلمين لا يملكون حضارة تعاكس حضارة الغرب، ولا يتوفرون على مؤهلات مادية وأدبية لمنازلة قيم الآخر، لكنهم يذهبون إلى أن الشرق مظلوم مهضوم، وأن الغرب معاد مهاجم، فالغرب في تقديرهم لم يقبل أن يرى من المسلمين ما تبقى من أثر في حضارتهم التي سادت وإلى القرن السابع عشر، فهذا الرأي وإن كان فيه من الصواب ما فيه، فإنه لا ينفي الصراع ولا يرفعه، ولا يحاول أن يمهد له، ولا أن يحميه، فالأزمة قائمة، والصدام موجود، وإن اختلفت التقديرات لذلك والقراءات، والزمن كشاف، وأهل البصيرة يسعون لتطويق الأزمة لا لتركيبها.
    بحث الدلالات:
    التصوف:
    قيل عنه:غيبة الخلق في شهود الحق
    لم أرتب هذه الدلالات ترتيبها في العنوان، لأنني أردت أن أعرف التصوف أولا، ثم الحضارة، ثم أستفيض في الحوار لكثرة ما يحتاج إلى ذكره فيه.
    إنني لا أعني بالتصوف إلا ذلك المستبطن الروحاني الموجود في الإنسان، وهو يتشكل واقعا في تجربة تصطدم مع الوجود في تدافع مستمر، لتحقيق الذات وجودَها، وترسيخ حضورها، وإظهار كونها لطفا إلهيا في الزمان والمكان، وجوهرا ساميا يحلق إلى مستوى عال يجعلها نسمة من فيضه المتلألئ في الكون عدما ووجودا، ونفحة موضوعة لتحقيق المحو في المطلق بصحو حاضر في ماهية الوجود عبادة وطاعة، وفي الحضرة الإلهية فناء وسكرا، فيكون التصوف في محصلته، تلك العاطفة الدينية في بهائها ونقائها، وتلك المعاني في جمالها وكمالها، وهي تكتشف ذلك البعد المتعالي في الإنسان، وتمهد الطريق للمريد دليلا لأن يصل إلى إنسان كامل يتمتع بلذة المشاهدة لهذا الكون على ما هو عليه واقعا لا خيالا، ولأن يعيش لحظة التوهج في ذاته وحياته وهولا يرى سوى الله في حركاته وسكناته، أو هو، تلك التجربة الفردانية في الغالب، أو الجماعية المتكونة من هذا اللقاء، فيما بين الإنسان وربه، وفيما بين الإنسان وكونه، وفيما بين الإنسان وحياته بجميع علاقاتها وارتباطاتها وتفاصيلها.
    الحضارات:

    فالحضارة هي الكلمة العربية المقابلة للكلمة الإنجليزية civilization.و الحضارة من حضر، حضورا ، وحضارة، بمعنى الإقامة في الحضر كما قال أبو الطيب:
    حسن الحضارة مجلوب بتطرية(())وفي البداوة حسن غير مجلوب.

    وتعني أيضا، الحضور والوجود والتميز، وتشاكل المدنية في المعنى، وعند البعض تشترك في الدلالة مع الثقافة، وهي مرحلة من مراحل التكوين البشري، وطفرة في النشاط الإنساني، الذي يحصل من خلاله التطور الفعلي على مستويات عدة، ونواح كثيرة، وهي نتيجة لتفاعل الإنسان مع الكون والحياة، بغض النظر عن بعض الخصوصيات التي تخصه، والتباين الذي ينتجه الاختلاف في العقيدة والدين، وهي تتكون من شقين، مادي ومعنوي، فالمادي ما نلمسه من عمران وصناعات وتقنيات وفنون وعلوم ومعارف وقوانين وأعراف، والمعنوي يمثل النوازع العقدية، والدوافع القيمية التي كانت من وراء صناعة هذه الحضارة، فالعقائد والأخلاق والسلوك كلما اقتربت من المعايير العلمية والمنطقية، صارت أقرب من المدنية التي هي مرادف الحضارة عند البعض، وإذا أنتجت التصحر والعقم المعرفي، كانت بداوة ورجعية وتخلفا، فالحضارة نتاج إنساني يعبر عن وحدة المنشأ، وتكامل الأدوار، وهي متداخلة فيما بينها، ومتكاملة في حلقاتها، لا يلغي اللاحق منها السابق، ولا يميت البعض منها الآخر، وإن تباعدت الأقطار، وتفاوتت الأزمان.
    الحوار
    لن أعرف الحوار بتعريفه اللغوي، وإنما سأعرج على مصاديق الحوار الذي ندعوا إليه، ونؤمن به، ونؤسس له.
    أبجديات
    إن الإسلام أكد على ضرورة سلوك منهج الحوار، في مجموعة من القضايا المصيرية التي تتعلق بالعقيدة والشريعة، ووطد لهذا المبدأ الذي يعتبر ركيزة أساسية لبناء المؤسسات الحياتية بمبادئه وسلوكياته القائمة على معيار العقل والمنطق، ومبادئ النظرة الكلية للكون، وقيم النزعة الذاتية التحررية، ولا ضرر في اعتماد الحوار وسيلة في أهم الأمور الفكرية تعقيدا، لأن الإسلام أراد أن يفتح الطريق أمام العقول الواعية، لتقرر الأدلة على المعرفة الجازمة التي تنفي كل تقليد يؤدي إلى التبعية العمياء للآبائية، أوالإستيلاب للأنظمة التي جعلت نفسها وساطة فيما بين الإنسان والمطلق، فالإيمان بالحوار في أقدس مبادئه، يعني انتفاء أسباب الصراع، وعدم وجود مغذيات النزاع، والحوار لا ينتج سلوكا مستقيما في الفرد والجماعة مادام المحاور لا يستشعر بأن الآخرين إخوة له في الإنسانية، يتعايش معهم على أساس قائم على التوحد في المشتركات الأساسية للحياة، ويتوافق معهم فيما يضمن المصلحة الكبرى للبلاد والعباد، ومادام الحوار يؤدي إلى تحقيق هذه المقاصد فإنه حوار جاد، و إلا، كانت الدعوة إليه وسيلة لدغدغة المشاعر، وتليين الأجواء، وتبليد الأحاسيس النافرة، و المصلحون قد سلكوا هذا المنهج في فض الخلافات التي تشتعل مرة بعد مرة، وختم النزاعات التي تؤدي إلى تعارك يعطل عمل الحياة، ويجعل الأرض عرضة للضياع.
    والحوار لا يتم في ظروف ملغمة يعتز فيها كل طرف بموقفه، ويعتد بآرائه، ويعتقد الكمال في توجهاته، ويحزم باليقين في مقولاته، فلا يمكن تحقق أخلاقيات الحوار، كما يقول بعض المفكرين، لدى من تهيمن عليهم نزعة التشكيك والسفسطة، أو أولئك الذين يتخيلون أنهم يحتكرون الحقيقة، بل يتجلى الحوار بمظهره الرائع الخفي.... لدى أولئك الذين يضعون أيديهم في أيدي بني الإنسان كافة، ويواكبون الآخر الإنساني، ويرافقونه في طي تلك الطريق....وما عساه أن يحصل من إخفاق في مسيرة الحوار، أو شلل في نتائجه، فمن عدم ضبط الآليات التي تساعد في تصويب الرأي، وتسديد القصد.
    أزمة الصراع
    إن الصراع ليس من قيم الحضارات، بل هو بداوة تجتاح العقل، وتخترق محيط الإنسان حين يفكر في حدود أرضية تفقده صوابيته في استلهام مبادئ الحياة، وجهوزيته ليكون دليلا على الخير لا على الشر، ويترتب عن هذا صراع الإرادات والأوهام والقوى، أما الحضارات القائمة على مبدأ التعامل والتبادل، فإنها تتفاعل فيما بينها لصالح البشرية، وتتحدى الحواجز الواقفة في طريق الحياة الفضلى، حيث يسعد فيها الإنسان بحركته الوجودية بدون عنف ولا إكراه، فلا بد مبدأ من التنقيص من قيمة كل ما يسبب العنف والغلو داخل منظومتنا الفكرية، والقضاء على كل المسببات التي تعطل السلم الاجتماعي، والتشارك المتبادل، وهذا خير ما يقدمه المفكرون والمثقفون لربط جسور الحوار فيما بينهم ومع الآخرين، بعيدا عن التشنجات التي تنشئها العصبيات المؤسسة على احتقار السوى ونقصهم، والمظهرة للإنسان المسلم في عين الغرب وحشا كاسرا لا يملك أحد إيقافه، وعبدا مشئوما لا يبالي إلا بالأوامر المحبوكة بيد من لا يرعى حريات الناس، ولا يسلم بقيم الإخاء وحسن الجوار، ولا يسعى لربط علاقات التعاون والتوادد مع الآخر، إن الحقيقة التي نؤمن بها كإلهيين وصوفيين، أننا نرى بعض هذه الحوارات أنتجت مناخا معتدلا للتعامل المشترك، والتعاون المتبادل، وكان من غرسها ما جنته أمتنا من سلم وهناء، وبعضها كان سيئا للغاية، ذبحت فيه الكرامة البشرية على مسالخ التاريخ، وفنيت فيه الأمم بواسطة الحروب والدمار الأهوج، فكان سببا لمآس يطول لهيبها وإلى أمد غير محدود، فالتصادم فيما بين الديانات، بله الحضارات أو الثقافات، لا يعني عند العقلاء إلا الظلمة والوحشة، ولا يفسر إلا خبث الطوية، وسوء النية، ولا يقوي في حقيقة الأمر إلا طرفا على طرف بنية ابتلاعه واستعباده وإضعافه وتفقيره حتى يكون تابعا له. فالصراع فيما بين المجموعات البشرية، نوع من البدائية الفكرية، التي تعلن يُبس روْح العقول، وموت الضمير الجمعي القائم على مبدأ التعامل وقف المصلحة المشتركة الضامنة للاستقرار والحياة الآمنة.
    قد ينشأ هذه الصراعات فيما بين الأفراد، لتمتد أفقيا وعموديا من قبل صناع الخلاف، حتى تشمل الدين الذي ينتمي إليه الإنسان، والحضارة التي تراكمت جهودها عبر مراحل من تاريخه، والتاريخ الذي هو جزء من كيانه، وهذا ما يجعل الإنسان بدون مشيئة منه يعيش جوقة الصراع التي تنميها مبادئ التعارك على مصالح تعود على أفراد أو أنظمة بالنفع، وتؤوب عليهم بالخيرات والمسرات....
    فالحوار الذي نستهدفه هو الذي يطرح القضايا الكبرى أساسا للحوار، ويضع المشتركات محلا للتوافق والانسجام، ويترك الخصوصيات للاعتداد الشخصي والجماعي، فليحصل التحاور في صناعة تاريخ مشترك يعطي لكل واحد حق ممارسة قناعاته وقف عقد مسبق يربط فيما بين الأطراف، وميثاق يسمح بالخصوصيات والمحليات.
    القرآن والحوار،
    إن القرآن الكريم بأحكامه المجملة والتفصيلية يؤسس لمبدأ التنوع والتعدد، ويمهد السبل للاعتراف بالغير، وهذا ما يلمسه كل دارس للكتاب الحكيم، ويعلمه كل من يرى الحوار آلة يطرحها القرآن لإثبات العقائد، ووسيلة لاستكشاف الرأي الآخر، وطريقة للتعامل في إطار يعطي إمكانية قبول النتائج، وفرضية الوصول إلى قاسم مشترك بين الجميع، سواء كانت النتيجة انتزاعا للحقيقة، أم اعترافا بها، أم إنكارا لها، والقرآن قد جعل هذا التعدد الذي نطمح إليه في عالم اليوم آية من آيات الله الدالة على خلقه، وسمة على عظيم صنعه، فقال تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين، فتنوع الألسن والألوان، يجعل الصوفي يستحضر وحدة الأصل التي تجعل الناس سواسية وإن اختلفت معتقداتهم، وتعددت مشاربهم، فالعبرة بالجوهر لا بالعرض، والقيمة بالأصل لا بالفرع.
    والحوار في القرآن يشذب الطريق للإنسان من نقط صغيرة ثم يرتقي بالإنسان ليشمل بنية ذاته، فيستفسرها عن شكوك في معتقده، ويسألها عن غوامض المجهول في عالم الغيب، ويتصاعد الحوار بشكل ملفت ليستغرق كل المواضيع التي تتركب منها حياة الإنسان. فالإيمان بالتعدد الجنسي، والاختلاف الطبيعي، ضرورة بشرية، وحتمية وجودية، ودلالة صامتة تعطي العقل موقفا صحيحا في التعامل مع الآخر، وتمكن من وجود المشترك الإيجابي فيما بين الناس، وتسمح بقيام مناخ للتعايش السلمي المرتكز على منابذة التطرف والعنف، ولا غروفي ذلك، فالحوار يعتبر الدواء الناجع لإنهاء الأزمات، وإيقاف النزاعات، وليس مراما لتكريسها، ولا منالا لتمديد آجالها، وهذه النظرة المتفائلة، رغم ما فيها من يوتوبيا، تبقى هدفا نبيلا، وحلما زاهرا جميلا، يراود من يسعى إلى دحض لغة العنف والتصادم، وينحو غاية ردم الفجوات فيما بين الحضارات والفرقاء الدينيين والسياسيين.
    والحوار بهذا الملحظ، قيمة جمالية تدعوا إليها الفطر السليمة التي تحقق ذاتها في ذات الجميع، وتكسب حريتها في تقدير الآخرين، وهو نوع من الديمقراطية التي تهدف إليها الشعوب لتحرير نفسها من الاستعمار والديكتاتورية، وتثبيت مركزها في هذا الوجود بقيمتها الاعتبارية، وتدعيم حركتها في السعي من أجل تنوير دروب الحياة بفضليات الأخلاق والشيم، فلكل حق في اختيار دينه، ولكل حق في انتخاب عقيدته، ولكل حق في ممارسة خصوصياته، ولكل حق في أن يتساوى مع غيره في الحقوق والواجبات، ولكل حق في سلوك السبيل الذي يسعده، وهذا لا تجسده إلا أدبيات القرآن التي تتجلى في التصوف بما فيها من سمو في الفكر، وإنسانية في القصد.
    آليات
    أذكر هنا بعض الآليات التي يمكن العثور عليها في أي كتاب يمنهج للحوار فيما بين الحضارات، وأكتفي بإيراد ثلاث قضايا،
    أولا: إن المحاور الذي يريد أن يتحرى الحقيقة لا يعتبر سواه إلا أخاً له في الإنسانية، وشريكا له في الحياة، يريد أن يوصل إليه خطابا سواء كان إلهيا أم بشريا، أو يحاول أن يغرس فيه سلوكا معينا بتوسط رمز يكون رسالة كلامية أو غيرها تستوحي منه موقفا ذهنيا، ونظرا وظيفيا، فالحوار الإيجابي هو الذي ينظر فيه أساسا إلى ما يمليه المحاور من أفكار، وما ينتج عنه من سلوكات، لا إلى الذات التي هي عبارة عن مختلفات تكوينية يمكن اعتبارها مصيبة أو مخطئة، فخطأه لا يسبب احتقاره وامتهانه، وصوابه لا يفقده عقله واتزانه، و الخطأ لا يعطي الفرصة للفريقين، في أن يزدري أحدهما بالآخر، أو أن ينتقص من إنسانيته، ولو أدرك صواب ما يقول، أو جمالية ما يظهر من سلوك.
    ثانيا: أن يحكم على الإنسان بما عنده، لا بما عند الآخرين عليه من أفكار، حتى لا يتحول الحوار إلى تكرار للدعايات التي لا تستند إلى أدلة عقلية، ولا تقف على قناعات شخصية، فيتوهم المحاور بأنه بلغ البغية من الرأي، ونال النجعة من القصد، وهو لا يعي جلية الأمر، ولا يستوعب خلفيات القضية، وإنما يردد ما صار بالخوض فيه حقيقة كاملة، وإن كان محض افتراء وتلفيق وخدعة، فنتحرى الحقائق من قبل أهلها لا من غيرهم، ونستعمل العقل في إثباتها أو في نفيها، و إلا كان حوارا دوغمائيا صوريا لا يساعد على تبيان الحق، وإبراز الواقع. فالهدف الأسمى عندنا هو الحقيقة، بغض النظر عن مصدرها ومنبعها، والحقيقة نستوحيها من جوهرها لا من الأعراض الخارجية التي تكتنفها بتأثير معين، والذي ينفع في ترتيب نتائج الحوار، أن تستند كل الآليات المعرفية والنظرية إلى أبجديات المنطق، وأحكام العقل، وأن يكون الحوار تداواليا فيما بين المتصارعين والمتحاورين من أجل تأسيس حضارة عالمية يساهم فيها الكل، وإن لم يكن الحوار بهذا المنطلق والغاية، فليكن حوارا لإبراز الروابط التي تؤدي إلى توازن المصالح والقوى.

    ثالثا: أن يكون الهدف من الحوار تزيين محيط القلوب بباقات من ورود المحبة، وتجميل فضاء الحياة بسلام يجعلنا ننسى بؤس الأيام علينا، ونَحيبَ الزمان الذي يِخب من ركام الأحداث، فليس الهدف منه تشكيكا للآخر في عقيدته، ولا تنقيصا لدينه، ولا عجن توليفة من العقائد، وتلفيق دين من طراز جديد، بل الهدف أن نُوجد مناخا معتدلا، وطقسا هادئا، ومرفأ للتعامل المشترك، والتفاعل المتبادل، والغايةُ أن يكون كل واحد منا راضيا بما يعمل، مقتنعا بما يعتقد، وأن يبرز كل واحد منا دور دينه وعقيدته في سلوكه وحياته، فيَظهر للعالم أجمعَ أثرُ دينه عليه منهجا وتفكيرا، إننا مطالبون تكليفا باحترام الإنسان فطرة وسلوكا، وتقديره مبدأ وغاية، وملزمون أمانة بأن تسود قيم التعاون والتشارك علاقات الناس خدمة للأرض التي استخلف فيها الإنسان ليعمرها من أجل بقاء نوعه، واستمرار جنسه. وهب أننا تحاورنا مع غيرنا، أو تناظرنا على قواعد الجدل، ثم حصل من الآخر رفض لبعض المواقف التي تجعل الحوار متيسرا، أو فرض لرأي لا يدفع بحركة الحوار إلى الأمام، فإن ذلك لا يدفع بنا شرعا ولا عقلا إلى الاحتقار والإقصاء، بل لا يمكننا من نكران وجوده، ودوره في الحياة، ولا يوغر صدورنا عليه حقدا، فنسعى إلى تدمير كل ما له علاقة به، و كسر كل حاجز ينقض عليه نسيج حياته، ويعطل القوة التي تربطه بالوجود تفاعلا ومشاركة، فالحوار الذي ينبني على تصديقات سابقة، أو أحكام قبلية، أو يطرح دينا، ويفرض واقعا لا يثمر مشروعا يحتوي الأمة، ويوقف مشاعر الحقد والضغينة. فهل الحوار وسيلة لتقريب الرؤى؟؟ أم لفرض قيم معينة؟؟.
    فمن الواجب أن يكون التحاور قانونا فطريا طبيعيا في المجتمعات المؤسسة على التعدد والتنوع، لا تشريعا وقتيا تمليه الظروف المتكررة، وتفرضه الوقائع التي تعترض واقع الحياة، وإنما هو ُروح طيبة تُبرز القوة، وملكة جميلة تُظهر الشهامة، وموقف إيجابي يستبطن الكرامة، وليس ضعفا يؤدي إلى الإستقواء على الآخر، أو دجلا إعلاميا نشوه به قيم التواصل الإنساني، والتعايش السلمي، أو نفاقا سياسيا نتوسل بها لاحتلال الأراضي، وإهانة الشعوب، والسيطرة على الأمم.
    والحوار لا يستطيعه كل موجود، والتعايش المتبادل لا يطيقه كل مخلوق، فلا بد من أناس أكفاء أقوياء، يحترمون الناس، ويقدرون الآراء، ويتعاملون بدون خلفيات، وهذا لا يتجسد إلا في الصوفية، ولا يتحقق إلا في هذه الفئات، على ما بينها من وشائج وروابط، فهي القادرة على تجسير العلاقة فيما بين الديانات و الحضارات والثقافات.
    الصوفية والحوار
    أولا: أنظار صوفية،
    نحاول هنا أن نبحث حفريا ضمن الثقافة الصوفية العملية لتحديد أنظارهم إلى مجموعة من القضايا، الوجود، الإنسان، وسأفرد للنفس مقالا خاصا.
    1)نظرهم إلى الوجود،

    إن نظر الصوفي إلى الوجود لا تتحكم فيه آليات معرفية، أو معطيات موضوعية، وإنما تتحكم فيه نزعة روحية تتأسس على الذوق والكشف الذي يستشرفه الإنسان بواسطة السير الروحي الذي يسمى عند البعض بطريق المجاهدة، أو بوسيلة السير في الملكوت الأعلى الذي يسمى بالمعراج الروحي، فالصوفي المتحرر من العلائق المرتبطة بالعالم الخارجي، والملتصقة بالعالم المادي، يتجاوز القراءات المسندة بالتحليل المنطقي، والإدراك الحسي، إلى رؤية فاحصة تستخبر الحقائق، وتستظهر المعرفة اليقينية للوجود، وهذه المعرفة هي التي تبدد لدى الصوفي كل ارتباط يوحي بالوقوف مع الوجود، وتجعله على مشارف غيره من الفلاسفة الذين يؤمنون بأن الوجود خيال بلا ظل، يقول أحدهم:
    الله قل، وذر الوجود وما حوى إن كنت مرتادا بلوغ كمــالِ
    فالكون دون الله -إن حققتـه- عدم على التفصيل والإجـمال
    من لا وجود لذاته من ذاتــه فوجوده لولاه عين محـــال
    والعارفون فنوا به لم يشهـدوا شيئا سوى المتكبر المتعــالي
    ورأوا سواه على الحقيقة هالكا في الحال والماضي والاستقبال
    ويعرف أبو عمر والدمشقي التصوف بأنه " رؤية الكون بعين النقص بل غض الطرف عن كل ناقص" ( السلمي 1953ص 278) ويقول الجنيد:
    وجودي أن أغيب عن الوجود، بما يبدو علي من الشهود،
    فالوجود عند الصوفية بحر يمر عليه الصوفي ليصل إلى المطلق الكامل الذي لا يعتريه النقص، وهو الحق سبحانه وتعالى، فكل ما في الوجود يدل عليه لا هو، والمقصود هو لا سواه.
    فالصوفية لا ينظرون إلى الحياة على أنها قائمة بذاتها، ولا يرونها تستحق صفة الأزلية التي لا تكون إلا لله، بل يتجاوزن حاجز ظواهر الأشياء، إلى رؤية شاملة تتكل على الإحساس الباطني، وتستند إلى الذوق الوجداني، وهذا لا يحصل للصوفية إلا عن طريق المجاهدة التي تتيح أحوالا تحصل لهم في مقام الفناء الذي يغيب فيه الصوفي عن ذاته، ويفنى فيه عن وجوده، وقد يحاول أحدهم أن يفصح عليه برموز لا تفيد رسمه، وإشارات لا تفهم معناه، وأقرب أقوالهم فيه، قول الجنيد: "أن تكون مع الله بلا علاقة" وقول الشبلي:"الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق"ويعنون به الوجود الحق، أو النفس الكلية، أو العقل الفعال، الذي كان آدم من أبرز مظاهره وجودا، وأعظمهم أثرا، لما ذكره مسلم في صحيحه، خلق الله آدم على صورته، أو كما في سفر التكوين، إن الله خلق العالم على صورته.
    والاتصال بالمطلق الذي هو الوحدة الكلية يتم عند الصوفي عبر سلسلة من المقامات التي تمنحه تصورا حقيقيا عن الحياة، وتجعله يشعر بأن الكون سديم لا قيمة له، وأن الحياة فيه عدم لا وجود له، وهذا ما يسميه البعض إتحادا، وهو عين الشهود، ويترتب عن هذه المعرفة للحياة رغم كونها نظرا فلسفيا، أن الصوفي لا يعتقد الوجود الحقيقي إلا لله عز وجل، وما سواه فخيال وسراب لا حقيقة له، وأن العلاقة فيما بينه وبين والوجود مبتورة، فالوجود الظاهر للعيان في نظره ظل للقيومية النافذة في كل حادث، ونفحة من نسيم التجلي القائم في كل لمحات الكون، والإنسان ذرة تائهة تسري في الكون، تبحث في الزمان والمكان عن بقائها جوهرا خالصا يبحث عن الحقيقة المطلقة التي لا ينتهي الروح إلى أشواقها فيها إلا بالزوال والاضمحلال، وهذا التصور يعطي للصوفية مجالا للتحاور والتقارب والتعايش، ويشبعه بنظرة أخرى ترى الوجود مظهرا للجمال والكمال الإلهي.
    والصوفي رغم توحده مع غايته، فإنه يرى الكون بما فيه من كائنات محلا للعطاء الذي يركز في قيمه ،الجمعية البشرية، فهو يتعامل مع الناس من هذا المنطلق البعيد عن النيات الضيقة التي تفوت عليه الاشتراك في جذع البشرية، وتمنعه من أن يكون مساهما في بناء الحضارة، ولله در الصوفية فقد ضربوا المثل الفذ في التعامل مع الغير، سواء كان جمادا، أو حيوانا، أو بشرا، وتصورهم هذا نابع من تشرعهم بالشريعة التي جاءت نصوص فيها تؤكد قيمة الإحسان إلى المخلوقات كلهم، وغايتهم من وراء الفعل أن تظهر ملامح جمال الله في الوجود على أيديهم بإراداتها الممنوحة فضلا أزليا، فمراعاة الشريعة في حدودها المتاخمة للحقيقة لكبد الحيوان، وترتيب الخلد عليه في النعيم، فتح الباب للعطف على كل ذي معدة رطبة، وبطن مكشوفة لا تجد لها رواء التمتع بالطعام، و ذات لا تلبس جميل اللباس صيفا ومشتى، ويتعدى الإحسان نقطة العطاء في حدودها الأدنى إلى مستويات كبرى يظهر فيها الصوفي بكماله وجماله.
    2) نظرهم إلى الإنسان،
    إن الصوفية يرون الإنسان مظهرا لتجليات الله، فهو كيهل ينتهي إلى عالم كن الأزلية، وجوهر موضوع في عالم الملك، وجزء من المطلق المودع في الوجود، فروحه التي نفخت فيه من عالم القدرة الإلهية، وذاته بتفاعلاتها تجسد إدارة الله وقدرته النافذة فيه.
    فالصوفية لا ينظرون إلى أحواله التي يتلبس بها من صلاح وفساد، وإنما ينظرون إلى ما وراء غشائه، ويتشوفون إلى حقيقة ظرفه، فإن كان قريبا من درك الحقيقة، نال ألطاف الله، وإن لم تشمله العناية ارتكس في وحل الأثيمة، وولغ في دم الخطيئة، والإنسان مركب من الخير والشر، مزودج في أحواله المتعددة، وهذا التصديق )وإن كان الحد الأدنى من الرؤية الصوفية) يرفع الصوفي إلى مستوى يستشرف فيه ذلك المخطئ بعين رحيمة، وينظر إليه بقلب جميل، إكبارا لإنسانيته، وتقديرا لآدميته، واحتراما لأحكام الله التي لا يأمن مكرها، ولا يتعالى عن حقيقتها، فقد يعتريه سوء نية، أو يتداوله خبث قصد، فيحوله إلى أثيم، وقد يعاكس الحظ غير هذا الصوفي فتكون عاقبته الرضوان. والصوفي رغم يقينه في ألطاف الحق، فإنه يرى الإنسان والكون والحياة صيرورة قائمة لغرض يريده الله عز وجل، فهو المريد فيها بما يريد، والقاهر لحركاتها بما يشاء، فكل تدبيراته وتصرفاته محبوبة للصوفي ولو كان فيها زوال الذات وفناؤها.
    والصوفي يحب الناس جميعا على اختلاف وظيفتهم في الوجود، وتعدد طبقاتهم ومراكزهم في السلاليم الاجتماعية، وتنوع مواقعهم في قانون الأمر والنهي الإلهي، فهو يكره العمل السيء الظاهر من الإنسان إن وجد محلا للكره في قلبه، ولكنه لا يكره لطفة الذات التي تتلو تجليات أسماء الله، فقلبه وتر للحب، ونغم ندي للود، وذاته مشتل تنمو منها ورود الإخاء، وشجرة تتفرع فيها غصون الصفاء، فلا الطبيعة بألوانها الزاهية، ولا الكون بأنغامه الجميلة، ينسيه أن كل طرفة يطرفها، أو كل ومضة يتوهجها، للحق فيها حضور، وللذات فيها وجود، فوجودها في حياته، وموقعها في وجوده، تجزم له بأن الله موجود في كل شيء، وموجود قبله وبعده.
    والصوفي يرى الإنسان حرا في إرادته، طليقا في تصرفاته، لا وصاية لمؤسسة عليه، ولا تحجير لنخبة على عقله، فهو المختار المريد، والمدبر الحاكم للعالم، فالحرية جبلة للإنسان في فطرته، وقانون أزلي في وجوده، وهي سببا أولى طلبات الخلق، وقصارى جهدهم في الوجود، ومراد الله لا يعترض عليه من هو له حبا ورضا، ولا يتعسف عليه من يعد الكون قدرا في كينونة كن الإلهية، فهو مساو للقضاء حقيقة ما لم يقم واجب شرعي آخر في طريقه يطالبه باللجاجة والخصام، أو ما لم تتعارض الحقوق والواجبات فيما بين الأفراد، فتكون الكلمة كما يريدها الله إيجادا وتصريفا، لا كما يريدها غيره هوى ورأيا.
    والصوفي يحسن الظن بالمخلوقات، فلا يشغل بالَه خفاءُ سرهم، ولا يتأمل برؤية الكمال حالهم، ولا يعتقد خلوهم من الزلل، ولايجزم بطهارتهم من الخطل، فهم تحت سياط القضاء والقدر، فما أراه الله عليهم من منة فهو منه لا منهم، وما رآه من شر فهو منهم لا منه، فهم محل للإرادة المطلقة القائمة بالتدبير والتصريف في هذا الكون، والناس شركاء في مجموعة من القيم التي تحدد وجودهم المادي والمعنوي، وتضبط سلوكهم ونظرتهم في المستوى الأدنى إلى الأعلى للأشياء، ومن هذه القيم الوطن والدين والراعي، وهذه المجموعة من المثل تحسب في مناط الشرع والحقيقة جامعة للتوحد، ومناطا لتحقق التفاعل، فالوطن للناس جميعا، والدين قناعة فردية، والراعي نائب عن الإرادة المطلقة، والعلاقة فيما بينها وبين الإنسان قائمة بالمحل، لكن حرية اختيار ما يراه الإنسان مناسبا من الدين، لا تتنافى مع الخضوع للقيم العامة التي تعارف عليها الناس دينا ونظاما، ما دامت تحقق النظام، وتنشر الأمن، وهذا سبب لظهور ترسانة من القواعد التي تضبط الحياة العامة، وتحدد الحقائق الكبرى للوجود البشري.
    النظرة إلى الآخر،
    وقد أمرنا الكريم سبحانه وتعالى وهو الحريص على حياة الجميع، والموجد للوجود البشري، بأن لا نعاملهم بفظاظة وغلظة، وأن لا نجادلهم بما يثير التنابذ والعداء، ويدفع بهم إلى البغضاء، وإن لا نتعدى المعاملة الحسنة معهم، فإن دعوناهم فبالتي هي أحسن، فإن فعلنا كان ذاك مدعاة لهدايتهم، وأنسب في تسديدهم، و إلا تركناهم لحالهم، وودعناهم لسبيلهم...فإن أرادوا ما نحن فيه فذلك خير يؤول إليهم، وإن لم يريدوا، فذمتهم مصانة، وحقوقهم مستحقة، وحسابهم بين يدي رب البرية، والصوفية يرون الآخرين ممن هم أهل كتاب أحظى بالتعامل، وأقرب إلى التواصل، لأن الجذع المشترك للدين يجمعهم جميعا، فالدين كله لله، ومن الله، والإسلام لم يأت ليقصي ويلغي، بل جاء موصيا بأن يكون تعاملنا معهم موجها لغاية تربية الفضائل، وغرس المثل العليا، وزرع الفضائل والأخلاق الحسنة، وهذا سر في ظهور فقه أهل الذمة والمستأمنين، وحدوث مصطلحات دار الحرب ودار السلم، وغير ذالك من الأدبيات التي تضمن للآخر كرامته وهيبته، وتحقق له وجوده وكيانه، وتجعله مهاب الجناب، سليل الفضل، يقول الحق سبحانه:
    «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» «الممتحنة - 8». فالتصوف لا يسعى لاختلاف الناس، ولا يدعوا إلى إحداث النعرات الجاهلة، ولا يجاري أهواء من يرون الغير بنظرة شزرى.
    أساسيات لتفعيل حوار الحضارات
    أولا،
    إن مما يدعوا إلى حوار الحضارات، ما نراه دراسة في الفكر الغربي من سمو ورقي، وما نلمسه من قيم حول الإنسان والكون، والعلاقة فيما بينهما، والعلاقة فيما بينهما أيضا والحياة، وهو مأخوذ من التصوف الإسلامي باعتراف أساطين الفكر فيهم، بل الأغرب من هذا في التصور، أن العولمة التي أرادت بعض الدوائر الغربية فرضها على شعوب الكون بالقوة، هي من المقولات الصوفية التي تؤمن بقيمة الإنسان في هذا الكون، ومركزيته في الوجود، يقول خاتمي: فالعرفاء المسلمون، يعتقدون أن الإنسان يمثل عالما في حد ذاته، فأصله ومحوريته لا تقوم على أساس فرديته أو جماعيته، بل ذلك يستند إلى كونه المخاطب الوحيد بالنداء المقدس ومن خلال الخطاب هذا تتسامى روحه، ومن ثم يتحول إلى فضاء يزخر بالعدل والإنسانية.
    فالتصوف من القيم الحضارية التي تعطي للإنسان معرفة بما يدور حوله، وفهما لكل المظاهر والتشكلات الوجودية والميتافيزيقية، فالحرية مثلا التي تنص عليها العهود والمواثيق الدولية، وتحسب أظهر وجه للديمقراطية، والليبرالية، والعولمة، من المقولات التي لا نجدها متجسدة بصدق إلا في التصوف، فالصوفي يعبر عن حاله بأنه مملوك غير مالك، فهو عبد لسيده ومولاه، وواقف عند مراده أمرا ونهيا، فهذه هي الحرية الحقيقية التي تبحث عنها الإنسانية في يومها هذا، وهي حرية تتأسس على احترام الآخر، وتتشوف إلى معرفة خصوصياته، وهذه جمالية تبعد الصوفية عن مصادرة إرادات الآخرين وإلغائها، وتشكل المجتمع على أساس التراحم والمصافاة، وتعلك الصوفية كيف يتعاملون مع الصوفية مع بدون خلفيات عدائية لا تكاد تخلو منها أدبيات التعامل اليوم من الطرفين.
    ثانيا،
    إن لباس الرهبان في الأديرة يكاد يشبه ما يلبسه الدراويش والمتفقرة والزهاد، وهذا مما أدى بالبعض إلى أن يقول بوجود تأثر فيما بين الصوفية والمسيحية، وأصارهم يعتقدون أن التصوف نتاج دخيل على المنظومة الإسلامية، فمن الخطأ أن لا نعتقد بوجود التلاقح والتكامل فيما بين الحضارات والديانات والثقافات، لكن من الغبن للتصوف، أن نعتبر اللاحق جزءا من السابق، لأنه يوحي بضعف تركيبة اللاحق، ويفيد طردا أن السابق لا يملك أجهزة مناعة لحماية نفسه، فالتصوف ولو لم يقع هذا التقابل فيما بين الحضارة الإسلامية وغيرها، فإنه مشترك بشري يحمل نزعة روحية، وميولا فردانية، وهذا مقتبس من كل الديانات والفلسفات، وليس فيه انتهاج لمنهج سابق، ولا اقتفاء لأثر ماض، فالحضارات تتفاعل فيما بينها وتتعاون، ووجود مشتركات فيها لا يجعل القول بالتأثير مقبولا، ولا يخول مساحة للإنكار على التصوف وغيره في تعايشه مع الآخر في إطار المشترك الإنساني، فتوهم الحضارات الأخرى وافدا غريبا، واعتبار قيم الغير شرا مستطيرا، هو الذي يفسر كثيرا من الخوف الذي نراه اليوم في كثير المسلمين من الحضارة الغربية، وهو خوف غير مبرر، بل هو جزء من نيران الصراع الذي نشب فيما بيننا وبين الغرب، فلم الخوف إذا كان ديننا قادرا على المقاومة والمقارعة؟؟ ولم الخوف إذا كنا متماسكين في بنيتنا النفسية والاجتماعية والثقافية؟؟
    إن الذين يرون مركب الدين متينا، يؤمنون بأنه قادر على أن يتفاعل مع غيره، أما الذين يرونه هزيلا مخترقا، فإنهم يبكون ويندبون، وهجيراهم تعكير المجالس بمثيل هذا الكلام، والدندنة به في المحافل، وكأنهم لا يشعرون بأن الكامل لا يخاف عليه!!!
    فمن العجب أن تجد كُتابا حبرت لهم المطابع بضعة أوراق، وزخرفت لهم جملة صفحات، يتهمون التصوف بأنه قلعة رهيبة يحتمي من وراءها كل موتور يريد المساس بالدين والخلق، وحصن يتترس به أعداء الحضارة الإسلامية للتبشير بسموم فكرية تجعل الناس عبيدا للحضارات الأخرى، وهذا معتقد لا ينبني على دراسة مستوعبة لمفردات التصوف، ولا يعتمد إلا على آراء توجد في كل تراث تقادم تاريخ نشأته، وتناسى الناس ظروف تمثله في الوجود، فما يراه هؤلاء تأثرا لا يعدو أن يكون سموا فكريا يشترك فيه كل واحد نال حظه من المجاهدة والمراقبة وفق منهج يهتم برياضة النفس وتهذيب الطباع.
    ثالثا،
    إن التصوف خصوصا الفلسفي نشأ في مدارس الأندلس ( وبلاد الغرب الإسلامي) التي كانت مكانا يحتضن الديانات السماوية كلها، خصوصا الإسلام والمسيحية، ويضم مجموعة من الفلاسفة الذين عاشوا تجربة التلاقي على وحدة القيم الإنسانية، وعاينوا ببصيرتهم الترابط الذي يؤكد البعد الوجودي للإنسان في هذه الثقافات المتشبعة بروح الخصوصية، ويعطي للحياة مقاييس تنبني على السلم والتعايش الفطري، فالغرب لم يتعرف على هذا البعد الكوني في الإنسان إلا بواسطة التصوف، ولم تتكون لديه فكرة عن الوجود إلا بدارسة الفلسفة التي أنتجها متصوفة مسلمون، ومن هنا انبثقت هذه الرؤية التي تسود اليوم كثيرا من دعاة الحوار فيما بين الثقافات والحضارات والديانات، سواء كانوا صوفية أو غيرهم ممن يستعملون هذا الهدف استعمالا إنسانيا، أو ممن يدجنون به الأجواء، ويعقمون به التاريخ، فالرؤية الموحدة للعالم هي ميراث صوفي لا تملكه هذه التوجهات الأخرى التي تحوم حول حواشي الفكر الشوفيني، ولا تنظر إلى الآخر بهذه النظرة الكلية للكون والإنسان، ومن سوء الحظ أن الصوفية الذين عبدوا الطريق للوصول إلى الآخر، وأعطوا نظريات في التعامل كانت نواة للعولمة، سلطت عليهم ألسنة في القديم والحديث، تتهمهم بالزندقة والإلحاد، وتهيأ المناخ لفقهاء الأوراق أن يمارسوا عليهم الإرهاب الفكري والتهويش الكلامي، والتعتيم الذي قد غيب جزءا كبيرا من الحقيقة عن الغوغائيين الذين تحركهم الإشاعات الكاذبة، والدعايات المغرضة، بل الأدهى أن عموم المثقفين ممن يرون التصوف شقشقات وسفسطات، أو عقائد فوقية تتسم بالميثولوجية ، تأثروا بهذه الفرى الماكرة، ونسوا أن التصوف كان ثورة على الفساد، ومنعرجا متساميا يدعوا إلى قيم جديدة تنادي بإعادة تشكيل الإنسان وقف منهج إنساني يُعتبر فيه الإنسان محورا ومرتكزا أساسيا في الكون، وغاب عن هؤلاء أيضا أن هذا السمو الفكري يرى الحقيقة واحدة أزلية أبدية مطلقة لا تكثر فيها ولا تعدد، فالديانات السماوية في نظر الصوفية، منبعها واحد، والإيمان بالله موجود في كل الديانات على اختلاف في حقيقته، والأنبياء أبناء تعلات، وأماكن العبادة على اختلافها محترمة، والعقائد لا تؤسس على الإكراه، و الإنسان في هذا الوجود ليس إلا مظهرا للتجلي والفيض الإلهي، والتعامل مع الغير قانون إلهي لا يعدوا الاحترام والتقدير، فأين هذا من المقولات التي تبثها الحركات الراديكالية من تنفير وتشويه، وما تقذفه من حمم العداء المطلق على الآخرين، فهل استطاع هذا الفهم البشري المتشدد للدين أن يحتوي أزمة الصراع فيما بيننا والغرب؟؟ أم هذه الأفهام كرست الكثير من القيم عند الآخر حين قابل بلطجتنا في حماية المعتقد، وعنفنا من الخوف عليه، بحرب ضروس؟؟ فالذين وصموا الإسلام بسبة أخطاء هؤلاء، خفي عنهم أن الإسلام بريء من هذه النظرة الأحادية التي لا تعبر عن مسلك الأمة ومنهجها في التفكير، فالآخر لا نعاديه لكونه غير مسلم، وإنما ننابذه لعدائه وتجاوزه الخطوط الحمراء في التعامل معنا، ومن الأخطار التي سببتها هذه النظرة لدى الآخر، ما نراه من ردة فعل نعدها طبيعية في موارد يستهدف فيها الفكر الديني المتشدد إحدى المواقع التي تأوي أناسا يعيشون في أوطانهم، ويمشون في أرضهم، ويتمعون بخيراتهم التي هي ميراثهم من هذا الكوكب الشاسع، ونراها طيشا سياسيا، وشيطنة فكرية في مواطن يستباح فيها الدم الإنساني تحت إعلانات مشوهة تصور الخيال حقيقة، والباطل حقا، وهذا التحريف موفور في كثير من حلقات التاريخ، فالفريقان إما ظالم أو مظلوم، لكن من اللعب بالمشاعر، أن ننتظر ممن نسب ليل نهار، وممن نشوه صباح مساء، وممن نعادي حسا ومعنى، أن يركع لنا ويهلل، إنه عبث في الفكر، وخلل في العقل، أن نظن أن فعلنا سينعكس إيجابيا علينا، فلم نعامل غيرنا بما لا نحب أن يعاملونا به؟؟ ولم لا ننتظر حروبا صليبية، أو حروبا على مسمى الإرهاب، ونحن لا نقبل الآخر أن يساكننا في هذا الوجود، ولا أن يعيش حرا كريما في هذه الحياة؟؟
    إن هذا الكلام ليس طافيا لا يستند إلى أدلة، ولا يقف على براهين، ومن صاغته الأوهام، فلنتأمل نتاج الحركات الإسلامية في فترات سبقت أحداث إحدى عشر شتنبر، ولننظر إلى إبداعاتها الفكرية لنرى مقولات تنسج عقولا فارغة تخبطها التخرصات الجاهلة، وتبنيها الأحلام المجنونة، أحلام الثأر والانتقام، وأوهام القتل والاندحار، فهزيمة الحضارة الغربية في مواقعها، والاستئثار بأراضيها وممتلكاتها، والنكاية بأهلها وتاريخها، كان مسارا من الأوهام التي دجنت كثيرا من شعوبنا، ودوخت أطفالا وشبابا يرددونها صدى مع اللحظة الهاربة، ونغما مع أنغام النخوة الضائعة، والفحولة العربية!!!! فالشعوب العربية صارت لا شعوريا أو شعوريا قنابل حاقدة على الغرب، وعلى ولاة الأمور من الحكام المتطبعين مع الآخر، بل هناك من يرى ما وصل إليه الغرب من ديمقراطية نوعا من المساحيق التي يختبئ من وراءها هذا المارد، ويخالها قناعا يخفي من خلفه أنيابا تعشق الدم المسلم، وتحن إلى هدر كرامته، وهناك من يسم الغرب بميسم الكفر، ويوصمه بالنفاق، والكافر لا يجوز التعامل معه، والمنافق لا يحترم ولا يكرم.
    إن المخزي في تفكيرنا أن نرى في أمتنا من يتمتع بقتل جندي، أو نسف سيارة، أو حرق مبنى، أو تفجير سوق، فتجد المقاهي مكتظة لرؤية الثأر الذي تقدمه الفضائيات لهؤلاء المنكوبين باطنيا، فهل سيثمر هذا جهودا كريمة للدفع بالحوار إلى الأمام؟؟ إنني لا أظن التاريخ الذي نبنيه سيقدم خدمة مباركة للأمة، سيما إذا صادف تعنتا من قبل اليمين المتطرف الذي ينتعش داخل الكنيسة الكاثوليكية، أو جابهه الساسة الذين يتمرغون في أوحال أوهام الخلاص.
    وقد أعجبني خطيب مصقع، وواعظ مفوه!!!يدعوا الله رب العزة والجلال في نهاية كل خطبة جمعة، أن يجعل نساء الغرب غنيمة للمسلمين، وأسلابهم نفلا للمستضعفين، ولا أدري أهل هذا الخطيب وغيره من يدعوا بهذا الدعاء على منابر أوربا يعلم أن الحضارة الغربية لم توجد من عدم، وأن تاريخ المجد والبطولة لا يهدى؟؟؟ فلننم قريري العين، ولنسعد بأحلامنا الوردية، ولنأمل مع فحيح الطقس هزيمته النكداء، ولننتظر مع إشراقة كل صباح تدهور الأوضاع في الغرب،ثم بعد هذا الأمل سنفرح بحصة من هذه الكعكة.!!!
    إن الذي يريد أن يدارس الغرب بقيم الإسلام، يجب أن يعرفهم بقيم التصوف التي كانت معرفتها سببا لإسلام كثير من عظمائهم وكبرائهم في التاريخ، وليخبرهم بأن الديانات السماوية تكاد تتفق على معطيات كبيرة، بغض النظر عن جزئيات لا ترقى إلى مستوى الإيمان بالمشترك، أفلا يدعوا هذا إلى سلوك طريق الحوار بدل التنابذ والتحارب...؟؟
    إن الصوفية لم يؤمنوا بهذه المبادئ نظريا فقط، بل سددوها في وجودهم، كما يعرف كل من ألم بتاريخ التصوف، فقد انسجم المسلمون مع غيرهم من المسيحيين واليهود انسجاما ينفي الخصوصية، ويجعل مبنى العلاقات مؤسسا على الحب والإخاء، وقد أسست جماعات تضم أتباع الديانات للتأمل وتبادل الآراء، والتحاور فيما بينها والاستفادة، كما حفظ كثير من أتباع الديانات القرآن الكريم، وتعرفوا على اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة، ودرسوا الإسلام خصوصا التصوف لينفتحوا على المسلمين، وليتعرفوا على غيرهم، وكانت هذه العلاقة في بعض البلدان متوطدة إلى حدود قريبة من الزمن، وذلك قبل ظهور هذه الزمر المتطرفة التي تعشت بقمامات من التراث، ثم تنَحت لتحاكم الناس بما يراه الغرب حربا عليه حضارة ودينا، واستفزازا لقيمه وسلوكياته، وسادت بعد هذا موجة الخوف من شيء اسمه الأصولية، والتطرف، والإرهاب، لتطمر هذه الصدامات تاريخا جسد فيه الصوفية حقيقة المسلم المتعايش مع الغير على مجموعة من المشتركات التي يتأسس منها هرم المجتمع، فالصوفية لاينكرون قيمة العبادة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب، وقد ذكرهم الحق بالخشوع والبكاء من خشيته والخوف من بطشه، و لا يرون حرجا تشريعيا في أكل ذبائحهم، والمصاهرة معهم، على خلاف بعض المتشرعة، وإن كانت علاقة النسب من أربط الوسائل التي يلتحم بها المجتمع، لأن الصوفية يؤمنون بحرية الآخرين، ويقبلون التشكل والتعدد، فلا يرون كمال الإنسان في عقيدته العمياء التي لا تنبني على لطف إلهي، وموقف شخصي، ولا يعتدون بعقيدة تمارس فيها وسائل الإكراه والقهر، بل التصوف الإسلامي المنتظم من نظام الشريعة، يحترم قيم العدالة مع كل البشر على اختلاف ألوانهم وعقائدهم، ويصون حقوق الإنسان بما فيها حقه في الحياة، والدين، بخلاف الإسلام الحركي الذي لا يقر بحق الآخر في الوجود، ويحاول أن يستأصله إن لم يكن في مركبته، ويسعى لتقزيم دوره وحركيته، وهذا النظر السطحي المغالى فيه، كان سببا في تشويه الإسلام، واتهامه بتهم تلفق عليه من قبل من لا يبحثون عن سعادة المجتمعات.

    رابعا
    قال أفلاطون: الجمال هو بهاء الحق.
    إنني وأنا أبحث عن الوسائل التي تدعم الحوار فيما بين الحضارات والديانات، وجدت لهذه الموسيقى الروحية التي تتفاعل معها النفوس، وتنشي بها الأرواح، دورا قيما في تعبيد السبل للتحاور مع الآخرين.
    فالتصوف تجربة فردانية تعتمد الذوق والوجدان للوصول إلى المطلق، والموسيقى كما قال برجسون، عين ميتافيزيقية تملك مقدرة صوفية هائلة على الاتحاد مع موضوعها، أو السيمفونية السديدة، التي قد تكون نسخة ميتافيزيقة كاملة للوجود كما قال شنبهور، والصوفي يسعى للإندغام في المطلق عبر شبكة من التصورات، والموسيقي مؤهل أكثر من غيره كما قال كارل يونج ليكون أداة في يد قوة غيبية عليا، والتصوف مدرسة لتعلم الأخلاق الموصلة إلى زوال الذات أمام الأمر الرباني المطلق، و الموسيقى تعد وسيلة متقدمة، ورسالة سامية للتقارب مع الغير في عالم متشاحن منزوع الإخاء، مفصول العلاقات، و قد اعتمدها الصوفية في التواصل مع الآخرين، والتفاعل مع الغير، سواء كانت مقرونة بالآلات والأوزان والمقامات وهو قليل على اختلاف فيما بين المجيزين والمانعين، أو كانت أصواتا ناغمة بالمديح والسماع والإنشاد الذي لا يخفى تأثيره على الأرواح، وأثره في النفوس، أو كانت حركات راقصة بإيقاعات متناسقة مع ألحان الموسيقى أو السماع المعبرة عن الوجد أو التواجد أو الأحوال التي تعتري المريد حين تلامس أنوار الحضرة ذاته، وقد أجاز بعض الفقهاء كلا النوعين (الموسيقى بالآلات وبدونها)لاستدراج الوجدان والطبائع البشرية إلى باريها، قال أبو علي اليوسي:ولا شك أن استجلاب النفوس بمساعدة طبعها، أهدى لتقريب نفعها...وهذا دور مهيأ للموسيقى التي تسمى اليوم (الموسيقى الروحية)، والتي كانت ولا تزال وسيلة لالتقاء الديانات والحضارات على خشبة واحدة، ، سواء في الأندلس قديما، أو في فاس حديثا.
    بل كانت مجالس المديح والسماع تعقد في بلاطات السلاطين والأمراء، وتحضرها الرعية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية، وتباين خلفياتها الدينية، وكانت سببا لهذا التمازح الذي حصل فيما بين طبقات المجتمع، ومكونات الشعب، والانسجام فيما بينها وبين الراعي والنظام القائم، وهذه المواليد والحفلات مازالت وإلى يومنا هذا تقام في الأضرحة والمواسم والمناسبات الدينية على مستويات عليا ودنيا لتعبر عن مقدرة التصوف على اجتياز المتاريس التي وضعت في طريق الإخوة الإنسانية، واستطاعته أن يخلق جوا عاما تسيطر عليه الكرامة البشرية.
    إن الاهتمام بالروحانيات التي تهبها دائرة التصوف، هو الفردوس المفقود عند كثير من الغربيين والمتغربين عن مغرب الروح من الشرقيين، فمشاكل العالم لا فكاك لها بدون الرجوع إلى هذه الروحانيات التي تسعى لتحرير الإنسان، وتعطي للحياة معنى ومدلولا إنسانيا، وتفسر مجموعة من الاستفسارات الباطنية المختمرة وجدانيا، وقد يعد هذا رافد من روافد ظهور مجموعات كثيرة في الغرب تهتم بالدراسات الروحية، بل مؤشرا حقيقيا لبروز مجموعات تؤوب إلى عالم الروحانيات بشكل ماض في التقدم فرارا من ضغطة الحضارة وانتكاساتها، ولا غرابة إذا رأينا أشعار ابن الرومي من أكثر الأشعار قراءة في الغرب خصوصا أمريكا، ولا عجب إذا وجدنا الكثير ممن قدم على الإسلام في الغرب جاء من قناة التصوف، ولا غرو إذا كانت الموسيقى بتأثيرها الباطني مشتركا تنسى فيه الذوات المتواجدة لذة التمايل مع المطلق، فالتصوف تعبير عن حقيقة الدين، و تعريف بجوهره المتسامي، وبديل عن المنظومات الفكرية والفلسفية التي أخفقت بسبب قصورها في نظرتها إلى الكون و الإنسان، وأوشكت على الانهيار بما تداعى فيها من قيم وأخلاق، و الغد القادم بإشراقه البهي سيكون بقدرة الله للتصوف الذي يعيش غيبة صغرى بسبب الثورة العارمة للوهابية على العقائد الخرافية!!! التي أفاضت طوفان الحقد والعداء للتصوف وللفرق والملل، وقسمت الأرض تقسيما عقديا وإيديولوجيا، وحرمت الأسفار إلى الغرب للتعلم والعمل، واعتبرت الطوائف التي تتعامل مع الغير خائنة وعميلة، واحتقرت بذلك كل التراكمات المعرفية التي أنتجها الإنسان.
    خامسا، التصوف والتأويل،
    إن التصوف جاء موازيا لحركة التأويل التي ظهرت مع النصوص الدينية، والتي تشاكلها حركة الجمود على النص، وهذا المنحى قد أثار حرارة فيما بين الفريقين يندفعان في بعض الأحيان ويتوازنان في البعض الآخر، لكن الحركة الصوفية كانت تستعمل التأويل بالرمز والإشارة لتخرج من متاحف النصوص التي لا تؤدي وظيفتها المنطقية والدينية، ولا تقوم بدورها في تكوين إرادة الفعل المسئول عند الإنسان، فالتصوف جاء على مستويات متفاوتة، يعطي الإنسان هذه القدرة على التهرب من الأسئلة المقلقة التي تعيق سير الحركة المجتمعية، وتجعل كثيرا من الطابوهات تعيش في سراديب الخفاء.
    من المتملصين من المواجهة المباشرة للاعتراضات المنثورة على بساط الحوار والنقاش الذهني.
    والتصوف بهذا المنحى، يعد أولا، قنطرة تخلص بواسطتها كثير من النبلاء من ضغط المؤسسة الدينية التي كانت تعتبر نفسها السلطة الوصية على الدين، والمسئولة عن جميع آليات المجتمع، وثانيا، وسيلة للتهرب من النقاش الحاد فيما بين التيارات المتعارضة على بساط النقاش، وثالثا، مظهرا من مظاهر التحرر والإنعتاق الذي ظهر في فترات كثيرة من تاريخ التصوف، ولا ريب أن هذه العلاقة الفوقية فيما بين الوساطة والمتوسط لهم، والمتجلية في تأطير النص في حدود بشرية تخدم المصلحة الذاتية أو الجماعية، قد حولت الدين عند كثير ممن عاشوا التجربة إلى مادة إلزامية تلغي ذات الفرد، وتجعله مهانا أمام خياراته الحقيقية التي تمليها عليه قيمه المعرفية والمعنوية، وهذا ما أنشأ مجتمعا مدججا بالنفاق يتوسل فيه العلماء والعباد إلى المؤسسة الحاكمة في تاريخنا القديم، أو إلى الشعوب بفتاوى أو توجيهات تستغل في خدمة الرغبات والأطماع الشخصية، فالتعبير الصوفي عن إرجاع القدرة والإرادة والتدبير المطلق إلى الله، يلغي سلطة الحاكم القائم بدون سند إلهي وشرعي، ويعطي للعقل وهجة تجعله يبحث عن الحقيقة في ذاته، وينطلق في نظرته إلى الأشياء من الذات في جمال صفائها، والتصوف بهذا المعطى تمرد على الواسطة فيما بين العابد والمعبود، وفيما بين الخالق والمخلوق، تسعى لتحطيم قيود المكان والزمان والاختلاف وصولا إلا الاتحاد التام بينهما، ويعبر الجنيد عن هذه العلاقة: أن تكون مع الله بلا علاقة. فإثبات المعية مع نفي العلاقة تعبير صارخ عن رفض مفاهيم: الوساطة والاختلاف والمسافة والشعائرية في الاتصال بالإله وتلك سمات وثيقة بالأديان السماوية يعبر عنها التصوف في أرقى معانيها.
    خامسا،
    إن أعظم نص يجسد حقيقة حوار الحضارات عند الصوفية، ما قاله الشيخ الأكبر،ابن عربي:
    لقد صار قلبي قابلا كل صــــــــــورة(()) فمرعى لغزلان ودير لرهبان
    وبيت لأوثان وكعبة طــــــــــــائف(()) وألواح توراة ومصـحف قـرآن
    أدين بدين الحب أنى توجـهت(())ركائبه فالحب ديني وإيمــــــــاني.
    إن أبيات ابن عربي تربط بين الحب ووحدة الأديان، وتدعوا إلى التوادد فيما بين الناس على اختلاف عقائدهم، فأصل الديانات واحد، وما يقع من خلاف فيما بينها، فحاصل في الأمور العرضية لا في الأصل والجوهر. فأبن عربي يذهب إلى الحد الذي يصور فيه قلبه مجالاً يستوعب كل الأديان والمعتقدات بحثاً عن الكمال، كما أنه يدعو إلى التسامح مع كل الأديان، لأن جميعها قد نبع من الله، وهو واحد إلا انه يتجسد في كل عصر على لسان نبي من الأنبياء، بلغة وأعراف خاصة، تتماشى مع الواقع والفهم، فالأديان منبعها سماوي وجوهرها واحد، وهدفها متحد، ومادام الحق واحدا في ذاته، فلا يمكن أن يصدر عنه الشيء ونقيضه، ومادام المصير واحدا فلا يهم أن تتعدد الطرق وأن تختلف وسائل التعبير والتبليغ، وهذا الحب الذي عبر عنه ابن عربي هو دستور الصوفية، وكتابهم المقدس، وسيرة حياتهم، كما قال ابن الفارض:
    وعن مذهبي في الحب مالي مذهب() وإن ملت يوما عنه فارقت ملتى
    فما أحوجنا في يومنا إلى هذه الأفكار, وما أفقرنا إلى من يتحدث عن نظرية الحب في الثقافات الإنسانية، ويرسي معالم التسامح بما يخدم البشرية جمعاء، ويساعدها على الخلاص من الفتن والقلاقل والحروب والتناحرات العنصرية.
    سادسا،
    إن الصوفية الفلاسفة أخذوا من الفلسفة، إن لم نقل أنتجوها، فابن سينا حرر الفلسفة اليونانية وأضاف إليها ما يهذبها، وآخى بين العلم والإيمان، وجعل الإيمان فطرة إلهية تتوخى للإنسان حين شفافية روحه. يقول: يوجد رجال ذو طبيعة طاهرة اكتسبت نفوسهم بالطهر وبتعلقها بقوانين العالم العقلي، لذا هم ينالون الإلهام ويوحي إليهم العقل‏المؤثر في سائر الشؤون، ويوجد غيرهم لا حاجة لهم إلى الدرس‏للاتصال بالعقل المؤثر; لا نهم يعلمون كل شي‏ء بدون واسطة. هؤلاء هم أصحاب العقل المقدس، وهذا العقل لمن السمو بحيث لا يمكن‏لكل البشر أن ينالهم منه نصيب...وهذا القول صريح في ا نه يقصد بأصحاب العقل المقدس الأنبياء الذين يحظون بالوحي الرباني كما انه اعتراف منه بأصل كبير من أصول الأديان » ويقول الفيلسوف صدر الدين: « واعلم أن أساطين الحكمة المعتبرة عند طائفة ثمانية: ثلاثة من‏المليين ثالس وأنكسيمانس وأغاثاذيمون، ومن اليونانيين خمسة‏، أنباذقلس وفيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطو قدس‏الله‏ نفوسهم، وأشركنا الله في صالح دعائهم وبركتهم، فلقد أشرقت أنوار الحكمة في العالم بسببهم، وانتشرت العلوم الربوبية في القلوب ‏بسعيهم، وكل هؤلاء كانوا حكماء زهادا عبادا متألهين معرضين عن‏الدنيا مقبلين على الآخرة، فهؤلاء يسمون بالحكمة المطلقة، ثم‏لم‏ يسم أحد بعده هؤلاء حكيما، بل كل واحد منهم ينسب إلى‏صناعة كبقراط الطبيب وغيره » وهذا يؤكد التشارك الذي زاوج بين الفلسفة اليونانية والفلسفة الإسلامية التي يعد التصوف قسما منها، والذي درس الفلسفة الغربية سيرى مدى تأثرها بالتصوف الإسلامي، بالفلسفة الإسلامية خصوصا ما أنتجه الفلاسفة المتصوفون، وسيكتشف الجوانب المضيئة التي منحها التصوف إياها، فابن رشد درست كتبه في الغرب وما زالت، ودانتي تأثر بابن عربي تأثرا بليغا، وجوته الشاعر الألماني كان مناغيا التصوف الإسلامي في مجموعة من قصائده، وهناك مجموعة كبيرة من فلاسفة الغرب كبيرجسون، ونيتشه، وغيرهما يمكن لنا أن نعدهم صوفية بالمعنى الحديث، فالبحث عن الحقيقة، والنقاش في الإنسان الكامل، مواضيع مبحوثة في الفلسفة الغربية الحديثة، وهي من رصيد التصوف الإسلامي، ونظرية الإنسان الكمال هي مشترك آخر فيما بين الديانات والفلسفات القديمة والحديثة، وهنا تلتقي الديانات مع التصوف في وحدة جامعة تسمى صناعة الإنسان الكامل.
    وأخيرا، أتمنى أن تزول العقول المكدرة بالوهم عن طريق الحوار ليتم التشارك والتفاعل والمساهمة في بناء مستقبل زاهر تسعد فيه الإنسانية برعاية حق ربها عليها، وماذلك على ربنا بعزيز.


  2. #2
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    لم يكن بالإمكان أكثر مما كان، فإلى شكاتنا،
    لم يلق هذا الموضوع اهتماما لا بالنقد ولا بالمسايرة، لذا يعتصرني الأسى!!!!!


  3. #3
    المؤسس الصورة الرمزية عامر العظم
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    المشاركات
    7,844
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي

    سامحنا يا أستاذ ابراهيم..موضوعك يحتاج إلى رجال حوار ..هم يكتبون عن أهمية الحوار وحوار الحضارات والأديان والثقافات هنا وهناك ولا يتحاورون عندما يوضعون على المحك!
    يتحدثون عن الضعف والهوان وأهمية نهوض الأمة وعندما أتيحت لهم الفرصة الذهبية للإنضمام إلى أعظم قوة فكرية عربية مؤثرة، تلاشوا!
    أرسلت عن موضوعك إلى 4500 عقل في المجموعة الإخبارية!
    تحية حوارية


    رئيس جهاز مكافحة التنبلة
    لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
    نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!

  4. #4
    شاعر / أستاذ جامعي الصورة الرمزية نذير طيار
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    المشاركات
    1,025
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    طرح راق جدا, نحب أن يعم في منتدياتنا, هو جديد في موضوعه, مستفز في عنوانه, عذب سلس في لغته, دقيق رقيق في منهجه, يخاطب العقل ويلامس الروح, أرجو أن يساهم في تقديم صورة صحيحة عن الصوفية الحقة, بعيدا عن ردود الأفعال التكفيرية التي لم تستثن فرقة ولا مذهبا ولا طائفة.
    أرجو أن لا تبخل علينا بدراساتك كلها.
    التصوف حسن الخلق, ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف
    من عرف ذاق ومن لم يعرف لم يذق
    تحية عرفانية
    بالمناسبة لم أطلع على المقال إلا اليوم

    رياضيات - صحافة - شعر - فلسفة علوم - معلوماتية

  5. #5
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    69
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سيدي الفاضل الكلام في الصوفية يقرا ويدور في الوجدان لحالة صوفية او وسيلة فكرية
    وهذه يصعب الحوار فيها انما هى للغوص
    وحتى في تعليقك كنت فيلسوفا
    اما موضوع الهجمة على الدين الا سلامى وصراع او حوار الحضارات فهذا موضوع اخر يحتاج لقراءة
    تحية

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  6. #6
    عضو متوفي الصورة الرمزية ابراهيم الداقوقي
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    العمر
    89
    المشاركات
    81
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اخي الاستاذ الباحث ابراهيم الوراق
    اعجبتني دراستكم العلمية حول التصوف والحوار ، وكنت قد تطرقت الى الموضوع نفسه في مؤتمر اليونسكو المنعقد تحت شعار ( الدين والاختلاف وحوار الحضارات ) في جامعة منوبة بتونس العاصمة ( 23-27 نوفمبر 2005 ) بورقتي المعنونة ( الدين والاختلاف وحوار تآلف الحضارات ) لدى حديثى عن فرقة التصوف العلمانية الانسانية العلوية الاناضولية- تركيا ، التي عايشتها طيلة 13 عاما : دبلوماسيا وطالب دكتوراه ثم استاذا في جامعاتها . لايماني بان التصوف يشكل السمنت الذي يرمم من
    صخور الثقافات المختلفة ، بناء الحضارة الانسانية الشامخة . لاسيما وان الافكار الواردة في بحثي يمكن ان تكون هوامش لبحثكم القيم ، مع الود .

    الدين والاختلاف في حوار تآلف الحضارات

    ابراهيم الداقوقي – مدير المركز الاكاديمي للدراسات الاعلامية وتواصل الثقافات - فيينا


    اصدر الاتحاد الاوروبي وثيقة بتاريخ 16 /4/2005 دعا فيها - وايدته الادارة الاميركية - الى ضرورة " اجراء الحوار مع اسلاميين معتدلين في اوروبا والعالم الاسلامي " . فمن هم هؤلاء الاسلاميون المعتدلون ؟ !!!
    انها بالتأكيد لا تعني الجماعات الاسلامية - التي تصفها الاوساط الغربية بالمتطرفة و / او الاصولية - مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وحزب عوامي وائتلاف اتحاد مجلس الامل الباكستانيين او طالبان الافغاني ، او حزب " آباد جاران " المتشدد الايراني ... وانما الموافقة على بدء حوار مع جماعات ذات توجه إسلامي معتدل في الشرق الأوسط - سواءا اكانت في الحكم ام المعارضة - للتعاون معها . لاسيما وان الحديث يجري على لسان بعض المثقفين العرب والأجانب في الندوات والمحاضرات التي يتناولون فيها الاسلام ، عن اصطلاحات : الإسلام المتعدد أو الإسلام الشيعي والسني أو الإيراني والتركي والعريي بل الأميركي والأورويي أيضا، رغم أن الإسلام دين التوحيد ولا يعترف بالقومية أو التعددية الإسلامية . إذا ... من أين جاءت هذه التسميات غير العلمية والمتناقضة مع الإسلام الواحد: قرآنا وسنة وفقها؟!
    نقول : اذا كان تنوع التيارات الإسلامية ومحاولة كل تيار تفسير وتأويل الأحداث والقضايا الفقهية وفق منطلقاته الفكرية مع مراعاة خصوصيات الأقوام المؤمنة بتلك التيارات الإسلامية هو السبب الرئيس لميلاد مثل هذه الاصطلاحات ، بيد ان الإسلامين الأورويي والأميركي يتألفان من قوميات ولغات وثقافات ومذاهب متعددة . كما أن الإسلامين الشيعي والسني يغطيان بلدانا عديدة على وجه البسيطة اليوم، في حين ينفرد الإسلامان الإيراني والتركي بتولي الحكم في بلديهما عن طريق حزبين اسلاميين، مختلفين فقها ومذهبا وسياسة وتيارات. وإن بدى الاسلام التركي- الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا- وبتياراته الفكرية المختلفة : من الإسلاميين المحافظين الى الاشتراكيين المعتدلين والعلويين العلمانيين واليساريين الاجتماعيين ، غير متخاصم مع بعضه وهو في دست الحكم، على عكس الإسلام الإيراني الذي كادت الخصومات الفكرية بين أقطابه أن تطيح به من الحكم مرات عديدة. كما أن ذلك الإسلام التركي الإصلاحي ثورة على الإدارة السياسية البيروقراطية التي مارسها السياسيون الماكيافيليون طيلة الأربعين عاما الماضية من عمر الجمهورية التركية من جهة، والتزام بإجراء الإصلاحات الجذرية في جميع مناحي الحياة من جهة أخرى .
    ويمكننا تعريف مفهوم نمط الاسلام التركي ، بانه تيار التجديد الديني الذي يتخذ من العقل منارا وهاديا في قضايا الدين الاسلامي وتنفيذ شرائعه ، بالاعتماد على تجديد مفهوم التفسير وفق منطلقات العصر . وقد شرحته رئاسة الشؤون الدينية في بيانها الصادر عن مجمع المفتين في ختام اجتماعهم بتاريخ 13 يوليو/ تموز 2000 بالقول " انه نظرة جديدة للاسلام في اطار التجديد والحداثة من اجل فهم الاسلام على حقيقته ولتنفيذ شرائعه - اصولا وفروعا- باللغة التي يفهمها المؤمنون بها مع فتح باب الاجتهاد وتفسير القرآن ا لكريم - المصدر الرئيس للدين الاسلامي- وفق مفهوم العصر وفي ضوء متطلبات المجتمعات الاسلامية وفي اطار القيم الاسلامية في احترام حقوق الانسان وحرية العقيدة والوجدان وحماية حقوق المرأة وانقاذ الشباب من العادات والممارسات السيئة ، وحل مشاكل المجتمع بالحوار والتسامح باحترام اسلوب كل فرد في الحياة في اطار الديموقراطية مع الاعتراف بالرأي الآخر، واعادة النظر في كتب الفقه والحديث - كتب السنة ـ وتنقيتها من الشوائب والخرافات التي تتضمنها الاحاديث الموضوعة بوضع معجم فقهي جديد للمصطلحات مع محاولة توحيد دانرة الفتوى للتخلص من التفسيرات المختلفة وتناقضاتها " (1). ولذلك فقد علق الدكتور محمد نوري ييلماز، رئيس الشؤون الدينية، على البيان المذكور بالقول "لقد قدمنا للعالم نموذجا جديدا للاسلام المستنير القائم على العلم وحماية حقوق الانسان واحترام حقوق المرأة مع اخذ مستجدات العصر بنظر الاعتبار في تفسير القرآن الكريم بخطاب جديد ومقاربة حديثة مع روح العصر كمشروع وخيار حضاري للنهضة، في نموذج جديد نأمل ان يحتذى في العالم الاسلامي " (2).
    غير ان المجددين الاتراك، ينقسمون في نظرتهم الى هذه المبادئ من حيث المضمون والتفسير الى ثلاث فئات متميزة ، هي :
    أ- حركة التجديد العلمي: يقودها اساتذة كليات الالهيات (الشريعة) في الجامعات التركية امثال الاساتذة الدكاترة محمد آيدين ويشار نوري اوزتورك وروحي فيغلالي والاعلاميين الاساتذة سليمان آتش- رئيس الشؤون الدينية الاسبق- وفهمي قورو وعلى بولاج ، الذين يدعون الى عدم التقيد كليا بشعائرالدين والتمسك بالقرآن الكريم فقط- في رأي الدكتور يشار نوري اوزتورك بخاصة - مع تفسيره في ضوء معطيات العصر العلمية وممارسة العبادات باللغة التي يفهمها كل مسلم- أي عدم التقيد باللغة العريية في تلك الممارسات - واعتبار العمل الصالح أساسا للثواب والعقاب ، استنادا الى الآية الكريمة ( ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم) (البقرة/26). حيث يؤكد اصحاب هذا الاتجاه : اذا كان الصابئة الذين يمثلون المؤمنين بالعلمانية اليوم، لهم اجرهم عند الله، فان لنا- نحن المسلمين ايضا- اجرنا عند الله، أي ان العلمانية والاسلام يمكنهما التعايش جنبا الى جنب وفي وئام في العالم الاسلامي .
    ب- المجددون المعاصرون: يؤمن هؤلاء المجددون بانه لا يمكن الغاء او تغيير اسس الشريعة الاسلامية وفرائضه، ولكن يمكن لكل انسان ان يختار طريقه في الحياة بحرية واقتناع مادام باب الاجتهاد مفتوحا. ولما كان الاجتهاد عملا انسانيا فانه قابل للتغيير والتفسير حسب معطيات العصر- في ضوء حقوق الانسان- بديموقراطية وشفافية والاعتراف بالرأي الاخر والتعاون معه لحل كافة المشاكل في اطار من الحوار والتسامح . ويستند اتباع هذه الفئة في آرائهم الاختيارية الى الاية الكريمة (قل يا ايها الكافرون. لا اعبد ما تعبدون. ولا انتم عابدون ما اعبد) (الكافرون/ ا-3).
    ج - العلويون : تعني الفكرة العلوية اصطلاحا ، اشياع الامام علي بن ابي طالب ومريديه وسالكي نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الاخلاق مع احترام الآخر ( الانسان والحيوان والجماد ) لان الانسان - الذي هو خليفة الله على الارض - صورة من الامام علي وفاطمة الزهراء – قطبي الائمة الاثني عشرية - اضافة الى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد ، باعتبارهما من مخلوقات الله . اما من حيث المضمون ، فان العلوية نظرية فلسفية – اخلاقية قائمة بذاتها ، في اطار الدين الاسلامي الحنيف ذي الثقافة الوسطية المعتدلة . ولهذا فقد بدأت الجامعات الالمانية بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001 – 2002 في كليات الالهيات جميعها (3) .
    ولكننا عندما نطرح اسس الفكر العلوي - بكل اشكالياته - لا نرمي الى ان يكون بديلا عن الدين الاسلامي او تفضيلا له على الاديان الاخرى ، وانما كفكرة اصلاحية وكنموذج من نماذج الاسلام المتنور ، المنتشرة في العالم الاسلامي ، في خضم الاصوليات الدينية المسيسة : يهوديا ومسيحيا امريكيا واسلاميا . وقبل الدخول في تفاصيل ورقتنا ، فاننا نود ان نؤكد على ان محاربة الارهاب ، وكما ترومها اميركا بجعلها اجندة للعالم الغربي في اطار فكرة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) من خلال ربط الارهاب بالاسلام ، وبالخلط المتعمد بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال ، قدعزز من سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة في سياساتها الشرق أوسطية وساهمت بشكل كبير في تدهور المصداقية الأميركية . ومن هنا فقد تشكلت لدي الشعوب العربية والإسلامية قناعة راسخة بأن الولايات المتحدة تستعمل شعار الحرب على الإرهاب كوسلية للحرب على الإسلام في حقيقة الأمر ، لاغير . اضافة الى ان ذلك هو بمثابة ترسيخ لقواعد اللاعدالة الدولية والاستقطاب بين الفقر والغنى ، لان تلك الفكرة مصادرة للرأي العام العالمي الآخر ... الذي يحاول معالجة جذور بروز ظاهرة الارهاب بعيدا عن ايديولوجية صراع الحضارات والمعايير المزدوجة . كما اننا عندما نرفض هيمنة الايديولوجيات المسيطرة : الليبرالية الاميركية المعولمة المتسلطة ، والشوفينية الشيعية الاصولية الفارسية ( 4 ) والوطنية الفاشية الاسرائيلية والابنلادينية الاصولية الارهابية ، فاننا لا نرفض نمط الديموقراطية الاميركية – باعتبارها خيارا للشعب الاميركي – ولا ندعو لمقاطعة الحضارة الديموقراطية الليبرالية الغربية ، او تكفيرها . بل ندعو لخلق نمطنا الديموقراطي الخاص ... في اطار الديموقراطية الاجتماعية الغربية ، باعتبار ان حضارة اليوم هي تراكم تراث البشرية في مسيرتها المعرفية والعلمية والتكنولوجية والتي يجب ان يستفيد من انجازاتها ، البشرية كلها بعيدا عن الهيمنة والوصاية الفكرية وفرض العولمة المتوحشة علينا . لايماننا بضرورة قيام العلاقات الانسانية بين الشعوب على الحوار بدل النزاع ... وحل المشاكل بين الدول على اساس تبادل المنافع - في اطار الشرعية الدولية - بدل الحروب ، لتحقيق الامن والسلام في العالم .
    ومن هنا ، فاننا سنتناول اشكاليات الدين والسياسة او العلاقة المتشابكة والمتداخلة بين السياسة والدين في اطار الفكر العلوي ، ضمن المباحث الثلاثة التالية :

    المبحث الاول - مواصفات الاسلام المعتدل ضمن التجربة التركية :
    قال عبدالله جول، نائب رئيس الحزب- بعد الفوز الساحق في انتخابات 2002- ورئيس الوزراء للحكومة التركية الثامنة والخمسين " بأن حزب العدالة والتنمية ليس حزيا إسلاميا ". وأضاف أردوغان- رئيس الحكومة الحالي- الى ذلك قائلأ " انني لست أصوليا متطرفا وإنما أنا مسلم مثل بقية المسلمين في تركيا ومؤمن بتراث الشعب التركي وهويته التاريخية ولذلك فاننا نحترم طراز حياة واسلوب معيشة كل شخص في بلادنا ". واذا اضفنا الى اقوالهما تصريحات رئيس الشؤون الدينية التركية - الانفة الذكر - يكون زعماء حزب العدالة والتنمية، الموصوف بالاعتدال والمقبول فكريا وممارسة وديموقراطية من قبل الغرب الديموقراطي الليبرالي ... والاوساط الرسمية الاسلامية التركية ، قد رسموا مفهوم التوجه الديني الاسلامي التركي المعتدل ، في اطار الديموقراطية الاجتماعية الاوروبية ، بما يلي :
    1 - انه اسلام غير مسيس ، في ايمان صادق يستلهم التصوف العرفاني حول وحدة الاديان الحنيفة ، باعتبار ان ابراهيم الحنيف كان خليل الله واباً للانبياء ، كما ورد في التوراة ( سفر التكوين 13 -15 ) وانجيل متي ( 1: 1 ) والقران الكريم ( سور العنكبوت والنساء والبقرة وآل عمران) وان هذا التوجه يتناقض مع نظرية هنتنغتون في صراع الحضارات وحتمية نزاع الاديان .
    2 - لا يؤمن بالتعصب والطائفية والعنف ، وانما بالتسامح والديموقراطية والحوار ، لان الحوار نقيض الحرب والعدوان ، والطائفية الغاء للوطنية وحقوق المواطنة الانسانية .
    3 - يحاول ممارسة اصول الدين الاسلامي وفروعه وفق تعاليم القرآن والسنة النبوية ، البعيدتين عن الاجتهادات المتطرفة .
    4 - يحترم طراز حياة واسلوب تفكير الاخر ، بعيدا عن تكفيره او اقصائه او محاولة الهيمنة عليه ، بناءا على قول الامام علي بن ابي طالب " ان القرآن حمالة اوجه " .
    5 - يؤمن " بان الصحوة الدينية الحضارية لا تتحقق الا من خلال مزاوجة التقنية الغربية مع القيم الاسلامية ، وان هذه العملية يجب ان تتم من خلال التعليم لاعداد الكوادر الاسلامية المؤهلة التي تستطيع ان تتولى هذه المهمة بشكل تدريجي ومستمر" (5) .
    6 - يبرز الدين كعنصر من أهم ركائز الثقافة المعتدلة التي لاغني عنها في بناء المجتمع المتوازن : ‏تقوية علاقة الإنسان بربه‏,‏ وتحسين علاقاته بالاخر - من أتباع الديانات الأخري‏ - في حوار جاد وشفاف لتحسين الصورة والتفاهم واقامة العلاقات الانسانية لخير الجميع .
    7 - احترام المرأة ومساواتها بالرجل من خلال منحها كافة حقوقها بحيث استطاعت ان ترقى الى منصب الافتاء العام في تركيا " فقد تم تعيين إمرأتين في منصب مساعد المفتي العام في كل من مدينتي انطاليا وقيصري بتركيا ، مما يزيد من فرصتهما في الترقي لنيل منصب المفتي مستقبلا " (الشرق الاوسط - العدد الصادر في 4/9/2005 ) .
    8 - يسعى للتعرف علي ثقافات المجتمعات والشعوب الأخري‏.‏ لمعرفة جوانب الضعف والقصور فيها‏,‏ من اجل المقارنة وصولا لمعرفة مكانة ثقافته الحقيقية لممارسة التثاقف الخلاق بين ثقافات الشعوب في العالم‏.‏ لان الإسلام ثقافة اجتماعية، ذات أشكالات وآليات وأساليب تطوير متعددة ، ومنها " الاعتدال او الوسطية " الذي يسعى لحماية نفسه ضد الهيمنة والاستغلال والاستثمار بالتكوين التعبدي ، ليس من خلال الفكر الانتحاري والتكفيري وانما بالمشاركة في حركة الحياة والبناء بالتعاون والتعاطف مع الاخرين ..... مع ضرورة مقاومة السلطان الجائر بكل الوسائل المتاحة
    9 - ياخذ بالجوانب الايجابية من العولمة ويتصدى للعولمة المتوحشة - التي تسعى للهيمنة ونشر الوصاية الفكرية - من خلال دعوته لمقاومة الهيمنة والاستعمار الجديد من خلال الكفاح والنضال ضمن منظمات المجتمع المدني بالمظاهرات واعلان العصيان المدني والاعتصامات وغيرها .
    وقد استطاع اردوغان خلال السنتين الماضيتين من عمرحكومته التي تضم معظم اطياف المروحة السياسية التركية – عدا الشيوعيين والقوميين الشوفينيين – وكأنها حكومة وحدة وطنية ، تحقيق معظم برنامجه الاصلاحي في وقت قصير نسبياً منها: إلغاء عقوبة الإعدام، وحماية السجناء من التعذيب، وتعزيز حرية التعبير، والشفافية، ودولة القانون وإلغاء محاكم أمن الدولة والمحاكم الاستثنائية، والاعتراف بأولوية التشريعات الدولية على حساب القوانين الوطنية في مجالات حقوق الإنسان، واعتمادها بمثابة المرجعية بالنسبة للمحاكم التركية. كما عززت حكومة "أردوغان" سلطة البرلمان، وقوانين المساواة، ومراقبة نفقات القوات المسلحة، مثلما قلصت صلاحيات مجلس الأمن القومي. وأدى تقييد سلطات الجيش إلى خفض تأثيره في إدارة العلاقات الخارجية بخاصة مع اليونان حيث تمكنت الدبلوماسية التركية من القيام بدور إيجابي في حل أزمة جزيرة قبرص، ودخول الأخيرة عضوية الاتحاد الأوروبي في شهر مايو الماضي. وساعد رفع حالة الطوارئ في تمكين سكان أقاليم الجنوب الشرقي من ممارسة الحريات الأساسية علاوة على تحسين مستوى حياة الأكراد ، مع رفع سقف الحريات التي يتمتعون بها – لاول مرة – في تركيا . وقد ادى هذا التناغم السياسي وتعاون الاسلاميين – المعتدلين – مع العلمانيين المدنيين والعسكريين المعتدلين ، الذين لا يرفضون ولا يحاولون اقصاء الآخر ، الى ميلاد ( نموذج الاسلام التركي ) الديموقراطي الاصلاحي والحداثي .
    وقد ولد نمط الاسلام التركي المعتدل نتيجة تفاعل اربع حقائق اساسية– في الواقع التركي – خلال العقد الاخير من القرن العشرين ، هي :
    اولا – الحقيقة التاريخية القائمة على الثورات الكمالية ( 1924 – 1932 ) التي ارست اسس الاصلاح الاجتماعي في تركيا العلمانية وفق التوليفة الكمالية : الاسلام – القوميةالمعتدلة – الحداثة ، ونصب جنرالات الجيش الخمسة - العلمانيون المتعصبون والرافضون للاخر - انفسهم حماة للفكرة الكمالية ، وادي تدخلهم في السياسة بوقف المسيرة الديموقراطية الوليدة في تركيا - مرات عديدة - نتيجة انقلاباتهم العسكرية.
    ثانيا – الحقيقة السياسية القائمة – بعد الحرب العالمية الثانية – على التعددية السياسية الورقية ، ثم على التعددية الاجتماعية – السياسية بعد انقلاب 27 مايو / ايار 1960 العسكري واخيرا على التعددية الديموقراطية بعد تولي طورغوت اوزال لرئاسة الجمهورية (1990 – 1993 ) كأول رئيس جمهورية ذي اتجاه اسلامي في تركيا العلمانية ، يؤدي فريضة الحج ويدفع بالجمهورية التركية للانتماء الى منظمة المؤتمر الاسلامي .
    ثالثا – ردود فعل منظمات المجتمع المدني التركي الغاضبة والعنيفة ، ضد الانقلاب العسكري الابيض الذي قاده قائد القوات البحرية الجنرال غوان – وهو احد الجنرالات الخمسة الذين كانوا يؤلفون الحكومة الخفية المسيطرة على كل شئ في تركيا – عندما طالب رئيس الوزراء المنتخب نجم الدين اربكان ، في مجلس الامن القومي في اجتماعه المؤرخ 28/2/1997 " بضرورة القضاء على الرجعية التي ذرت بقرنها في البلاد والتي تعمل علنا للقضاء على العلمانية والثورات الكمالية من خلال دعوة شيوخ الجماعات الاسلامية الى طعام الافطار في مجلس الوزراء وغض الحكومة النظر عن النشاط الرجعي - أي النهوض الاسلامي المستنير - في البلاد وسماحها بفتح مدارس الائمة والخطباء ودورات تدريس القران في طول البلاد وعرضها " وإلا فان القوات المسلحة التركية – حامية النظام العلماني والديموقراطية الكمالية – ستتحرك لوضع الامور في نصابها . وكان المدعي العام الجمهوري ( وورال صاواش ) قد اقام - منذ تولي اربكان للحكم - دعوى امام محكمة الدستور لغلق حزب الرفاه بتهمة " الترويج لاقامة الجمهورية الاسلامية على غرار الجمهورية الاسلامية الايرانية ، في تركيا من خلال خطب زعماء الحزب " . وقد اصدرت محكمة الدستور قرارها باغلاق الحزب ، ورئيسه – لا يزال - في الحكم ، فاضطر اربكان – امام جميع هذه الضغوط - الى تقديم استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية في حزيران 1997 .
    لكن تسييس الاصولية العلمانية العسكرية – التي ترفض الراي الاخر رغم الديموقراطية التعددية المعترف بها دستوريا – للسلطة القضائية ، من اجل ضرب الخصوم ، وانتهاكها لحقوق الانسان التركي - الذي انتخب حزب الرفاه بالاكثرية النسبية بحيث فاز رئيسه ( اربكان ) برئاسة الوزارة - وعدم احترامها لخيارات الآخر ، قد أحدث شرخا في وجدان الراي العام التركي ، ورد فعل غاضب لدى الاغلبية الديموقراطية الليبرالية ، مما دفعهما الى مساندة حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002 ليس للفوز بالاكثرية النسبية – مثل الرفاه – فحسب ، وانما للفوز بالاكثرية المطلقة التي حملت رئيسه ( رجب طيب اردوغان ) ذي الاتجاه الاسلامي المعتدل ، الى سدة الحكم ، ودون الحاجة للائتلاف مع الاحزاب الاخرى .
    رابعا – ظهورالاسلاموفوبيا الذي يتلظى بنارها الغرب الديموقراطي الليبرالي – لاسيما الولايات المتحدة الاميركية – اليوم ، نتيجة سيطرة حليفتها السابقة ( منظمة القاعدة ) على مقاليد الامور في افغانستان ، واتخاذها قاعدة لتهديد انظمة الحكم العربية والاسلامية باتهامها بالمروق عن الاسلام ... ووصم الدول الغربية الديموقراطية الليبرالية بالكفر والالحاد واعلانها – أي القاعدة - الحرب على الجميع . وقد ادت احداث 11سبتمبر الارهابية – التي ركب ابن لادن موجتها – الى موجة من الهلع والرعب ، نتيجة الخوف من العمليات الارهابية المماثلة بعد اتهام الادارة الاميركية الجديدة بزعامة المحافظين الجدد ( الحكومة الخفية ) المسيطرة على مقاليد الامور في واشنطن ، للعرب والمسلمين برعاية وتمويل الارهاب الاصولي ( منظمة القاعدة ) واعلان الرئيس بوش الابن للحرب الاستباقية ضد افغانستان ثم احتلاله – مع حلفائه – للعراق ومحاولاته في تغيير وجه الشرق الاوسط الكبير الممتد من نواكشوط غربا الى حدود الصين الشعبية شرقا ، بقوة السلاح وباعلان حرب الافكار ضد المناوئين للهيمنة الاميركية ومعاييرها المزدوجة لاذلال الشعوب .
    وقد ادى هذا التهديد المزدوج البوشي – الابن لادني ، الى ارخاء القابضين على الحكم في العالمين العربي والاسلامي ... من قبضتهم على اعناق شعوبهم ، فتعالت مطالبات الاصلاح والديموقراطية والشفافية والتصالح الاجتماعي في معظم اقطار العالمين المذكورين من جهة ، كما سرت موجة من التسامح الفكري مع الاخر المعارض او المغرد خارج السرب ، وقويت شكيمة المجتمع المدني – في تلك البلدان – في التعبير الديموقراطي فكان التكيف السياسي – الاجتماعي لتقريب وجهات النظر حول القضايا العامة والمصيرية التي تشغل بال الراي العام في معظم تلك البلدان ، من جهة اخرى .

    المبحث الثاني - الفكر العلوي المعولم انسانيا :
    يؤكد معظم الفقهاء الايرانيين والاتراك بان العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الايرانية على ايدي ( لقمان بارندة ) ثم احمد يسوي ويونس أمره ( ت 1321 م ) في آسيا الوسطى ، والحاج بكتاش ولي ( 1210 - 1270 ميلادية تقريبا ) وهو من تلاميذ الشيخ احمد اليسوي الذي دفعه للذهاب الى النجف الاشرف لدراسة الفقه ، والشاه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 م ) في ايران وفضولي البغدادي ( 1481 – 1556 ) في العراق . وقد انتقل الحاج بكتاش ولي الى بلاد الاناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية - التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي – ومع (بابا ) الياس الذي كان قاضيا سنيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز - وهي الة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون - الذين يطلق عليهم ايضا ( الشعراء العشّاق ) ومعظمهم من الشعراء العلويين ، لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الاسلامي في الدولة العثمانية .
    ولذلك فان الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية السنية والشيعية - رغم انها ليست طريقة صوفية بحتة - في البلاد الاسلامية من افغانستان شرقا الى المغرب الاقصى وبمختلف اتجاهاتها الفكرية : اليسوية والبكتاشية وعلويو جبل العامل في لبنان والدروز والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية ( العبدالية ) والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والاخيّة ( الفتوّة ) والخشّابية ( تاختاجيلر ) واهل الحق والبابائية والبيرمية ( اسسها الشيخ الحاج بيرم ولى 1352-1429 م ) والدَدَئية ( نوع من الاخيّة ) والشبك العراقيين وطائفة النوري الافغانية والفرقة الحسنية ( وبضمنها العائلة الحسنية المالكة ) في المغرب وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية المعتدلة والتقدمية الانسانية ، لانها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّـقت باخلاق القرآن " لايمانها بان القران حمالة اوجه وبان العلم لا يدرك بالعقل فقط وانما بالعرفان ايضا " (6) . غير ان اكبر واعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية - التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الاخرى – وكذلك الصفوية الايرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب ، والحسنية ( الشرفية ) المغربية المنتشرة في شمال افريقيا .
    ومن هنا ، فان ثمة رأيين - من الناحية الدينية - حول العلويين : يذهب الرأي الاول الى انهم فرقة من المتصوفة الدراويش الذين لا يتقيدون بالشعائر الدينية ولا يلتزمون بفرائض الاسلام التي يفسرونها على هواهم ، في حين يؤمن اصحاب الرأي الثاني بان العلويين هم من الفرق الاسلامية الغالية ، ولذلك فانهم اقرب الى الشيعة الإمامية - كما قال البروفيسور عزالدين دوغان رئيس مؤسسة بيوت الجمع ، في تصريحاته الى صحيفة Star التركية في 25 / 8 / 2002 - من بقية المذاهب الاسلامية ، ولهذا فان اعظم المنتديات الثقافية الدينية التركية هو ( المنتدى الثقافي العلوى - البكتاشى ABKB ) في انقرة العاصمة .
    ورغم هذا الاختلاف الجذري بين الرايين ، فانهما يعتقدان بان العلويين اكثر الفرق الدينية تسامحا وديموقراطية وانسانية وتواضعا ، ويتجلى ذلك في اهتمام العلويين جدا بالعلاقات العامة مع الاخرين واحترام ارائهم . حيث يخاطب بعضهم بعضا بمودة واخاء ، حينما يصفونه بـ ( دوست ) أي الحبيب ، او يصفون مجموعة الاخرين بـ ( جانلر ) أي ايها الاحبة ، تقديسا لمعنى الإخاء والصداقة الحميمة ورغبة في اجراء الحوار معهم بكل حرية وديموقراطية ، لانهم يرفضون الخصام والصراع واعلان الحرب على الآخر " لان الحرب هي الرغبة القصوى في عدم الاستماع الى الآخر - او عدم اجراء الحوار معه - توطئة للقضاء عليه " . ولكنهم مقاتلون اشداء دفاعا عن حقوقهم ، كما انهم يرفضون الهيمنة والاستبداد لانهم يحترمون ذواتهم وذوات الآخرين ، مع تقديس العمل الذي يعهد اليهم ، فيؤدونه على احسن ما يرام ( 7 ) .
    اما تسامحهم مع الاخر - المسيء - فانه امر اعترف به لهم الاعداء قبل الاصدقاء ، فقد انتخب المسيحي اليوناني انطوناكي فارساميس ، وهو احد المسيحيين المؤمنين بالفكرة العلوية - مع الاحتفاظ بعقيدته المسيحية - شيخا في الخمسينات لأحد الاوجاقات ( المنتديات الثقافية ) البكتاشية في احدى قصبات مدينة بورصة " (8) . اضافة الى مساندة العلويين للمظلومين ودفاعهم عنهم في جميع المجالات ، مع ترجيحهم للعلم والمعرفة في حل المشاكل ، لان " العقل " هو قوة الخالق المقدسة .
    وتؤكد الكتب العلوية : المقالات و ولايتنامه ، للحاج بكتاش ولي (9) والاوامر ( بويروق ) لدى الشبك العراقيين والدروز، والانفاس والقصائد الشعرية لشعراء الساز العلويين ، بان العقائد العلوية تتألف من اربعة ابواب واربعين مقام . ويجب على الانسان ان يرتقي اربعين درجة ( مقام ) قبل ان يصل - الى الله تعالى - ليكون واصلا الى كنه الفلسفة العلوية ( الشريعة العلوية ) التي يوجزونها بعبارة : الشريعة بالولادة ، الطريقة بالاقرار ، وبمعرفة حقيقة النفس . لان الحقيقة هي ان تبحث عن الحق وتجده في داخلك . اما الابواب الاربعة فهي : الشريعة ، الطريقة ،المعرفة ، الحقيقة . وكل باب يتالف من عشردرجات ( مقام ) هي :
    اولا - باب الشريعة - ودرجاتها ، هي : . .
    1) حب الائمة 2) السعي وراء العلم 3) العبادة 4) الابتعاد عن المحرمات 5) ان يكون الفرد نافعا لعائلته 6) ان لا يلحق الاذى بالبيئة 7) اتباع اوامر النبي 8) ان يكون مشفقا وذا رحمة 9) ان يكون نظيفا 10) الابتعاد عن الاعمال الضارة بالاخرين وغير المجدية .
    ثانيا - باب الطريقة : ودرجاتها ، هي :
    1) التوبة 2) اتباع نصائح المريد "شيخ الطريقة" 3) الهندام النظيف 4) الكفاح و خوض الصراع من اجل الخير 5) تقديم الخدمات للمحتاجين 6 ) الخوف من ضياع الحقوق 7) تجنب اليأس 8) اخذ العبرة والدروس من الاخرين 9) توزيع الخيرات على المحتاجين والفقراء 10) ان لا يتجبّر او يتعالى او يستكبر على الاخرين .
    ثالثا - باب المعرفة :
    1)التحلي بالادب 2) الابتعاد عن الحقد والانانية وسوء النية 3) عدم الافراط في كل شئ 4) الصبر والقناعة 5) التحلي بالحياء 6) ابداء الكرم 7) تعلم العلم 8) التسامح واحترام الاخرين على اختلاف مشاربهم 9) معرفة الآخر 10 – معرفة الذات . . .
    رابعا - باب الحقيقة : :
    1) التواضع . 2) التغاضي عن عيوب الاخرين. 3) عدم التردد في تقديم المعونة عند المقدرة 4) حب كل مخلوقات الله 5) ان يرى الناس متساوين 6) التوجه نحو الاتحاد وعدم الفرقة 7) عدم اخفاء الحقيقة 8) الاهتمام بمعرفة الفراسة 9) التوجد لمعرفة السر الالهي 10) الوصول الى الوجود الالهي .
    ومن هنا يعتقد العلويون ، بان الاسلام يتكون من ثلاثة مذاهب- وليس مذهبين فقط – هي : السنة والشيعة والعلوية ، الذين – أي العلويين – يعدون انفسهم اكثر الفرق الاسلامية التصاقا بجوهر الاسلام وقيمه الفاضلة . فاذا كان المسلمون - بعد النبي - ينقسمون الى 73 فرقة . فان من يتبع طريق الاسلام الحقيقي - طريق اهل البيت والائمة الاثنى عشر- هم ( الفرقة الناجية ) .واما الاخرون ، فان مصيرهم جهنم . ومن هنا يعتقد العلويون - اي اولئك الذين يتبعون طريق اهل البيت - بانهم هم الفرقة الناجية . والذين يتلخص شعارهم بجملة ( تولى و تبرى ) بمعنى " اتبع اهل البيت والائمة الاثنى عشر ومن ثم سر في طريقهم واترك من لا يحبهم " فانهم جميعا من اهل النار . ولكن ذلك لا يعني رفضهم او اقصاءهم للاخر او عدم التعامل معهم " لأن الفكر الاسلامي المتنور قد تعانق مع الفكر العلوي المعولم انسانيا ، من اجل التفاهم والتعاون والمصالحة . لاسيما وانهم يمارسون جميع شعائر الدين الاسلامي وشروطه الخمسة : الشهادة والصلاة من خلال المقابلة والمصاحبة ، والزكاة بادائها للشيخ لكي يقوم بتوزيعها على المعوزين ، والصوم خلال عاشوراء ( لمدة 12 يوما ) والحج الى مكة المكرمة والى ضريح الشيخ بكتاش ولي .

    النتيجة :
    اذا كان العديد من الباحثين الغربيين يؤكد ان عصر العولمة قد سهلت سبل التواصل بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات وقدمت خلال عمرها القصير ، مفاهيم ودينامكيات متعددة من اجل تحقيق الشراكة المعرفية لملايين البشر، بحيث لم يعد بالإمكان إنتاج خطاب معزول عن العالم وانما يجب ان تتلاءم مع معطيات العالم المعاصر ، من خلال تلك الشراكة التي تعد إنجازا بالغ الأهمية لنا جميعا لانها ساهمت في التقريب بين الأفراد والجماعات المتجانسة وكذلك ذات المصالح المتقاطعة بالتثاقف وتعميق الروابط الحضارية - المعرفية بكل دلالاتها الإيجابية ... بيد ان محاولة العولمة هندسة البشر وفق النمط الأمريكي على حساب الحضارات والثقافات الاخرى وتهديدها للخصوصيات المحلية للآخر الرافض لتلك النمذجة المهيمنة ، تمثل الجانب السلبي للعولمة . ومن هنا كانت حركات المجتمع المدني ضد تلك العولمة المتوحشة ، التي كانت تضم المثقفين اليساريين والعمال والفلاحين والكسبة المعدمين ، والتي تمثلت بعبارة ( كفايه! ) التي اطلقتها "ثورة" الزاباتيستا في الأول من يناير 1994، وهو اليوم الذي بدأ فيه سريان اتفاقية النافتا (اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) . أما الذي جعل من صيحة المعركة "كفاية!" على هذه الدرجة الكبيرة من الأهمية هو أنها كانت رد فعل صريح ضد فرض النيوليبرالية على مجتمعاتهم من خلال اتفاقيات النافتا التي تم توقيعها في العام الذي سبق التنفيذ. وقد اصبح رد فعل الزاباتيستا على هجوم النيوليبرالية ، إلهاما للعديد من الحركات الأوروبية الناجحة في النصف الثاني من التسعينات، خصوصا الحركات الإيطالية التي سميت حركات مناهضة للعولمة مثل: يا باستا!‘ والأوفرلات البيض/العصاة (Tutte Bianchi/Disobedienti)، التي كانت تكتيكاتهم الهجومية وحتى المسرحية - على شكل عصيان مدني سلمي - علامة كبرى على الاحتجاجات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من عام 1999 وحتى 2001 وما بعدها. ان مثل هذه الحركات والتوجه الانساني الدولي ، تشكل القاعدة المتينة لحوار الشمال والجنوب . ومن هنا فقد جاءت دعوات المفكرين المنصفين والموضوعيين في الشمال والجنوب لإضفاء ملامح انسانية على العولمة المتوحشة الداعية للحروب الاستباقية ضد الآخر المعارض ، خدمة لمصالحها وايديولوجيتها المسيطرة . ولكن الموقف الرافض والمتعالي للقوى المهيمنة في دول الشمال ادى الى هذا الانشقاق الكبير والصدع الفكري العميق بين الشمال والجنوب ، ولهذا فان الواجب الانساني يحتم علينا إجراء المزيد من الحوارات بين المتخصصين في العلوم الدينية والاجتماعية لردم الفجوات التي تفصل بعضنا عن بعض ، كبشر ، من اجل إعلاء شأن الوطنية التوافقية والروح الديموقراطية التعددية التي تحترم التنوع والحريات والتآخي الإنساني السلمي ، لغرض ارساء اسس الاخاء والمودة بيننا جميعا ، خدمة للامن والسلام والاستقرار في العالم من جهة ، ومن اجل التثاقف السوي لتحقيق العدالة الاجتماعية واعمار الأرض .... باعتبارهما مسؤولية مشتركة لبني الإنسان علي اختلاف أديانهم وحضارتهم ، من جهة اخرى . لذلك فان الحوار يجب ان يعتمد على اساسين : احترام الاخر والتواصل الثقافي - مع ممارسة حق الخصوصية الثقافية - اللذين يشكلان اساس الحوار المنطقي والمتوازن - بعيدا عن الافكار القبلية المسبقة - من جهة ، وقاعدة اساسية لحل كافة النزاعات والمشاكل ، من جهة اخرى . غير ان ممارسة حق الخصوصية يجب ان لا تلغي حق الاختلاف الثقافي وممارسته بحرية ، التزاما بالمبادئ الدستورية الحديثة وتنفيذا لمواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطنة . ولهذا يجب ان لا يكون ثمة تعارض بين الحقين ... وبعبارة اخرى : ان هذين الحقين يمنحان للمسلم - القاطن في اوروبا مثلا - حرية ممارسة شعائره الدينية استنادا الى حق الخصوصية الثقافية - الدينية من جهة ، ويرتب عليه واجبات الاندماج في المجتمع الاوروبي العلماني ، استنادا الى حق التعاقد الاجتماعي الذي بني عليه النظام السياسي في اوروبا ، من جهة اخرى . أوَ لم يؤكد القران الكريم { لكم دينكم ولي ديني } ؟ واكد حرية العقيدة والوجدان باوسع معانيها بالقول { ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } . وقال مولانا جلال الدين الرومي : (10)
    " تعالَ ،
    تعالَ لتكون معنا ،
    مَن تكن ،
    كافراً ، وثنيا ، او مجوسيا .
    تعالَ ، وإن تكن قد تبتَ مئة مرّة ، يكفي ان نكون معاً .
    لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط " .
    في حين اكد احد الشعراء العلويين المحدثين :
    أنت أخي ما دمت محترما حقـــــــــــــي آمنت بالله أم آمنت بالحجر
    ونصت الفلسفة العلوية في ( باب المعرفة ) على " التحلي بالادب والصبر والقنا عة والحياء .و الابتعاد عن الحقد - أي الكراهية التي تعد من خصال الجاهلية وجهل مطبق بالحياة العصرية وتشابكاتها وعلاقاتها المتداخلة مع عدم رفض الآخر - وكذلك الابتعاد عن الانانية - التي هي دليل المكابرة والاستعلاء والغطرسة ورفض الآخر ومحاولة الهيمنة بشن الحروب - ايمانا بفضيلة الحوار . و عدم الافراط في كل شئ - أي عدم التطرف - مع ابداء الكرم و تعلم العلم . والتسامح واحترام الاخرين على اختلاف مشاربهم ، من اجل ازالة الحقد والكراهية والتطرف من النفوس ( استنادا الى الحديث الشريف : لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من الكبر - الصحيحان ) ، توطئة لمعرفة الآخر ، وصولا الى معرفة الذات ( أي الله تعالى ) . . . " .
    ولكن ، يجب ان نعترف - بعد هذه المقدمة الطويلة - بان ثمة خطاباً دينيا اصوليا متطرفا وارهابيا : شرقيا وغربيا - يبشر بالعداء والكره والإقصاء للآخر، وباحتكار الحقيقة - يقف حائلا دون تحقيق الغاية النبيلة التي تقف وراء فكرة احترام الآخر والتواصل الثقافي ، في اطار اجراء الحوار للاتفاق على سبل تنفيذهما ، خدمة لانسان القرن الحادي والعشرين . لاسيما وان ذلك الخطاب لا يزال حتى الان مقدم - بل ومهيمن - على أية خطابات أخرى في العالم ، ولهذا فهو الأعلى صوتا ... لان مروّجيه يؤمنون بصحته المطلقة ، ويريدون نشره وتعميمه ، بل وفرضه على الاخر . فقد مضي حتي الآن أكثر من ربع قرن والعالم الإسلامي الواسع في الشرق ، لا يسمع سوي صوتا واحدا ومرتفعا للإسلام ‏,‏ هو ذلك الصوت الذي رفع شعارات السلفية المتشددة‏,‏ والجهاد المتواصل‏ ,‏ وتغييرالواقع بالقوة‏ والعنف مع عدم المشاركة في أنشطة المجتمع المختلفة ‏, كرد فعل لفشلها في تحقيق الاصلاح والتغيير ورفض الآخر غير المؤيد او المساند لتلك الايديولوجية المسيطرة الشمولية - الاصولية المتطرفة ، البعيدة عن روح الاسلام المتسامح الذي يدعو الى التحاور والمجادلة بالحسني والاقتراب من الآخر والإيمان بالأديان السماوية . ولقد استغلت القوى الشوفينية الدولية هذه المواقف الخاطئة لإعلاء خطاب المحافظين الجدد المسيطرين على الادارة الاميركية بايديولوجيتهم الاصولية الممزوجة بالمسيحية الاميركية المتصهينة ( 11 ) في طروحاتهم الوطنية الشوفينية المتطرفة ورغبتهم في السيطرة على العالم - وهي الفكرة التي يرفضها الفاتيكان - والتي تتمثل بنظرية تحويل القرن الحادي والعشرين الى قرن اميركي بحروبهم الاستباقية على مفتاحي الشرق والموارد الطبيعية - اقصد بهما افغانستان والعراق . ثم كانت حربهم الفكرية وتصوراتهم الاعلامية التي تكاد تمحو الفارق الشاسع بين المسلم العادي - المسالم والراغب في حياة طبيعية - وبين أفراد منظمة القاعدة وسائر الإرهابيين الذين يراهم الغربيون على شاشات التلفزة وهم يقطعون الرؤوس ويهددون بتدمير العالم ، بمن فيهم المسلمين أنفسهم الذين لا يوافقونهم الرأي .
    ان خطاب الايديولوجيات المسيطرة : الليبرالية الاميركية المعولمة المتسلطة ، والشوفينية الشيعية الاصولية الفارسية والوطنية الفاشية الاسرائيلية والابنلادينية الاصولية الارهابية ، تحاول اليوم فرض ايديولوجيتها الاصولية الارهابية - المتطرفة ، على العالم بالقوة الغاشمة من خلال العولمة المتوحشة . لان ذلك الخطاب ينبني على الغطرسة والطموحات الإمبريالية والفكر الاحادي مع رفض الآخر، وليس على التعاون مع القوى الأخرى للتصدي للمشكلات التي يعاني منها العالم .
    وقد ادى ذلك الخطاب الايديولوجي الاصولي المزدوج ( الاسلامي والامريكي - الصهيوني ) وتبادل الاتهامات ثم رفض احدهما للآخر ، الى خلق نوع من عدم الثقة بين الجانبين ، وقامت الايديولوجيات المسيطرة الاخرى – الشرقية والغربية المستفيدة من عدائهما – بحفر الابار العميقة في طريقهما للايقاع بهما معا . ولكن - ومع كل ذلك - يمكن التقاء حركة التقدم العربي الديموقراطي المستنير مع الحضارة الغربية في منتصف الطريق - مرة اخرى ، للانتقال بالحوار من السجال الفكري المشحون بالخصومات والاحكام المسبقة والصور النمطية المقولبة إلى التحالف الحضاري المبدع ... بمحاولة انسنة القرارات الدولية لحل المشاكل المزمنة في العالم بالعدل والانصاف . وعلى رأسها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بما يحقق قيام دولتين ديمقراطيتين عربية وعبرية في المنطقة ، مع ضمان حدودهما واستقلالهما معا . اضافة الى تجديد الثقة بسماحة الاديان كمصدر للروح الانسانية الخلاقة ، من اجل نزع اشواك الارهاب وغطرسة الهيمنة من ازاهير الحضارات والثقافات ، لاجراء التحولات العميقة في العلاقات الدولية رغبة في السلام وتحقيق التنمية الحضارية لكل البشر . والسؤال الذي يطرحه كل المحللين السياسيين - من المسلمين والغربيين - هو : ما العملُ إذن؟ وكيف يمكننا - اليوم - انقاذ انفسنا والحضارة من شرور الارهاب الاعمى ؟
    نقول مع اولئك الباحثين الموضوعيين : ان اتهام الاسلام وحده او الغرب بوحده ( ومعه اسرائيل ) بالارهاب ، سوف لن يدفع هؤلاء الشبان الانتحاريين الملغومين بالعجز والقنوط واليأس من الحياة الدنيا ، والتوق للحياة الاخرى ... الى التخلى عن تدمير انفسهم والاخرين . وانما يتم ذلك من خلال عدم احتقار الآخر ( القاتل والمقتول ) ونبذ فكرة صراع الثقافات وكذلك الاحكام المسبقة حول الاخر ، مع ضرورة تأكيد مراجع الاديان بان ( طريق الخلاص ) ليس بوضع الغوييم ( الغرباء الآخرين ) في الجحيم - كما يعتقد اليهود - ولا بالقضاء على الاسلام والكونفوشيوسية ، مثلما يؤمن دعاة صراع الحضارات من المحافظين الجدد في اطار المسيحية الاميركية المتصهينة- التي ترفضها الفاتيكان - المستندة على المفاهيم الشتراوسية ، ولا برفض الاصولية الاسلامية للآخر وتكفيره ... وانما من خلال اخراج الديانات - السماوية وغير السماوية - من المعترك السياسي ، باعتراف كل طرف بعقائد الاطراف الاخرى ، في تصالح حضاري تعلنه المراجع الدينية على الملأ . وهو الامر الذي اعلنه الفاتيكان - في خطوة حضارية انسانية منذ العام 1964فقد " أقرّ المجمع الفاتيكاني في 21 نوفمبر من عام 1964بموافقة 2151، ومعارضة خمسة فقط من أعضائه، نصاً يقول: ".. بيد أن تدبير الخلاص يشمل أيضاً أولئك الذين يؤمنون بالخالق، وأولهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر. ... أما الإطلالة الأولى للبابا الجديد على الإسلام فقد جاءت في مدينة كولونيا في ألمانيا (مسقط رأسه) مع مسلمين أتراك من الذين استوطنوا ألمانيا وأصبحوا من رعاياها. وترافقت هذه الإطلالة مع إطلالتين له على اليهود وعلى المسيحيين الإنجيليين، الأمر الذي يرسم الإطار العام لموقف الفاتيكان الجديد من غير الكاثوليك " ( محمد السماك / الاتحاد في 26/8/2005 ) . كما ان " أساقفة الكنيسة الانجليكانية اقترحوا ( الاثنين 199/9/2005 ) ان يعتذر القادة المسيحيون من المسلمين عن حرب العراق . تصحيحاً للخطأ الذي ارتكبته الحكومة البريطانية ، ففي تقرير بعنوان “مكافحة الارهاب: السلطة والعنف والديمقراطية بعد 11 سبتمبر/ ايلول”، بلورت مجموعة عمل بتكليف من الكنيسة البريطانية افكاراً عن “العلاقة المعقدة بين الدين والعنف” ودرست كيف يستطيع “تقليد اعلان التوبة” في الكنيسة ان يسهم في “المصالحة” بين الغرب والمسلمين " ( صحيفة الخليج - في 20/9/2005 ) . مع ضرورة تنقية علاقة الدين بالدولة من الشوائب والاجتهادات المتطرفة ، في مشروع حضاري تجتمع لاعداده المرجعيات الدينية - الحضارية في العالم ، في رؤية انسانية تستنكر الارهاب - والارهابي : من كان ومن اية ديانة او قومية ، لانه لا ديانة ولا قومية له - وتحترم الاخر ومجتمعه ودينه ، على ان يصدر كوثيقة دولية ملزمة ، وفي تصد واضح للارهاب الفردي والجمعي والدولي بشجاعة وارادة قوية ، ليس فقط من خلال القوة والعنف وانما بمعالجة اسبابه ومسبباته اقتصاديا واجتماعيا ، ايضا .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
    (*) Prof.Dr.Ibrahim Elias Dakuki , Director General of the Centre of Media & Interculturel Dialog Researches - Wienna - AUSTRIA
    1 - الصحف التركية الصادرة في 14/7/2000
    2 - صحيفة الزمان التركية ، الصادرة بتاريخ 16/7/2000
    3 - ابراهيم الداقوقي ، العلويون ... من هم والى اين ؟ ، مجلة عالم الغد - العدد الثاني / خريف 2004 - فيينا ، ص ص 36 - 42 .
    4 - ومن هنا ايضا تختلف الشيعية الفارسية ، عن الشيعيتين الاناضولية والعراقية بثلاثة اختلافات ، هي :
    أ - ان الشيعة العراقية والاناضولية غير مسيسة اصوليا .
    ب - ان الشيعة الايرانية ( الفارسية ) التي ولدت على يد رجل الدين السني جنـيّد الصفوي ، مؤسس الطريقة الصفوية العلوية في القرن الخامس عشر - حيث كانت ايران سني المذهب - وهو جد الشاه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 ) ، كانت مسيسة وقومية منذ البداية . حيث اراد بها جنيد وابنه حيدر - والد الشاه اسماعيل الصفوي - تعبئة الايرانيين ضد العثمانيين السنة في صراعهما الدامي للاستيلاء على الشرق لاعادة امجاد الامبراطورية الفارسية القديمة ، بتغليب العنصر الفارسي - وهم اقلية - علي الاكثرية الايرانية غير الفارسية . في حين ان الشيعة العراقية لا تؤمن بالقومية ولا تتخذها ستارا للهيمنة على الآخرين ، ايمانا منها بالتسامح والاخاء الاسلامي . ومواقف المرجعية الشيعية العراقية المعتدلة منذ الاحتلال الانكليزي للعراق ( 1914 ) من احداث العراق والمنطقة ... بين الرفض والتعاون ، وحتى سقوط نظام صدام حسين ، والتي تعتمد على ترجيح الجانب الوطني - وليس القومي او الطائفي - على الجانب المذهبي ، بالرغم من تدخلات ايران - منذ الثورة الاسلامية - لتغيير هذا الواقع العراقي . وذلك بمحاولة فرض مفهوم ( دولة ولاية الفقيه ) المؤدلج سياسيا على العراقيين - لتحقيق هيمنتها على العراق - وليس بالمفهوم الفقهي ، كما يؤمن العراقيون .... خير دليل على ذلك .
    والمعروف ان عائلة الشيخ جنيد الصفوي ، هي تركمانية آذرية ، كما ان الشاه اسماعيل الصفوي ، يعد - حتى اليوم - احد الشعراء الاتراك الكلاسيكيين . فقد طبعت حكومة اذربيجان السوفييتية - سابقا- ديوانين له خلال 1958 - 1960 هما : ديوان خطائي - وهو مخلص اسماعيل الصفوي - عام 1958 وديوان ( الدهنامه) عام 1960، الذي يعارض به شاهنامة الفردوسي . وكلا الديوانين باللغة الآذرية التركمانية وبالحروف العربية .
    ج - لا تؤمن الشيعة العراقية بفكرة تصدير المذهب الشيعي كايديولوجية مسيطرة - مثل النظام الايراني - الى العالم الاسلامي ، لاقامة الوحدة الاسلامية بالقوة القاهرة - التي دعا اليها آية الله الخميني ، قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية ، واكدها قادة النظام بالاحتفاظ بالجزر العربية الثلاث التي استولى عليها الشاه محمد رضا بهلوي ، وجددها الرئيس المنتخب الجديد احمدي نجادي ، اليوم .
    ومن هنا نبعت ( الشيعافوبيا ) في الشرق الاوسط ، بعد ان اكد الملك عبدالله الثاني محاولة ايران " اقامة الهلال الخصيب الشيعي " واستنكار دول الخليج العربية ، تصدير ايران لـ " الثورة الاسلامية " الى العالم الاسلامي ، وتحولها الى دولة ذات ايديولوجية مسيطرة في الشرق الاوسط .
    5 - مقابلة اجريناها مع الشيخ فتح الله غولان ، زعيم الجماعة النورسية ، نشرت في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية - العدد الصادر في 3 كانون الاول 1995 .
    6 - , Haci Bektas Velinin Velayetnamesi - Ankara 1958 Abdulbaki Görpinarli
    7 - ولذلك فقد كان البكتاشيون - العلويون ، هم عماد ( الجند الجدد الراجلة ) للجيش العثماني .
    8 - Ahmet Tashgin , Alevi inanci : Bir Alan Arastirmasinin Sonuclari ,Aleviler - alewitten . com
    9 - Abdulbaki Görpinarli , op.cit
    10 - جلال الدين الرومي ، المثنوي - ديوان شعر بالفارسية - طبعة 1964 طهران .
    11 - Stephen Zunes , The Influence of the Christian Right on U.S. Middle East Policy , FPIF Policy Report - June 2004 ( It appears, then, that right-wing Christian Zionists are, at this point, more significant in the formulation of U.S. policy toward Israel than are Jewish Zionists, as illustrated by three recent incidents.)

    [align=center]اكاديمي اعلامي ومتخصص بالشؤون التركية واستاذ الدراسات الشرقية المقارنة.

    انتقل إلى رحمة الله تعالى في كانون ثاني 2008[/align]

  7. #7
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عامر العظم مشاهدة المشاركة
    سامحنا يا أستاذ ابراهيم..موضوعك يحتاج إلى رجال حوار ..هم يكتبون عن أهمية الحوار وحوار الحضارات والأديان والثقافات هنا وهناك ولا يتحاورون عندما يوضعون على المحك!
    يتحدثون عن الضعف والهوان وأهمية نهوض الأمة وعندما أتيحت لهم الفرصة الذهبية للإنضمام إلى أعظم قوة فكرية عربية مؤثرة، تلاشوا!
    أرسلت عن موضوعك إلى 4500 عقل في المجموعة الإخبارية!
    تحية حوارية
    لا تحدثني عن أناس لا يطيقون إلا الإشاعات المغرضة الكاذبة، ولا يبتغون إلا صغار الموائد والمنتديات، فما قيمة هؤلاء أمام كبريات الأفكار التي بها حراك المجتمعات والإنسان،
    إنني لا أتحدث عن حوار الملفقين والكذابين من أبناء مسليمة الكذاب، ولا أتحدث عن التحاور مع المنافقين والمغرضين من أتباع ابن أبي العوجاء، إنما أتحدث عن أناس كتبت في قلوبهم سطور المحبة والإخاء للغير، وهم يطلبون أن يكونوا مجسدين لحقيقة العفو الذي أراده الإسلام للمسلمين ولغيرهم، فشكرا أخي على التعقيب، مع متمنياتي لكم بالتوفيق والسداد.


  8. #8
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نذير طيار مشاهدة المشاركة
    طرح راق جدا, نحب أن يعم في منتدياتنا, هو جديد في موضوعه, مستفز في عنوانه, عذب سلس في لغته, دقيق رقيق في منهجه, يخاطب العقل ويلامس الروح, أرجو أن يساهم في تقديم صورة صحيحة عن الصوفية الحقة, بعيدا عن ردود الأفعال التكفيرية التي لم تستثن فرقة ولا مذهبا ولا طائفة.
    أرجو أن لا تبخل علينا بدراساتك كلها.
    التصوف حسن الخلق, ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف
    من عرف ذاق ومن لم يعرف لم يذق
    تحية عرفانية
    بالمناسبة لم أطلع على المقال إلا اليوم
    إن التصوف سيبقى الصورة الحقيقية للإسلام،
    فإما أن تتصوف الشعوب الإسلامية، وإما أن تتوهب أو أن تتشيع،
    فالتوهب مضيعة للحياة، والتشيع خنق للإرادات،
    ونحن لسنا ممن يهيل التراب على الحياة، ولاممن يمارسون الحنق على الآخرين، فالتصوف سلسبيل مرصوف في طريق من يريد التوحد في هذه الحياة، فأحييك بتحية صوفية.


  9. #9
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د- صلاح الدين محمد ابوالرب مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سيدي الفاضل الكلام في الصوفية يقرا ويدور في الوجدان لحالة صوفية او وسيلة فكرية
    وهذه يصعب الحوار فيها انما هى للغوص
    وحتى في تعليقك كنت فيلسوفا
    اما موضوع الهجمة على الدين الا سلامى وصراع او حوار الحضارات فهذا موضوع اخر يحتاج لقراءة
    تحية
    على عموم الفضل فالحوار مفتوح، وبيننا التاريخ، فإما الحوار، وإما أن تجني الأمة خسارة التاريخ والمستقبل،
    أتمنى أن نكون موفقين لخدمة هذه الأمة المنكوبة.
    لك مني ألف ألف وردة.


  10. #10
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم الداقوقي مشاهدة المشاركة
    اخي الاستاذ الباحث ابراهيم الوراق
    اعجبتني دراستكم العلمية حول التصوف والحوار ، وكنت قد تطرقت الى الموضوع نفسه في مؤتمر اليونسكو المنعقد تحت شعار ( الدين والاختلاف وحوار الحضارات ) في جامعة منوبة بتونس العاصمة ( 23-27 نوفمبر 2005 ) بورقتي المعنونة ( الدين والاختلاف وحوار تآلف الحضارات ) لدى حديثى عن فرقة التصوف العلمانية الانسانية العلوية الاناضولية- تركيا ، التي عايشتها طيلة 13 عاما : دبلوماسيا وطالب دكتوراه ثم استاذا في جامعاتها . لايماني بان التصوف يشكل السمنت الذي يرمم من
    صخور الثقافات المختلفة ، بناء الحضارة الانسانية الشامخة . لاسيما وان الافكار الواردة في بحثي يمكن ان تكون هوامش لبحثكم القيم ، مع الود .

    الدين والاختلاف في حوار تآلف الحضارات

    ابراهيم الداقوقي – مدير المركز الاكاديمي للدراسات الاعلامية وتواصل الثقافات - فيينا


    اصدر الاتحاد الاوروبي وثيقة بتاريخ 16 /4/2005 دعا فيها - وايدته الادارة الاميركية - الى ضرورة " اجراء الحوار مع اسلاميين معتدلين في اوروبا والعالم الاسلامي " . فمن هم هؤلاء الاسلاميون المعتدلون ؟ !!!
    انها بالتأكيد لا تعني الجماعات الاسلامية - التي تصفها الاوساط الغربية بالمتطرفة و / او الاصولية - مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وحزب عوامي وائتلاف اتحاد مجلس الامل الباكستانيين او طالبان الافغاني ، او حزب " آباد جاران " المتشدد الايراني ... وانما الموافقة على بدء حوار مع جماعات ذات توجه إسلامي معتدل في الشرق الأوسط - سواءا اكانت في الحكم ام المعارضة - للتعاون معها . لاسيما وان الحديث يجري على لسان بعض المثقفين العرب والأجانب في الندوات والمحاضرات التي يتناولون فيها الاسلام ، عن اصطلاحات : الإسلام المتعدد أو الإسلام الشيعي والسني أو الإيراني والتركي والعريي بل الأميركي والأورويي أيضا، رغم أن الإسلام دين التوحيد ولا يعترف بالقومية أو التعددية الإسلامية . إذا ... من أين جاءت هذه التسميات غير العلمية والمتناقضة مع الإسلام الواحد: قرآنا وسنة وفقها؟!
    نقول : اذا كان تنوع التيارات الإسلامية ومحاولة كل تيار تفسير وتأويل الأحداث والقضايا الفقهية وفق منطلقاته الفكرية مع مراعاة خصوصيات الأقوام المؤمنة بتلك التيارات الإسلامية هو السبب الرئيس لميلاد مثل هذه الاصطلاحات ، بيد ان الإسلامين الأورويي والأميركي يتألفان من قوميات ولغات وثقافات ومذاهب متعددة . كما أن الإسلامين الشيعي والسني يغطيان بلدانا عديدة على وجه البسيطة اليوم، في حين ينفرد الإسلامان الإيراني والتركي بتولي الحكم في بلديهما عن طريق حزبين اسلاميين، مختلفين فقها ومذهبا وسياسة وتيارات. وإن بدى الاسلام التركي- الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا- وبتياراته الفكرية المختلفة : من الإسلاميين المحافظين الى الاشتراكيين المعتدلين والعلويين العلمانيين واليساريين الاجتماعيين ، غير متخاصم مع بعضه وهو في دست الحكم، على عكس الإسلام الإيراني الذي كادت الخصومات الفكرية بين أقطابه أن تطيح به من الحكم مرات عديدة. كما أن ذلك الإسلام التركي الإصلاحي ثورة على الإدارة السياسية البيروقراطية التي مارسها السياسيون الماكيافيليون طيلة الأربعين عاما الماضية من عمر الجمهورية التركية من جهة، والتزام بإجراء الإصلاحات الجذرية في جميع مناحي الحياة من جهة أخرى .
    ويمكننا تعريف مفهوم نمط الاسلام التركي ، بانه تيار التجديد الديني الذي يتخذ من العقل منارا وهاديا في قضايا الدين الاسلامي وتنفيذ شرائعه ، بالاعتماد على تجديد مفهوم التفسير وفق منطلقات العصر . وقد شرحته رئاسة الشؤون الدينية في بيانها الصادر عن مجمع المفتين في ختام اجتماعهم بتاريخ 13 يوليو/ تموز 2000 بالقول " انه نظرة جديدة للاسلام في اطار التجديد والحداثة من اجل فهم الاسلام على حقيقته ولتنفيذ شرائعه - اصولا وفروعا- باللغة التي يفهمها المؤمنون بها مع فتح باب الاجتهاد وتفسير القرآن ا لكريم - المصدر الرئيس للدين الاسلامي- وفق مفهوم العصر وفي ضوء متطلبات المجتمعات الاسلامية وفي اطار القيم الاسلامية في احترام حقوق الانسان وحرية العقيدة والوجدان وحماية حقوق المرأة وانقاذ الشباب من العادات والممارسات السيئة ، وحل مشاكل المجتمع بالحوار والتسامح باحترام اسلوب كل فرد في الحياة في اطار الديموقراطية مع الاعتراف بالرأي الآخر، واعادة النظر في كتب الفقه والحديث - كتب السنة ـ وتنقيتها من الشوائب والخرافات التي تتضمنها الاحاديث الموضوعة بوضع معجم فقهي جديد للمصطلحات مع محاولة توحيد دانرة الفتوى للتخلص من التفسيرات المختلفة وتناقضاتها " (1). ولذلك فقد علق الدكتور محمد نوري ييلماز، رئيس الشؤون الدينية، على البيان المذكور بالقول "لقد قدمنا للعالم نموذجا جديدا للاسلام المستنير القائم على العلم وحماية حقوق الانسان واحترام حقوق المرأة مع اخذ مستجدات العصر بنظر الاعتبار في تفسير القرآن الكريم بخطاب جديد ومقاربة حديثة مع روح العصر كمشروع وخيار حضاري للنهضة، في نموذج جديد نأمل ان يحتذى في العالم الاسلامي " (2).
    غير ان المجددين الاتراك، ينقسمون في نظرتهم الى هذه المبادئ من حيث المضمون والتفسير الى ثلاث فئات متميزة ، هي :
    أ- حركة التجديد العلمي: يقودها اساتذة كليات الالهيات (الشريعة) في الجامعات التركية امثال الاساتذة الدكاترة محمد آيدين ويشار نوري اوزتورك وروحي فيغلالي والاعلاميين الاساتذة سليمان آتش- رئيس الشؤون الدينية الاسبق- وفهمي قورو وعلى بولاج ، الذين يدعون الى عدم التقيد كليا بشعائرالدين والتمسك بالقرآن الكريم فقط- في رأي الدكتور يشار نوري اوزتورك بخاصة - مع تفسيره في ضوء معطيات العصر العلمية وممارسة العبادات باللغة التي يفهمها كل مسلم- أي عدم التقيد باللغة العريية في تلك الممارسات - واعتبار العمل الصالح أساسا للثواب والعقاب ، استنادا الى الآية الكريمة ( ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم) (البقرة/26). حيث يؤكد اصحاب هذا الاتجاه : اذا كان الصابئة الذين يمثلون المؤمنين بالعلمانية اليوم، لهم اجرهم عند الله، فان لنا- نحن المسلمين ايضا- اجرنا عند الله، أي ان العلمانية والاسلام يمكنهما التعايش جنبا الى جنب وفي وئام في العالم الاسلامي .
    ب- المجددون المعاصرون: يؤمن هؤلاء المجددون بانه لا يمكن الغاء او تغيير اسس الشريعة الاسلامية وفرائضه، ولكن يمكن لكل انسان ان يختار طريقه في الحياة بحرية واقتناع مادام باب الاجتهاد مفتوحا. ولما كان الاجتهاد عملا انسانيا فانه قابل للتغيير والتفسير حسب معطيات العصر- في ضوء حقوق الانسان- بديموقراطية وشفافية والاعتراف بالرأي الاخر والتعاون معه لحل كافة المشاكل في اطار من الحوار والتسامح . ويستند اتباع هذه الفئة في آرائهم الاختيارية الى الاية الكريمة (قل يا ايها الكافرون. لا اعبد ما تعبدون. ولا انتم عابدون ما اعبد) (الكافرون/ ا-3).
    ج - العلويون : تعني الفكرة العلوية اصطلاحا ، اشياع الامام علي بن ابي طالب ومريديه وسالكي نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الاخلاق مع احترام الآخر ( الانسان والحيوان والجماد ) لان الانسان - الذي هو خليفة الله على الارض - صورة من الامام علي وفاطمة الزهراء – قطبي الائمة الاثني عشرية - اضافة الى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد ، باعتبارهما من مخلوقات الله . اما من حيث المضمون ، فان العلوية نظرية فلسفية – اخلاقية قائمة بذاتها ، في اطار الدين الاسلامي الحنيف ذي الثقافة الوسطية المعتدلة . ولهذا فقد بدأت الجامعات الالمانية بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001 – 2002 في كليات الالهيات جميعها (3) .
    ولكننا عندما نطرح اسس الفكر العلوي - بكل اشكالياته - لا نرمي الى ان يكون بديلا عن الدين الاسلامي او تفضيلا له على الاديان الاخرى ، وانما كفكرة اصلاحية وكنموذج من نماذج الاسلام المتنور ، المنتشرة في العالم الاسلامي ، في خضم الاصوليات الدينية المسيسة : يهوديا ومسيحيا امريكيا واسلاميا . وقبل الدخول في تفاصيل ورقتنا ، فاننا نود ان نؤكد على ان محاربة الارهاب ، وكما ترومها اميركا بجعلها اجندة للعالم الغربي في اطار فكرة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) من خلال ربط الارهاب بالاسلام ، وبالخلط المتعمد بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال ، قدعزز من سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة في سياساتها الشرق أوسطية وساهمت بشكل كبير في تدهور المصداقية الأميركية . ومن هنا فقد تشكلت لدي الشعوب العربية والإسلامية قناعة راسخة بأن الولايات المتحدة تستعمل شعار الحرب على الإرهاب كوسلية للحرب على الإسلام في حقيقة الأمر ، لاغير . اضافة الى ان ذلك هو بمثابة ترسيخ لقواعد اللاعدالة الدولية والاستقطاب بين الفقر والغنى ، لان تلك الفكرة مصادرة للرأي العام العالمي الآخر ... الذي يحاول معالجة جذور بروز ظاهرة الارهاب بعيدا عن ايديولوجية صراع الحضارات والمعايير المزدوجة . كما اننا عندما نرفض هيمنة الايديولوجيات المسيطرة : الليبرالية الاميركية المعولمة المتسلطة ، والشوفينية الشيعية الاصولية الفارسية ( 4 ) والوطنية الفاشية الاسرائيلية والابنلادينية الاصولية الارهابية ، فاننا لا نرفض نمط الديموقراطية الاميركية – باعتبارها خيارا للشعب الاميركي – ولا ندعو لمقاطعة الحضارة الديموقراطية الليبرالية الغربية ، او تكفيرها . بل ندعو لخلق نمطنا الديموقراطي الخاص ... في اطار الديموقراطية الاجتماعية الغربية ، باعتبار ان حضارة اليوم هي تراكم تراث البشرية في مسيرتها المعرفية والعلمية والتكنولوجية والتي يجب ان يستفيد من انجازاتها ، البشرية كلها بعيدا عن الهيمنة والوصاية الفكرية وفرض العولمة المتوحشة علينا . لايماننا بضرورة قيام العلاقات الانسانية بين الشعوب على الحوار بدل النزاع ... وحل المشاكل بين الدول على اساس تبادل المنافع - في اطار الشرعية الدولية - بدل الحروب ، لتحقيق الامن والسلام في العالم .
    ومن هنا ، فاننا سنتناول اشكاليات الدين والسياسة او العلاقة المتشابكة والمتداخلة بين السياسة والدين في اطار الفكر العلوي ، ضمن المباحث الثلاثة التالية :

    المبحث الاول - مواصفات الاسلام المعتدل ضمن التجربة التركية :
    قال عبدالله جول، نائب رئيس الحزب- بعد الفوز الساحق في انتخابات 2002- ورئيس الوزراء للحكومة التركية الثامنة والخمسين " بأن حزب العدالة والتنمية ليس حزيا إسلاميا ". وأضاف أردوغان- رئيس الحكومة الحالي- الى ذلك قائلأ " انني لست أصوليا متطرفا وإنما أنا مسلم مثل بقية المسلمين في تركيا ومؤمن بتراث الشعب التركي وهويته التاريخية ولذلك فاننا نحترم طراز حياة واسلوب معيشة كل شخص في بلادنا ". واذا اضفنا الى اقوالهما تصريحات رئيس الشؤون الدينية التركية - الانفة الذكر - يكون زعماء حزب العدالة والتنمية، الموصوف بالاعتدال والمقبول فكريا وممارسة وديموقراطية من قبل الغرب الديموقراطي الليبرالي ... والاوساط الرسمية الاسلامية التركية ، قد رسموا مفهوم التوجه الديني الاسلامي التركي المعتدل ، في اطار الديموقراطية الاجتماعية الاوروبية ، بما يلي :
    1 - انه اسلام غير مسيس ، في ايمان صادق يستلهم التصوف العرفاني حول وحدة الاديان الحنيفة ، باعتبار ان ابراهيم الحنيف كان خليل الله واباً للانبياء ، كما ورد في التوراة ( سفر التكوين 13 -15 ) وانجيل متي ( 1: 1 ) والقران الكريم ( سور العنكبوت والنساء والبقرة وآل عمران) وان هذا التوجه يتناقض مع نظرية هنتنغتون في صراع الحضارات وحتمية نزاع الاديان .
    2 - لا يؤمن بالتعصب والطائفية والعنف ، وانما بالتسامح والديموقراطية والحوار ، لان الحوار نقيض الحرب والعدوان ، والطائفية الغاء للوطنية وحقوق المواطنة الانسانية .
    3 - يحاول ممارسة اصول الدين الاسلامي وفروعه وفق تعاليم القرآن والسنة النبوية ، البعيدتين عن الاجتهادات المتطرفة .
    4 - يحترم طراز حياة واسلوب تفكير الاخر ، بعيدا عن تكفيره او اقصائه او محاولة الهيمنة عليه ، بناءا على قول الامام علي بن ابي طالب " ان القرآن حمالة اوجه " .
    5 - يؤمن " بان الصحوة الدينية الحضارية لا تتحقق الا من خلال مزاوجة التقنية الغربية مع القيم الاسلامية ، وان هذه العملية يجب ان تتم من خلال التعليم لاعداد الكوادر الاسلامية المؤهلة التي تستطيع ان تتولى هذه المهمة بشكل تدريجي ومستمر" (5) .
    6 - يبرز الدين كعنصر من أهم ركائز الثقافة المعتدلة التي لاغني عنها في بناء المجتمع المتوازن : ‏تقوية علاقة الإنسان بربه‏,‏ وتحسين علاقاته بالاخر - من أتباع الديانات الأخري‏ - في حوار جاد وشفاف لتحسين الصورة والتفاهم واقامة العلاقات الانسانية لخير الجميع .
    7 - احترام المرأة ومساواتها بالرجل من خلال منحها كافة حقوقها بحيث استطاعت ان ترقى الى منصب الافتاء العام في تركيا " فقد تم تعيين إمرأتين في منصب مساعد المفتي العام في كل من مدينتي انطاليا وقيصري بتركيا ، مما يزيد من فرصتهما في الترقي لنيل منصب المفتي مستقبلا " (الشرق الاوسط - العدد الصادر في 4/9/2005 ) .
    8 - يسعى للتعرف علي ثقافات المجتمعات والشعوب الأخري‏.‏ لمعرفة جوانب الضعف والقصور فيها‏,‏ من اجل المقارنة وصولا لمعرفة مكانة ثقافته الحقيقية لممارسة التثاقف الخلاق بين ثقافات الشعوب في العالم‏.‏ لان الإسلام ثقافة اجتماعية، ذات أشكالات وآليات وأساليب تطوير متعددة ، ومنها " الاعتدال او الوسطية " الذي يسعى لحماية نفسه ضد الهيمنة والاستغلال والاستثمار بالتكوين التعبدي ، ليس من خلال الفكر الانتحاري والتكفيري وانما بالمشاركة في حركة الحياة والبناء بالتعاون والتعاطف مع الاخرين ..... مع ضرورة مقاومة السلطان الجائر بكل الوسائل المتاحة
    9 - ياخذ بالجوانب الايجابية من العولمة ويتصدى للعولمة المتوحشة - التي تسعى للهيمنة ونشر الوصاية الفكرية - من خلال دعوته لمقاومة الهيمنة والاستعمار الجديد من خلال الكفاح والنضال ضمن منظمات المجتمع المدني بالمظاهرات واعلان العصيان المدني والاعتصامات وغيرها .
    وقد استطاع اردوغان خلال السنتين الماضيتين من عمرحكومته التي تضم معظم اطياف المروحة السياسية التركية – عدا الشيوعيين والقوميين الشوفينيين – وكأنها حكومة وحدة وطنية ، تحقيق معظم برنامجه الاصلاحي في وقت قصير نسبياً منها: إلغاء عقوبة الإعدام، وحماية السجناء من التعذيب، وتعزيز حرية التعبير، والشفافية، ودولة القانون وإلغاء محاكم أمن الدولة والمحاكم الاستثنائية، والاعتراف بأولوية التشريعات الدولية على حساب القوانين الوطنية في مجالات حقوق الإنسان، واعتمادها بمثابة المرجعية بالنسبة للمحاكم التركية. كما عززت حكومة "أردوغان" سلطة البرلمان، وقوانين المساواة، ومراقبة نفقات القوات المسلحة، مثلما قلصت صلاحيات مجلس الأمن القومي. وأدى تقييد سلطات الجيش إلى خفض تأثيره في إدارة العلاقات الخارجية بخاصة مع اليونان حيث تمكنت الدبلوماسية التركية من القيام بدور إيجابي في حل أزمة جزيرة قبرص، ودخول الأخيرة عضوية الاتحاد الأوروبي في شهر مايو الماضي. وساعد رفع حالة الطوارئ في تمكين سكان أقاليم الجنوب الشرقي من ممارسة الحريات الأساسية علاوة على تحسين مستوى حياة الأكراد ، مع رفع سقف الحريات التي يتمتعون بها – لاول مرة – في تركيا . وقد ادى هذا التناغم السياسي وتعاون الاسلاميين – المعتدلين – مع العلمانيين المدنيين والعسكريين المعتدلين ، الذين لا يرفضون ولا يحاولون اقصاء الآخر ، الى ميلاد ( نموذج الاسلام التركي ) الديموقراطي الاصلاحي والحداثي .
    وقد ولد نمط الاسلام التركي المعتدل نتيجة تفاعل اربع حقائق اساسية– في الواقع التركي – خلال العقد الاخير من القرن العشرين ، هي :
    اولا – الحقيقة التاريخية القائمة على الثورات الكمالية ( 1924 – 1932 ) التي ارست اسس الاصلاح الاجتماعي في تركيا العلمانية وفق التوليفة الكمالية : الاسلام – القوميةالمعتدلة – الحداثة ، ونصب جنرالات الجيش الخمسة - العلمانيون المتعصبون والرافضون للاخر - انفسهم حماة للفكرة الكمالية ، وادي تدخلهم في السياسة بوقف المسيرة الديموقراطية الوليدة في تركيا - مرات عديدة - نتيجة انقلاباتهم العسكرية.
    ثانيا – الحقيقة السياسية القائمة – بعد الحرب العالمية الثانية – على التعددية السياسية الورقية ، ثم على التعددية الاجتماعية – السياسية بعد انقلاب 27 مايو / ايار 1960 العسكري واخيرا على التعددية الديموقراطية بعد تولي طورغوت اوزال لرئاسة الجمهورية (1990 – 1993 ) كأول رئيس جمهورية ذي اتجاه اسلامي في تركيا العلمانية ، يؤدي فريضة الحج ويدفع بالجمهورية التركية للانتماء الى منظمة المؤتمر الاسلامي .
    ثالثا – ردود فعل منظمات المجتمع المدني التركي الغاضبة والعنيفة ، ضد الانقلاب العسكري الابيض الذي قاده قائد القوات البحرية الجنرال غوان – وهو احد الجنرالات الخمسة الذين كانوا يؤلفون الحكومة الخفية المسيطرة على كل شئ في تركيا – عندما طالب رئيس الوزراء المنتخب نجم الدين اربكان ، في مجلس الامن القومي في اجتماعه المؤرخ 28/2/1997 " بضرورة القضاء على الرجعية التي ذرت بقرنها في البلاد والتي تعمل علنا للقضاء على العلمانية والثورات الكمالية من خلال دعوة شيوخ الجماعات الاسلامية الى طعام الافطار في مجلس الوزراء وغض الحكومة النظر عن النشاط الرجعي - أي النهوض الاسلامي المستنير - في البلاد وسماحها بفتح مدارس الائمة والخطباء ودورات تدريس القران في طول البلاد وعرضها " وإلا فان القوات المسلحة التركية – حامية النظام العلماني والديموقراطية الكمالية – ستتحرك لوضع الامور في نصابها . وكان المدعي العام الجمهوري ( وورال صاواش ) قد اقام - منذ تولي اربكان للحكم - دعوى امام محكمة الدستور لغلق حزب الرفاه بتهمة " الترويج لاقامة الجمهورية الاسلامية على غرار الجمهورية الاسلامية الايرانية ، في تركيا من خلال خطب زعماء الحزب " . وقد اصدرت محكمة الدستور قرارها باغلاق الحزب ، ورئيسه – لا يزال - في الحكم ، فاضطر اربكان – امام جميع هذه الضغوط - الى تقديم استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية في حزيران 1997 .
    لكن تسييس الاصولية العلمانية العسكرية – التي ترفض الراي الاخر رغم الديموقراطية التعددية المعترف بها دستوريا – للسلطة القضائية ، من اجل ضرب الخصوم ، وانتهاكها لحقوق الانسان التركي - الذي انتخب حزب الرفاه بالاكثرية النسبية بحيث فاز رئيسه ( اربكان ) برئاسة الوزارة - وعدم احترامها لخيارات الآخر ، قد أحدث شرخا في وجدان الراي العام التركي ، ورد فعل غاضب لدى الاغلبية الديموقراطية الليبرالية ، مما دفعهما الى مساندة حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002 ليس للفوز بالاكثرية النسبية – مثل الرفاه – فحسب ، وانما للفوز بالاكثرية المطلقة التي حملت رئيسه ( رجب طيب اردوغان ) ذي الاتجاه الاسلامي المعتدل ، الى سدة الحكم ، ودون الحاجة للائتلاف مع الاحزاب الاخرى .
    رابعا – ظهورالاسلاموفوبيا الذي يتلظى بنارها الغرب الديموقراطي الليبرالي – لاسيما الولايات المتحدة الاميركية – اليوم ، نتيجة سيطرة حليفتها السابقة ( منظمة القاعدة ) على مقاليد الامور في افغانستان ، واتخاذها قاعدة لتهديد انظمة الحكم العربية والاسلامية باتهامها بالمروق عن الاسلام ... ووصم الدول الغربية الديموقراطية الليبرالية بالكفر والالحاد واعلانها – أي القاعدة - الحرب على الجميع . وقد ادت احداث 11سبتمبر الارهابية – التي ركب ابن لادن موجتها – الى موجة من الهلع والرعب ، نتيجة الخوف من العمليات الارهابية المماثلة بعد اتهام الادارة الاميركية الجديدة بزعامة المحافظين الجدد ( الحكومة الخفية ) المسيطرة على مقاليد الامور في واشنطن ، للعرب والمسلمين برعاية وتمويل الارهاب الاصولي ( منظمة القاعدة ) واعلان الرئيس بوش الابن للحرب الاستباقية ضد افغانستان ثم احتلاله – مع حلفائه – للعراق ومحاولاته في تغيير وجه الشرق الاوسط الكبير الممتد من نواكشوط غربا الى حدود الصين الشعبية شرقا ، بقوة السلاح وباعلان حرب الافكار ضد المناوئين للهيمنة الاميركية ومعاييرها المزدوجة لاذلال الشعوب .
    وقد ادى هذا التهديد المزدوج البوشي – الابن لادني ، الى ارخاء القابضين على الحكم في العالمين العربي والاسلامي ... من قبضتهم على اعناق شعوبهم ، فتعالت مطالبات الاصلاح والديموقراطية والشفافية والتصالح الاجتماعي في معظم اقطار العالمين المذكورين من جهة ، كما سرت موجة من التسامح الفكري مع الاخر المعارض او المغرد خارج السرب ، وقويت شكيمة المجتمع المدني – في تلك البلدان – في التعبير الديموقراطي فكان التكيف السياسي – الاجتماعي لتقريب وجهات النظر حول القضايا العامة والمصيرية التي تشغل بال الراي العام في معظم تلك البلدان ، من جهة اخرى .

    المبحث الثاني - الفكر العلوي المعولم انسانيا :
    يؤكد معظم الفقهاء الايرانيين والاتراك بان العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الايرانية على ايدي ( لقمان بارندة ) ثم احمد يسوي ويونس أمره ( ت 1321 م ) في آسيا الوسطى ، والحاج بكتاش ولي ( 1210 - 1270 ميلادية تقريبا ) وهو من تلاميذ الشيخ احمد اليسوي الذي دفعه للذهاب الى النجف الاشرف لدراسة الفقه ، والشاه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 م ) في ايران وفضولي البغدادي ( 1481 – 1556 ) في العراق . وقد انتقل الحاج بكتاش ولي الى بلاد الاناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية - التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي – ومع (بابا ) الياس الذي كان قاضيا سنيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز - وهي الة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون - الذين يطلق عليهم ايضا ( الشعراء العشّاق ) ومعظمهم من الشعراء العلويين ، لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الاسلامي في الدولة العثمانية .
    ولذلك فان الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية السنية والشيعية - رغم انها ليست طريقة صوفية بحتة - في البلاد الاسلامية من افغانستان شرقا الى المغرب الاقصى وبمختلف اتجاهاتها الفكرية : اليسوية والبكتاشية وعلويو جبل العامل في لبنان والدروز والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية ( العبدالية ) والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والاخيّة ( الفتوّة ) والخشّابية ( تاختاجيلر ) واهل الحق والبابائية والبيرمية ( اسسها الشيخ الحاج بيرم ولى 1352-1429 م ) والدَدَئية ( نوع من الاخيّة ) والشبك العراقيين وطائفة النوري الافغانية والفرقة الحسنية ( وبضمنها العائلة الحسنية المالكة ) في المغرب وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية المعتدلة والتقدمية الانسانية ، لانها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّـقت باخلاق القرآن " لايمانها بان القران حمالة اوجه وبان العلم لا يدرك بالعقل فقط وانما بالعرفان ايضا " (6) . غير ان اكبر واعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية - التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الاخرى – وكذلك الصفوية الايرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب ، والحسنية ( الشرفية ) المغربية المنتشرة في شمال افريقيا .
    ومن هنا ، فان ثمة رأيين - من الناحية الدينية - حول العلويين : يذهب الرأي الاول الى انهم فرقة من المتصوفة الدراويش الذين لا يتقيدون بالشعائر الدينية ولا يلتزمون بفرائض الاسلام التي يفسرونها على هواهم ، في حين يؤمن اصحاب الرأي الثاني بان العلويين هم من الفرق الاسلامية الغالية ، ولذلك فانهم اقرب الى الشيعة الإمامية - كما قال البروفيسور عزالدين دوغان رئيس مؤسسة بيوت الجمع ، في تصريحاته الى صحيفة Star التركية في 25 / 8 / 2002 - من بقية المذاهب الاسلامية ، ولهذا فان اعظم المنتديات الثقافية الدينية التركية هو ( المنتدى الثقافي العلوى - البكتاشى ABKB ) في انقرة العاصمة .
    ورغم هذا الاختلاف الجذري بين الرايين ، فانهما يعتقدان بان العلويين اكثر الفرق الدينية تسامحا وديموقراطية وانسانية وتواضعا ، ويتجلى ذلك في اهتمام العلويين جدا بالعلاقات العامة مع الاخرين واحترام ارائهم . حيث يخاطب بعضهم بعضا بمودة واخاء ، حينما يصفونه بـ ( دوست ) أي الحبيب ، او يصفون مجموعة الاخرين بـ ( جانلر ) أي ايها الاحبة ، تقديسا لمعنى الإخاء والصداقة الحميمة ورغبة في اجراء الحوار معهم بكل حرية وديموقراطية ، لانهم يرفضون الخصام والصراع واعلان الحرب على الآخر " لان الحرب هي الرغبة القصوى في عدم الاستماع الى الآخر - او عدم اجراء الحوار معه - توطئة للقضاء عليه " . ولكنهم مقاتلون اشداء دفاعا عن حقوقهم ، كما انهم يرفضون الهيمنة والاستبداد لانهم يحترمون ذواتهم وذوات الآخرين ، مع تقديس العمل الذي يعهد اليهم ، فيؤدونه على احسن ما يرام ( 7 ) .
    اما تسامحهم مع الاخر - المسيء - فانه امر اعترف به لهم الاعداء قبل الاصدقاء ، فقد انتخب المسيحي اليوناني انطوناكي فارساميس ، وهو احد المسيحيين المؤمنين بالفكرة العلوية - مع الاحتفاظ بعقيدته المسيحية - شيخا في الخمسينات لأحد الاوجاقات ( المنتديات الثقافية ) البكتاشية في احدى قصبات مدينة بورصة " (8) . اضافة الى مساندة العلويين للمظلومين ودفاعهم عنهم في جميع المجالات ، مع ترجيحهم للعلم والمعرفة في حل المشاكل ، لان " العقل " هو قوة الخالق المقدسة .
    وتؤكد الكتب العلوية : المقالات و ولايتنامه ، للحاج بكتاش ولي (9) والاوامر ( بويروق ) لدى الشبك العراقيين والدروز، والانفاس والقصائد الشعرية لشعراء الساز العلويين ، بان العقائد العلوية تتألف من اربعة ابواب واربعين مقام . ويجب على الانسان ان يرتقي اربعين درجة ( مقام ) قبل ان يصل - الى الله تعالى - ليكون واصلا الى كنه الفلسفة العلوية ( الشريعة العلوية ) التي يوجزونها بعبارة : الشريعة بالولادة ، الطريقة بالاقرار ، وبمعرفة حقيقة النفس . لان الحقيقة هي ان تبحث عن الحق وتجده في داخلك . اما الابواب الاربعة فهي : الشريعة ، الطريقة ،المعرفة ، الحقيقة . وكل باب يتالف من عشردرجات ( مقام ) هي :
    اولا - باب الشريعة - ودرجاتها ، هي : . .
    1) حب الائمة 2) السعي وراء العلم 3) العبادة 4) الابتعاد عن المحرمات 5) ان يكون الفرد نافعا لعائلته 6) ان لا يلحق الاذى بالبيئة 7) اتباع اوامر النبي 8) ان يكون مشفقا وذا رحمة 9) ان يكون نظيفا 10) الابتعاد عن الاعمال الضارة بالاخرين وغير المجدية .
    ثانيا - باب الطريقة : ودرجاتها ، هي :
    1) التوبة 2) اتباع نصائح المريد "شيخ الطريقة" 3) الهندام النظيف 4) الكفاح و خوض الصراع من اجل الخير 5) تقديم الخدمات للمحتاجين 6 ) الخوف من ضياع الحقوق 7) تجنب اليأس 8) اخذ العبرة والدروس من الاخرين 9) توزيع الخيرات على المحتاجين والفقراء 10) ان لا يتجبّر او يتعالى او يستكبر على الاخرين .
    ثالثا - باب المعرفة :
    1)التحلي بالادب 2) الابتعاد عن الحقد والانانية وسوء النية 3) عدم الافراط في كل شئ 4) الصبر والقناعة 5) التحلي بالحياء 6) ابداء الكرم 7) تعلم العلم 8) التسامح واحترام الاخرين على اختلاف مشاربهم 9) معرفة الآخر 10 – معرفة الذات . . .
    رابعا - باب الحقيقة : :
    1) التواضع . 2) التغاضي عن عيوب الاخرين. 3) عدم التردد في تقديم المعونة عند المقدرة 4) حب كل مخلوقات الله 5) ان يرى الناس متساوين 6) التوجه نحو الاتحاد وعدم الفرقة 7) عدم اخفاء الحقيقة 8) الاهتمام بمعرفة الفراسة 9) التوجد لمعرفة السر الالهي 10) الوصول الى الوجود الالهي .
    ومن هنا يعتقد العلويون ، بان الاسلام يتكون من ثلاثة مذاهب- وليس مذهبين فقط – هي : السنة والشيعة والعلوية ، الذين – أي العلويين – يعدون انفسهم اكثر الفرق الاسلامية التصاقا بجوهر الاسلام وقيمه الفاضلة . فاذا كان المسلمون - بعد النبي - ينقسمون الى 73 فرقة . فان من يتبع طريق الاسلام الحقيقي - طريق اهل البيت والائمة الاثنى عشر- هم ( الفرقة الناجية ) .واما الاخرون ، فان مصيرهم جهنم . ومن هنا يعتقد العلويون - اي اولئك الذين يتبعون طريق اهل البيت - بانهم هم الفرقة الناجية . والذين يتلخص شعارهم بجملة ( تولى و تبرى ) بمعنى " اتبع اهل البيت والائمة الاثنى عشر ومن ثم سر في طريقهم واترك من لا يحبهم " فانهم جميعا من اهل النار . ولكن ذلك لا يعني رفضهم او اقصاءهم للاخر او عدم التعامل معهم " لأن الفكر الاسلامي المتنور قد تعانق مع الفكر العلوي المعولم انسانيا ، من اجل التفاهم والتعاون والمصالحة . لاسيما وانهم يمارسون جميع شعائر الدين الاسلامي وشروطه الخمسة : الشهادة والصلاة من خلال المقابلة والمصاحبة ، والزكاة بادائها للشيخ لكي يقوم بتوزيعها على المعوزين ، والصوم خلال عاشوراء ( لمدة 12 يوما ) والحج الى مكة المكرمة والى ضريح الشيخ بكتاش ولي .

    النتيجة :
    اذا كان العديد من الباحثين الغربيين يؤكد ان عصر العولمة قد سهلت سبل التواصل بين الشعوب والتفاعل بين الثقافات وقدمت خلال عمرها القصير ، مفاهيم ودينامكيات متعددة من اجل تحقيق الشراكة المعرفية لملايين البشر، بحيث لم يعد بالإمكان إنتاج خطاب معزول عن العالم وانما يجب ان تتلاءم مع معطيات العالم المعاصر ، من خلال تلك الشراكة التي تعد إنجازا بالغ الأهمية لنا جميعا لانها ساهمت في التقريب بين الأفراد والجماعات المتجانسة وكذلك ذات المصالح المتقاطعة بالتثاقف وتعميق الروابط الحضارية - المعرفية بكل دلالاتها الإيجابية ... بيد ان محاولة العولمة هندسة البشر وفق النمط الأمريكي على حساب الحضارات والثقافات الاخرى وتهديدها للخصوصيات المحلية للآخر الرافض لتلك النمذجة المهيمنة ، تمثل الجانب السلبي للعولمة . ومن هنا كانت حركات المجتمع المدني ضد تلك العولمة المتوحشة ، التي كانت تضم المثقفين اليساريين والعمال والفلاحين والكسبة المعدمين ، والتي تمثلت بعبارة ( كفايه! ) التي اطلقتها "ثورة" الزاباتيستا في الأول من يناير 1994، وهو اليوم الذي بدأ فيه سريان اتفاقية النافتا (اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) . أما الذي جعل من صيحة المعركة "كفاية!" على هذه الدرجة الكبيرة من الأهمية هو أنها كانت رد فعل صريح ضد فرض النيوليبرالية على مجتمعاتهم من خلال اتفاقيات النافتا التي تم توقيعها في العام الذي سبق التنفيذ. وقد اصبح رد فعل الزاباتيستا على هجوم النيوليبرالية ، إلهاما للعديد من الحركات الأوروبية الناجحة في النصف الثاني من التسعينات، خصوصا الحركات الإيطالية التي سميت حركات مناهضة للعولمة مثل: يا باستا!‘ والأوفرلات البيض/العصاة (Tutte Bianchi/Disobedienti)، التي كانت تكتيكاتهم الهجومية وحتى المسرحية - على شكل عصيان مدني سلمي - علامة كبرى على الاحتجاجات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من عام 1999 وحتى 2001 وما بعدها. ان مثل هذه الحركات والتوجه الانساني الدولي ، تشكل القاعدة المتينة لحوار الشمال والجنوب . ومن هنا فقد جاءت دعوات المفكرين المنصفين والموضوعيين في الشمال والجنوب لإضفاء ملامح انسانية على العولمة المتوحشة الداعية للحروب الاستباقية ضد الآخر المعارض ، خدمة لمصالحها وايديولوجيتها المسيطرة . ولكن الموقف الرافض والمتعالي للقوى المهيمنة في دول الشمال ادى الى هذا الانشقاق الكبير والصدع الفكري العميق بين الشمال والجنوب ، ولهذا فان الواجب الانساني يحتم علينا إجراء المزيد من الحوارات بين المتخصصين في العلوم الدينية والاجتماعية لردم الفجوات التي تفصل بعضنا عن بعض ، كبشر ، من اجل إعلاء شأن الوطنية التوافقية والروح الديموقراطية التعددية التي تحترم التنوع والحريات والتآخي الإنساني السلمي ، لغرض ارساء اسس الاخاء والمودة بيننا جميعا ، خدمة للامن والسلام والاستقرار في العالم من جهة ، ومن اجل التثاقف السوي لتحقيق العدالة الاجتماعية واعمار الأرض .... باعتبارهما مسؤولية مشتركة لبني الإنسان علي اختلاف أديانهم وحضارتهم ، من جهة اخرى . لذلك فان الحوار يجب ان يعتمد على اساسين : احترام الاخر والتواصل الثقافي - مع ممارسة حق الخصوصية الثقافية - اللذين يشكلان اساس الحوار المنطقي والمتوازن - بعيدا عن الافكار القبلية المسبقة - من جهة ، وقاعدة اساسية لحل كافة النزاعات والمشاكل ، من جهة اخرى . غير ان ممارسة حق الخصوصية يجب ان لا تلغي حق الاختلاف الثقافي وممارسته بحرية ، التزاما بالمبادئ الدستورية الحديثة وتنفيذا لمواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطنة . ولهذا يجب ان لا يكون ثمة تعارض بين الحقين ... وبعبارة اخرى : ان هذين الحقين يمنحان للمسلم - القاطن في اوروبا مثلا - حرية ممارسة شعائره الدينية استنادا الى حق الخصوصية الثقافية - الدينية من جهة ، ويرتب عليه واجبات الاندماج في المجتمع الاوروبي العلماني ، استنادا الى حق التعاقد الاجتماعي الذي بني عليه النظام السياسي في اوروبا ، من جهة اخرى . أوَ لم يؤكد القران الكريم { لكم دينكم ولي ديني } ؟ واكد حرية العقيدة والوجدان باوسع معانيها بالقول { ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } . وقال مولانا جلال الدين الرومي : (10)
    " تعالَ ،
    تعالَ لتكون معنا ،
    مَن تكن ،
    كافراً ، وثنيا ، او مجوسيا .
    تعالَ ، وإن تكن قد تبتَ مئة مرّة ، يكفي ان نكون معاً .
    لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط " .
    في حين اكد احد الشعراء العلويين المحدثين :
    أنت أخي ما دمت محترما حقـــــــــــــي آمنت بالله أم آمنت بالحجر
    ونصت الفلسفة العلوية في ( باب المعرفة ) على " التحلي بالادب والصبر والقنا عة والحياء .و الابتعاد عن الحقد - أي الكراهية التي تعد من خصال الجاهلية وجهل مطبق بالحياة العصرية وتشابكاتها وعلاقاتها المتداخلة مع عدم رفض الآخر - وكذلك الابتعاد عن الانانية - التي هي دليل المكابرة والاستعلاء والغطرسة ورفض الآخر ومحاولة الهيمنة بشن الحروب - ايمانا بفضيلة الحوار . و عدم الافراط في كل شئ - أي عدم التطرف - مع ابداء الكرم و تعلم العلم . والتسامح واحترام الاخرين على اختلاف مشاربهم ، من اجل ازالة الحقد والكراهية والتطرف من النفوس ( استنادا الى الحديث الشريف : لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من الكبر - الصحيحان ) ، توطئة لمعرفة الآخر ، وصولا الى معرفة الذات ( أي الله تعالى ) . . . " .
    ولكن ، يجب ان نعترف - بعد هذه المقدمة الطويلة - بان ثمة خطاباً دينيا اصوليا متطرفا وارهابيا : شرقيا وغربيا - يبشر بالعداء والكره والإقصاء للآخر، وباحتكار الحقيقة - يقف حائلا دون تحقيق الغاية النبيلة التي تقف وراء فكرة احترام الآخر والتواصل الثقافي ، في اطار اجراء الحوار للاتفاق على سبل تنفيذهما ، خدمة لانسان القرن الحادي والعشرين . لاسيما وان ذلك الخطاب لا يزال حتى الان مقدم - بل ومهيمن - على أية خطابات أخرى في العالم ، ولهذا فهو الأعلى صوتا ... لان مروّجيه يؤمنون بصحته المطلقة ، ويريدون نشره وتعميمه ، بل وفرضه على الاخر . فقد مضي حتي الآن أكثر من ربع قرن والعالم الإسلامي الواسع في الشرق ، لا يسمع سوي صوتا واحدا ومرتفعا للإسلام ‏,‏ هو ذلك الصوت الذي رفع شعارات السلفية المتشددة‏,‏ والجهاد المتواصل‏ ,‏ وتغييرالواقع بالقوة‏ والعنف مع عدم المشاركة في أنشطة المجتمع المختلفة ‏, كرد فعل لفشلها في تحقيق الاصلاح والتغيير ورفض الآخر غير المؤيد او المساند لتلك الايديولوجية المسيطرة الشمولية - الاصولية المتطرفة ، البعيدة عن روح الاسلام المتسامح الذي يدعو الى التحاور والمجادلة بالحسني والاقتراب من الآخر والإيمان بالأديان السماوية . ولقد استغلت القوى الشوفينية الدولية هذه المواقف الخاطئة لإعلاء خطاب المحافظين الجدد المسيطرين على الادارة الاميركية بايديولوجيتهم الاصولية الممزوجة بالمسيحية الاميركية المتصهينة ( 11 ) في طروحاتهم الوطنية الشوفينية المتطرفة ورغبتهم في السيطرة على العالم - وهي الفكرة التي يرفضها الفاتيكان - والتي تتمثل بنظرية تحويل القرن الحادي والعشرين الى قرن اميركي بحروبهم الاستباقية على مفتاحي الشرق والموارد الطبيعية - اقصد بهما افغانستان والعراق . ثم كانت حربهم الفكرية وتصوراتهم الاعلامية التي تكاد تمحو الفارق الشاسع بين المسلم العادي - المسالم والراغب في حياة طبيعية - وبين أفراد منظمة القاعدة وسائر الإرهابيين الذين يراهم الغربيون على شاشات التلفزة وهم يقطعون الرؤوس ويهددون بتدمير العالم ، بمن فيهم المسلمين أنفسهم الذين لا يوافقونهم الرأي .
    ان خطاب الايديولوجيات المسيطرة : الليبرالية الاميركية المعولمة المتسلطة ، والشوفينية الشيعية الاصولية الفارسية والوطنية الفاشية الاسرائيلية والابنلادينية الاصولية الارهابية ، تحاول اليوم فرض ايديولوجيتها الاصولية الارهابية - المتطرفة ، على العالم بالقوة الغاشمة من خلال العولمة المتوحشة . لان ذلك الخطاب ينبني على الغطرسة والطموحات الإمبريالية والفكر الاحادي مع رفض الآخر، وليس على التعاون مع القوى الأخرى للتصدي للمشكلات التي يعاني منها العالم .
    وقد ادى ذلك الخطاب الايديولوجي الاصولي المزدوج ( الاسلامي والامريكي - الصهيوني ) وتبادل الاتهامات ثم رفض احدهما للآخر ، الى خلق نوع من عدم الثقة بين الجانبين ، وقامت الايديولوجيات المسيطرة الاخرى – الشرقية والغربية المستفيدة من عدائهما – بحفر الابار العميقة في طريقهما للايقاع بهما معا . ولكن - ومع كل ذلك - يمكن التقاء حركة التقدم العربي الديموقراطي المستنير مع الحضارة الغربية في منتصف الطريق - مرة اخرى ، للانتقال بالحوار من السجال الفكري المشحون بالخصومات والاحكام المسبقة والصور النمطية المقولبة إلى التحالف الحضاري المبدع ... بمحاولة انسنة القرارات الدولية لحل المشاكل المزمنة في العالم بالعدل والانصاف . وعلى رأسها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بما يحقق قيام دولتين ديمقراطيتين عربية وعبرية في المنطقة ، مع ضمان حدودهما واستقلالهما معا . اضافة الى تجديد الثقة بسماحة الاديان كمصدر للروح الانسانية الخلاقة ، من اجل نزع اشواك الارهاب وغطرسة الهيمنة من ازاهير الحضارات والثقافات ، لاجراء التحولات العميقة في العلاقات الدولية رغبة في السلام وتحقيق التنمية الحضارية لكل البشر . والسؤال الذي يطرحه كل المحللين السياسيين - من المسلمين والغربيين - هو : ما العملُ إذن؟ وكيف يمكننا - اليوم - انقاذ انفسنا والحضارة من شرور الارهاب الاعمى ؟
    نقول مع اولئك الباحثين الموضوعيين : ان اتهام الاسلام وحده او الغرب بوحده ( ومعه اسرائيل ) بالارهاب ، سوف لن يدفع هؤلاء الشبان الانتحاريين الملغومين بالعجز والقنوط واليأس من الحياة الدنيا ، والتوق للحياة الاخرى ... الى التخلى عن تدمير انفسهم والاخرين . وانما يتم ذلك من خلال عدم احتقار الآخر ( القاتل والمقتول ) ونبذ فكرة صراع الثقافات وكذلك الاحكام المسبقة حول الاخر ، مع ضرورة تأكيد مراجع الاديان بان ( طريق الخلاص ) ليس بوضع الغوييم ( الغرباء الآخرين ) في الجحيم - كما يعتقد اليهود - ولا بالقضاء على الاسلام والكونفوشيوسية ، مثلما يؤمن دعاة صراع الحضارات من المحافظين الجدد في اطار المسيحية الاميركية المتصهينة- التي ترفضها الفاتيكان - المستندة على المفاهيم الشتراوسية ، ولا برفض الاصولية الاسلامية للآخر وتكفيره ... وانما من خلال اخراج الديانات - السماوية وغير السماوية - من المعترك السياسي ، باعتراف كل طرف بعقائد الاطراف الاخرى ، في تصالح حضاري تعلنه المراجع الدينية على الملأ . وهو الامر الذي اعلنه الفاتيكان - في خطوة حضارية انسانية منذ العام 1964فقد " أقرّ المجمع الفاتيكاني في 21 نوفمبر من عام 1964بموافقة 2151، ومعارضة خمسة فقط من أعضائه، نصاً يقول: ".. بيد أن تدبير الخلاص يشمل أيضاً أولئك الذين يؤمنون بالخالق، وأولهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر. ... أما الإطلالة الأولى للبابا الجديد على الإسلام فقد جاءت في مدينة كولونيا في ألمانيا (مسقط رأسه) مع مسلمين أتراك من الذين استوطنوا ألمانيا وأصبحوا من رعاياها. وترافقت هذه الإطلالة مع إطلالتين له على اليهود وعلى المسيحيين الإنجيليين، الأمر الذي يرسم الإطار العام لموقف الفاتيكان الجديد من غير الكاثوليك " ( محمد السماك / الاتحاد في 26/8/2005 ) . كما ان " أساقفة الكنيسة الانجليكانية اقترحوا ( الاثنين 199/9/2005 ) ان يعتذر القادة المسيحيون من المسلمين عن حرب العراق . تصحيحاً للخطأ الذي ارتكبته الحكومة البريطانية ، ففي تقرير بعنوان “مكافحة الارهاب: السلطة والعنف والديمقراطية بعد 11 سبتمبر/ ايلول”، بلورت مجموعة عمل بتكليف من الكنيسة البريطانية افكاراً عن “العلاقة المعقدة بين الدين والعنف” ودرست كيف يستطيع “تقليد اعلان التوبة” في الكنيسة ان يسهم في “المصالحة” بين الغرب والمسلمين " ( صحيفة الخليج - في 20/9/2005 ) . مع ضرورة تنقية علاقة الدين بالدولة من الشوائب والاجتهادات المتطرفة ، في مشروع حضاري تجتمع لاعداده المرجعيات الدينية - الحضارية في العالم ، في رؤية انسانية تستنكر الارهاب - والارهابي : من كان ومن اية ديانة او قومية ، لانه لا ديانة ولا قومية له - وتحترم الاخر ومجتمعه ودينه ، على ان يصدر كوثيقة دولية ملزمة ، وفي تصد واضح للارهاب الفردي والجمعي والدولي بشجاعة وارادة قوية ، ليس فقط من خلال القوة والعنف وانما بمعالجة اسبابه ومسبباته اقتصاديا واجتماعيا ، ايضا .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
    (*) Prof.Dr.Ibrahim Elias Dakuki , Director General of the Centre of Media & Interculturel Dialog Researches - Wienna - AUSTRIA
    1 - الصحف التركية الصادرة في 14/7/2000
    2 - صحيفة الزمان التركية ، الصادرة بتاريخ 16/7/2000
    3 - ابراهيم الداقوقي ، العلويون ... من هم والى اين ؟ ، مجلة عالم الغد - العدد الثاني / خريف 2004 - فيينا ، ص ص 36 - 42 .
    4 - ومن هنا ايضا تختلف الشيعية الفارسية ، عن الشيعيتين الاناضولية والعراقية بثلاثة اختلافات ، هي :
    أ - ان الشيعة العراقية والاناضولية غير مسيسة اصوليا .
    ب - ان الشيعة الايرانية ( الفارسية ) التي ولدت على يد رجل الدين السني جنـيّد الصفوي ، مؤسس الطريقة الصفوية العلوية في القرن الخامس عشر - حيث كانت ايران سني المذهب - وهو جد الشاه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 ) ، كانت مسيسة وقومية منذ البداية . حيث اراد بها جنيد وابنه حيدر - والد الشاه اسماعيل الصفوي - تعبئة الايرانيين ضد العثمانيين السنة في صراعهما الدامي للاستيلاء على الشرق لاعادة امجاد الامبراطورية الفارسية القديمة ، بتغليب العنصر الفارسي - وهم اقلية - علي الاكثرية الايرانية غير الفارسية . في حين ان الشيعة العراقية لا تؤمن بالقومية ولا تتخذها ستارا للهيمنة على الآخرين ، ايمانا منها بالتسامح والاخاء الاسلامي . ومواقف المرجعية الشيعية العراقية المعتدلة منذ الاحتلال الانكليزي للعراق ( 1914 ) من احداث العراق والمنطقة ... بين الرفض والتعاون ، وحتى سقوط نظام صدام حسين ، والتي تعتمد على ترجيح الجانب الوطني - وليس القومي او الطائفي - على الجانب المذهبي ، بالرغم من تدخلات ايران - منذ الثورة الاسلامية - لتغيير هذا الواقع العراقي . وذلك بمحاولة فرض مفهوم ( دولة ولاية الفقيه ) المؤدلج سياسيا على العراقيين - لتحقيق هيمنتها على العراق - وليس بالمفهوم الفقهي ، كما يؤمن العراقيون .... خير دليل على ذلك .
    والمعروف ان عائلة الشيخ جنيد الصفوي ، هي تركمانية آذرية ، كما ان الشاه اسماعيل الصفوي ، يعد - حتى اليوم - احد الشعراء الاتراك الكلاسيكيين . فقد طبعت حكومة اذربيجان السوفييتية - سابقا- ديوانين له خلال 1958 - 1960 هما : ديوان خطائي - وهو مخلص اسماعيل الصفوي - عام 1958 وديوان ( الدهنامه) عام 1960، الذي يعارض به شاهنامة الفردوسي . وكلا الديوانين باللغة الآذرية التركمانية وبالحروف العربية .
    ج - لا تؤمن الشيعة العراقية بفكرة تصدير المذهب الشيعي كايديولوجية مسيطرة - مثل النظام الايراني - الى العالم الاسلامي ، لاقامة الوحدة الاسلامية بالقوة القاهرة - التي دعا اليها آية الله الخميني ، قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية ، واكدها قادة النظام بالاحتفاظ بالجزر العربية الثلاث التي استولى عليها الشاه محمد رضا بهلوي ، وجددها الرئيس المنتخب الجديد احمدي نجادي ، اليوم .
    ومن هنا نبعت ( الشيعافوبيا ) في الشرق الاوسط ، بعد ان اكد الملك عبدالله الثاني محاولة ايران " اقامة الهلال الخصيب الشيعي " واستنكار دول الخليج العربية ، تصدير ايران لـ " الثورة الاسلامية " الى العالم الاسلامي ، وتحولها الى دولة ذات ايديولوجية مسيطرة في الشرق الاوسط .
    5 - مقابلة اجريناها مع الشيخ فتح الله غولان ، زعيم الجماعة النورسية ، نشرت في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية - العدد الصادر في 3 كانون الاول 1995 .
    6 - , Haci Bektas Velinin Velayetnamesi - Ankara 1958 Abdulbaki Görpinarli
    7 - ولذلك فقد كان البكتاشيون - العلويون ، هم عماد ( الجند الجدد الراجلة ) للجيش العثماني .
    8 - Ahmet Tashgin , Alevi inanci : Bir Alan Arastirmasinin Sonuclari ,Aleviler - alewitten . com
    9 - Abdulbaki Görpinarli , op.cit
    10 - جلال الدين الرومي ، المثنوي - ديوان شعر بالفارسية - طبعة 1964 طهران .
    11 - Stephen Zunes , The Influence of the Christian Right on U.S. Middle East Policy , FPIF Policy Report - June 2004 ( It appears, then, that right-wing Christian Zionists are, at this point, more significant in the formulation of U.S. policy toward Israel than are Jewish Zionists, as illustrated by three recent incidents.)
    شكرا سيدي على هذا الموضوع الذي أتممت به هذا الملف،
    أتمنى أن ينال مقامي مكانة تجعله ورقة لإحدى المؤتمرات المنعقدة في هذا الشأن،
    وبين يدي مقالات في هذا الإتجاه التوحيدي الذي يجعل للأمة كيانات لطيفة تعطي الصورة الفضلى للإسلام،
    وأخشى أن تكبر الأصوات التي تسعى لتشميع الفكر المتنور حتى لا تعلن في مآذن الخونة الا نداءات الكره والحقد للغير،
    سيدي، إن أي مشروع فكري يصادف هذه الضمائر الزنجة لا يمكن له أن يشتعل ضوءا ونورا،
    فإما أن تستعر هذه الأبواق بالصوت الغضوب، ولا أدري أهل حماية للمعتقد، أم حفاظا على الذات، وإما أن ندان بالتهم والأكاذيب المرجفة،
    فالزحف التخريبي تطمس به هذه العقليات البدائية كل حياة متنورة،
    فلتسحق هذه الأفكار العدمية،
    ولتبق جماليات التصوف،
    دمت نورا لكل فضيلة أخي.


  11. #11
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    69
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    في موضوع حوار الحضارات الاترى انها كلمة حق يراد بها باطل
    الحضارة الان بمنظور علمى عالمى حضارة واحدة
    اعتقد ان الحوار المقصود حوار الاديان
    وهنا اتقبل ان تحاور فئة لا تعترف بك اصلا
    تحية

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  12. #12
    عضو متوفي الصورة الرمزية ابراهيم الداقوقي
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    العمر
    89
    المشاركات
    81
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اخي الدكتور صلاح محمد ابو الرب
    يبدو انكم لم تقرأوا مقالي مليا او بإمعان ، لانني اكدت ابتداءا " ان الحضارة هي نتاج البشرية كلها - بمعنى انها المشترك الانساني لكل الثقافات " .كما انه ليس ثمة صراع حضارات ، لان هذه المقولة من نتاج الفكر الاصولي - لجميع الاديان - ذي النظرة الاحادية ، الرافضة للاخر ..... وانما ثمة تآلف حضاري - وهو عنوان بحثي - لان جميع الاديان ، البدائية ( الشامانية ) والطبيعية ( الزردشتية والبوذية والكونفوشيوسية ) والسماوية ، تشترك في القيم الفكرية - الاخلاقية ، التي اكدها الحكماء والفلاسفة والانبياء ، ضمن مبادئ تلك الاديان . ومن هنا ، فقد ختمت ورقتي بالقول " : ان اتهام الاسلام وحده او الغرب بوحده ( ومعه اسرائيل ) بالارهاب ، سوف لن يدفع هؤلاء الشبان الانتحاريين الملغومين بالعجز والقنوط واليأس من الحياة الدنيا ، والتوق للحياة الاخرى ... الى التخلى عن تدمير انفسهم والاخرين . وانما يتم ذلك من خلال عدم احتقار الآخر ( القاتل والمقتول ) ونبذ فكرة صراع الثقافات وكذلك الاحكام المسبقة حول الاخر ، مع ضرورة تأكيد مراجع الاديان بان ( طريق الخلاص ) ليس بوضع الغوييم ( الغرباء الآخرين ) في الجحيم - كما يعتقد اليهود - ولا بالقضاء على الاسلام والكونفوشيوسية ، مثلما يؤمن دعاة صراع الحضارات من المحافظين الجدد في اطار المسيحية الاميركية المتصهينة- التي ترفضها الفاتيكان - المستندة على المفاهيم الشتراوسية ، ولا برفض الاصولية الاسلامية للآخر وتكفيره ... وانما من خلال اخراج الديانات - السماوية وغير السماوية - من المعترك السياسي ، باعتراف كل طرف بعقائد الاطراف الاخرى ، في تصالح حضاري تعلنه المراجع الدينية على الملأ . وهو الامر الذي اعلنه الفاتيكان - في خطوة حضارية انسانية منذ العام 1964فقد " أقرّ المجمع الفاتيكاني في 21 نوفمبر من عام 1964بموافقة 2151، ومعارضة خمسة فقط من أعضائه، نصاً يقول: ".. بيد أن تدبير الخلاص يشمل أيضاً أولئك الذين يؤمنون بالخالق، وأولهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر. ... أما الإطلالة الأولى للبابا الجديد على الإسلام فقد جاءت في مدينة كولونيا في ألمانيا (مسقط رأسه) مع مسلمين أتراك من الذين استوطنوا ألمانيا وأصبحوا من رعاياها. وترافقت هذه الإطلالة مع إطلالتين له على اليهود وعلى المسيحيين الإنجيليين، الأمر الذي يرسم الإطار العام لموقف الفاتيكان الجديد من غير الكاثوليك " ( محمد السماك / الاتحاد في 26/8/2005 ) . كما ان " أساقفة الكنيسة الانجليكانية اقترحوا ( الاثنين 199/9/2005 ) ان يعتذر القادة المسيحيون من المسلمين عن حرب العراق . تصحيحاً للخطأ الذي ارتكبته الحكومة البريطانية ، ففي تقرير بعنوان “مكافحة الارهاب: السلطة والعنف والديمقراطية بعد 11 سبتمبر/ ايلول”، بلورت مجموعة عمل بتكليف من الكنيسة البريطانية افكاراً عن “العلاقة المعقدة بين الدين والعنف” ودرست كيف يستطيع “تقليد اعلان التوبة” في الكنيسة ان يسهم في “المصالحة” بين الغرب والمسلمين " ( صحيفة الخليج - في 20/9/2005 ) . مع ضرورة تنقية علاقة الدين بالدولة من الشوائب والاجتهادات المتطرفة ، في مشروع حضاري تجتمع لاعداده المرجعيات الدينية - الحضارية في العالم ، في رؤية انسانية تستنكر الارهاب - والارهابي : من كان ومن اية ديانة او قومية ، لانه لا ديانة ولا قومية له - وتحترم الاخر ومجتمعه ودينه ، على ان يصدر كوثيقة دولية ملزمة ، وفي تصد واضح للارهاب الفردي والجمعي والدولي بشجاعة وارادة قوية ، ليس فقط من خلال القوة والعنف وانما بمعالجة اسبابه ومسبباته اقتصاديا واجتماعيا ، ايضا " .
    مع تحية روحية شفافة لسميّ الاستاذ الوراق ، ولكما كل الود والتقدير .

    [align=center]اكاديمي اعلامي ومتخصص بالشؤون التركية واستاذ الدراسات الشرقية المقارنة.

    انتقل إلى رحمة الله تعالى في كانون ثاني 2008[/align]

  13. #13
    مترجم الصورة الرمزية عامرحريز
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    41
    المشاركات
    1,453
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أظن أنه لا بأس من الحوار إذا كان هدف الحوار بتيين الإسلام على قواعده المتينة ، وهذا ما كنا نراه جلياً مع الشيخ الكبير أحمد ديدات رحمه الله

    أما إذا كان الحوار لأجل الحوار أو الجدال فقط ولا فائدة مرجوة فهذا تركه أولى والله أعلم
    قال قتادة في قول الله تعالى:(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) أن هذه الآية منسوجة بآية السيف ، وقال آخرون: بل هي باقية أو محكمة لِمَنْ أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه.
    راجع http://www.qurancomplex.org/quran/ta...&nAya=46#29_46

    رأي شخصي وليس فتوى

    عامر حريز

  14. #14
    عضو متوفي الصورة الرمزية ابراهيم الداقوقي
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    العمر
    89
    المشاركات
    81
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اقتباس
    أظن أنه لا بأس من الحوار إذا كان هدف الحوار بتيين الإسلام على قواعده المتينة ، وهذا ما كنا نراه جلياً مع الشيخ الكبير أحمد ديدات رحمه الله
    أما إذا كان الحوار لأجل الحوار أو الجدال فقط ولا فائدة مرجوة فهذا تركه أولى والله أعلم
    قال قتادة في قول الله تعالى ( لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم)

    كلا يا استاذ
    اننا لا نتجادل في ( القواعد المتينة للاسلام ) وانما نحاول فتح الطريق اما اساليب الحوار الموضوعية والرصينة ، لتغيير صورة الاسلام الحنيف - المزيف والمزوّر - في الغرب ، من خلال التسامح واعتراف الاسلام بالاخر ... وهما المبدآن الاساسيان في الاسلام السوي ، البعيد عن النظرة الاحادية الرافضة للاخر . لاسيما وان " القواعد المتينة للاسلام " لا تستدعي الحوار ، لانها من الثوابت التي لا يمكن الجدال حولها .ولهذا فان حوارنا موجه الى المتنورين ، والمؤمنين بالتعددية الفكرية ، وليس لاصحاب الافكار المسبقة او الصور النمطية المقولبة السلبية حول الاخر .

    [align=center]اكاديمي اعلامي ومتخصص بالشؤون التركية واستاذ الدراسات الشرقية المقارنة.

    انتقل إلى رحمة الله تعالى في كانون ثاني 2008[/align]

  15. #15
    شاعر / أستاذ جامعي الصورة الرمزية نذير طيار
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    المشاركات
    1,025
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أخي الفاضل إبراهيم الوراق:
    من الخطأ طرح التصوف, كمقابل للتسنن أو التوهب أو التشيع, فهذا يقتل التصوف أولا, ويطيح بمبدأ الحوار الداخلي ثانيا, ويلغي حوار الحضارات من أساسه.
    لكل توجه فكري نقاط قوته ونقاط ضعفه, ولسنا هنا في مقام الصراع المذهبي أو الطائفي الذي يعلم الجميع حرمته وفظاعته وذمامته.
    والمفاضلة بين الاتجاهات ليست مسألة يسيرة, فالكل يزعم أن الحق معه, ولكل أدلته. وتبقى لكل شخص قناعته.

    تحية وحدوية تجميعية انفتاحية

    رياضيات - صحافة - شعر - فلسفة علوم - معلوماتية

  16. #16
    كاتب وباحث في التراث الصوفي الصورة الرمزية ابراهيم الوراق
    تاريخ التسجيل
    25/10/2006
    العمر
    51
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نذير طيار مشاهدة المشاركة
    أخي الفاضل إبراهيم الوراق:
    من الخطأ طرح التصوف, كمقابل للتسنن أو التوهب أو التشيع, فهذا يقتل التصوف أولا, ويطيح بمبدأ الحوار الداخلي ثانيا, ويلغي حوار الحضارات من أساسه.
    لكل توجه فكري نقاط قوته ونقاط ضعفه, ولسنا هنا في مقام الصراع المذهبي أو الطائفي الذي يعلم الجميع حرمته وفظاعته وذمامته.
    والمفاضلة بين الاتجاهات ليست مسألة يسيرة, فالكل يزعم أن الحق معه, ولكل أدلته. وتبقى لكل شخص قناعته.

    تحية وحدوية تجميعية انفتاحية
    لم أطرح التصوف بديلا، ومتى كان هذا؟؟
    بل التصوف مشترك إنساني، ووحدة تجتمع فيه جميع الفرق والطوائف،
    فهذا رأيي في مقالي الأول والثاني،
    ولك التوفيق.


  17. #17
    شاعر / أستاذ جامعي الصورة الرمزية نذير طيار
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    المشاركات
    1,025
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أقصد قولك:
    "إن التصوف سيبقى الصورة الحقيقية للإسلام،
    فإما أن تتصوف الشعوب الإسلامية، وإما أن تتوهب أو أن تتشيع،
    فالتوهب مضيعة للحياة، والتشيع خنق للإرادات،
    ونحن لسنا ممن يهيل التراب على الحياة، ولاممن يمارسون الحنق على الآخرين، فالتصوف سلسبيل مرصوف في طريق من يريد التوحد في هذه الحياة، فأحييك بتحية صوفية."

    رياضيات - صحافة - شعر - فلسفة علوم - معلوماتية

  18. #18
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    03/10/2006
    العمر
    46
    المشاركات
    441
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    هذه المقالة مأخوذة من (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)


    الصوفية

    التعريف:
    التصوُّف حركة(*) دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنـزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف(*) والمشاهدة لا عن طريق إتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات(*) الوثنية(*): الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة.

    التأسيس وأبرز الشخصيات:

    مقدمة هامة:

    • خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل: الصحابي، البدري، أصحاب البيعة (*)، التابعي.

    لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو (*) العملي التعبُّدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي (*) صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

    وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوَّقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وأحبُّ العمل إلى الله أدْوَمُه وإن قل).

    ـ وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد (*)، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة (*) الذكر الجماعي بمسجد الكوفة وقضى عليها، وتصدِّيه لأصحاب معضّد بن يزيد العجلي لما اتخذوا دوراً خاصة للعبادة في بعض الجبال وردهم عن ذلك.

    • ظهور العُبّاد: في القرن الثاني الهجري في عهد التابعين وبقايا الصحابة ظهرت طائفة من العباد آثروا العزلة وعدم الاختلاط بالناس فشددوا على أنفسهم في العبادة على نحو لم يُعهد من قبل، ومن أسباب ذلك بزوغ بعض الفتن الداخلية، وإراقة بعض الدماء الزكية، فآثروا اعتزال المجتمع تصوُّناً عما فيه من الفتن، وطلباً للسلامة في دينهم، يضاف إلى ذلك أيضاً فتح الدنيا أبوابها أمام المسلمين، وبخاصة بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، وانغماس بعض المسلمين فيها، وشيوع الترف والمجون بين طبقة من السفهاء، مما أوجد ردة فعل عند بعض العباد وبخاصة في البصرة والكوفة حيث كانت بداية الانحراف عن المنهج (*) الأول في جانب السلوك.

    ـ ففي الكوفة ظهرت جماعة من أهلها اعتزلوا الناس وأظهروا الندم الشديد بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وسموا أنفسهم بالتوَّابين أو البكَّائين. كما ظهرت طبقة من العبَّاد غلب عليهم جانب التشدد في العبادة والبعد عن المشاركة في مجريات الدولة، مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الشريعة، واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلماً وتعليماً، بالإضافة إلى صدعهم بالحق وتصديهم لأهل الأهواء. كما ظهر فيهم الخوف الشديد من الله تعالى، والإغماء والصعق عند سماع القرآن الكريم مما استدعى الإنكار عليهم من بعض الصحابة وكبار التابعين كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم رضي الله عنهم، وبسببهم شاع لقب العُبَّاد والزُهَّاد والقُرَّاء في تلك الفترة. ومن أعلامهم: عامر بن عبد الله بن الزبير، و صفوان بن سليم، وطلق بن حبيب العنزي، عطاء السلمي، الأسود بن يزيد بن قيس، وداود الطائي، وبعض أصحاب الحسن البصري.

    • بداية الانحراف: كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام، فقد تطور مفهوم الزهد في الكوفة والبصرة في القرن الثاني للهجرة على أيدي كبار الزهاد أمثال: إبراهيم بن أدهم، مالك بن دينار، وبشر الحافي، ورابعة العدوية، وعبد الواحد بن زيد، إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج. يقول مالك بن دينار: "لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب". وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة، ولكن مما يجدر التنبيه عليه أنه قد نُسب إلى هؤلاء الزهاد من الأقوال المرذولة والشطحات المستنكرة ما لم يثبت عنهم بشكل قاطع كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

    ـ وفي الكوفة أخذ معضد بن يزيد العجلي هو وقبيلُه يروِّضون أنفسهم على هجر النوم وإدامة الصلاة، حتى سلك سبيلهم مجموعة من زهاد الكوفة، فأخذوا يخرجون إلى الجبال للانقطاع للعبادة، على الرغم من إنكار ابن مسعود عليهم في السابق.

    ـ وظهرت من بعضهم مثل رابعة العدوية أقوال مستنكرة في الحب والعشق الإلهي للتعبير عن المحبة بين العبد وربه، وظهرت تبعاً لذلك مفاهيم خاطئة حول العبادة من كونها لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار مخالفةً لقول الله تعالى: (يَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً).

    ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام (*)، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر(*)، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين".

    • ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها:

    ـ البداية والظهور: ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة (*) اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان (*) أهل الكتاب، وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ به. على أقوال ثلاثة:

    1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ قال عنه سفيان: "لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الرياء". وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة (*) الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية.

    2 ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة (*) الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام.

    3 ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم.

    ـ وقد تنازع العلماء أيضاً في نسبة الاشتقاق على أقوال كثيرة أرجحها:

    1ـ ما رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصُّوف حيث كان شعار رهبان (*) أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، مما يبطل محاولة نسبة الصوفية أنفسهم لأهل الصُّفَّة من أصحاب رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم، أو محاولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان.

    2ـ الاشتقاق الآخر ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوف SOPHاليونانية والتي تعني الحكمة. ويدلِّل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان حيث أفكار وحدة الوجود والحلول (*) والإشراق (*) والفيض (*). كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي ـ المقتول ردة ـ بقوله: (وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري) وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة (*)، الموسيقا، الموسيقار، السفسطة (*)، الهيولي.

    • طلائع الصوفية: ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:

    • الطبقة الأولى: وتمثل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عبّاد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم ـ مثل الجنيد ـ بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار:

    ـ الجنيد: هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة. وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي، فهذبها، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاّج و البسطامي في الفناء (*)، حيث كان يُؤْثر الصحو (*) على السكر (*) وينكر الشطحات، ويؤثر البقاء على الفناء، فللفَناءِ عنده معنى آخر، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف (*). وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي الذي يعد أول من خلط الكلام (*) بالتصوف، وبخاله السري السقطي ت 253هـ.

    وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال: أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ، وأحمد بن الحواري، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه، والسري بن المغلس السقطي أبوالحسن ت253هـ، سهل بن عبد الله التستري ت273هـ، معروف الكرخي أبو محفوظ 200هـ، وقد أتى من بعدهم ممن سار على طريقتهم مثل: أبي عبد الرحمن السلمي 412هـ محمد بن الحسين الأزدي السلمي، محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبويعلى البصري الصوفي 368هـ شيخ الخطيب البغدادي.

    ـ ومن أهم السمات الأخرى لهذه الطبقة: بداية التمييز عن جمهور المسلمين والعلماء، وظهور مصطلحات (*) تدل على ذلك بشكل مهَّد لظهور الطرق من بعد، مثل قول بعضهم: علمُنا، مذهبنا (*)، طريقنا، قال الجنيد: (علمنا مشتبك مع حديث رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم) وهو انتساب محرم شرعاً حيث يفضي إلى البدعة (*) والمعصية بل وإلى الشرك أيضاً، وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يَخرُجَ من ماله، وأن يُقلَّ من غذائه وأن يترك الزواج مادام في سلوكه.

    ـ كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان (*) ونُسَّاك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين. ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي (*) صلى الله عليه وسلم مما سبَّب العداء الشديد بينهم وبين الفقهاء، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف (*) والخوارق وبعض المقولات الكلامية. وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة في مثل: كتب أبو طالب المكي قوت القلوب وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وكتب الحارث المحاسبي. وقد حذر العلماء الأوائل من هذه الكتب لاشتمالها على الأحاديث الموضوعة والمنكرة، واشتمالها على الإسرائيليات وأقوال أهل الكتاب. سئل الإمام أبو زرعة عن هذه الكتب فقيل له: في هذه عبرة ؟ قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة.

    • ومن أهم هذه السمات المميزة لمذاهب (*) التصوف والقاسم المشترك للمنهج (*) المميز بينهم في تناول العبادة وغيرها ما يسمونه (الذوق)، والذي أدى إلى اتساع الخرق عليهم، فلم يستطيعوا أن يحموا نهجهم الصوفي من الاندماج أو التأثر بعقائد وفلسفات (*) غير إسلامية، مما سهَّل على اندثار هذه الطبقة وزيادة انتشار الطبقة الثانية التي زاد غلوها (*) وانحرافها.

    • الطبقة الثانية: خلطت الزهد بعبارات الباطنية (*)، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء (*)، والاتحاد (*)، والحلول (*)، والسكر (*)، والصحو (*)، والكشف (*)، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن.

    • •ومن أهم أعلام هذه الطبقة: أبو اليزيد البسطامي ت263هـ، ذوالنون المصري ت245هـ، الحلاج ت309هـ، أبوسعيد الخزار 277ـ 286هـ، الحكيم الترمذي ت320هـ، أبو بكر الشبلي 334 هـ وسنكتفي هنا بالترجمة لمن كان له أثره البالغ فيمن جاء بعده إلى اليوم مثل:

    ـ ذو النون المصري: وهو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، قبطي (*) الأصل من أهل النوبة، من قرية أخميم بصعيد مصر، توفي سنة 245 هـ أخذ التصوف عن شقران العابد أو إسرائيل المغربي على حسب رواية ابن خلكان وعبد الرحمن الجامي. ويؤكد الشيعة (*) في كتبهم ويوافقهم ابن النديم في الفهرست أنه أخذ علم الكيمياء عن جابر بن حيان، ويذكر ابن خلكان أنه كان من الملامتية (*) الذين يخفون تقواهم عن الناس ويظهرون استهزاءهم بالشريعة (*)، وذلك مع اشتهاره بالحكمة والفصاحة.

    ويعدُّه كُتَّاب الصوفية المؤسسَ الحقيقي لطريقتهم في المحبة والمعرفة، وأول من تكلم عن المقامات والأحوال في مصر، وقال بالكشف (*) وأن للشريعة (*) ظاهراً وباطناً. ويذكر القشيري في رسالته أنه أول من عرَّف التوحيد بالمعنى الصوفي، وأول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وأنه أول من استعمل الرمز في التعبير عن حاله، وقد تأثر بعقائد الإسماعيلية الباطنية (*) وإخوان الصفا (*) بسبب صِلاته القوية بهم، حيث تزامن مع فترة نشاطهم في الدعوة إلى مذاهبهم (*) الباطلة، فظهرت له أقوال في علم الباطن، والعلم اللدني، والاتحاد (*)، وإرجاع أصل الخلق إلى النور المحمدي، وكان لعلمه باللغة القبطية (*) أثره على حل النقوش والرموز المرسومة على الآثار القبطية في قريته مما مكَّنه من تعلم فنون التنجيم (*) والسحر والطلاسم الذي اشتغل بهم. ويعد ذو النون أول من وقف من المتصوفة على الثقافة اليونانية، ومذهب (*) الأفلاطونية الجديدة، وبخاصة ثيولوجيا أرسطو في الإلهيات، ولذلك كان له مذهبه الخاص في المعرفة والفناء (*) متأثراً بالغنوصية (*).

    ـ أبو يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى بن آدم بن شروسان، ولد في بسطام من أصل مجوسي (*)، وقد نسبت إليه من الأقوال الشنيعة ؛ مثل قوله: (خرجت من الحق إلى الحق حتى صاح فيّ: يا من أنت أنا، فقد تحققت بمقام الفناء في الله)، (سبحاني ما أعظم شأني) ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعده من أصحاب هذه الطبقة ويشكك في صدق نسبتها إليه حيث كانت له أقوال تدل على تمسكه بالسنة، ومن علماء أهل السنة والجماعة (*) من يضعه مع الحلاج والسهروردي في طبقة واحدة.

    ـ الحكيم الترمذي: أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الترمذي المتوفى سنة 320ه‍ أول من تكلم في ختم الولاية وألف كتاباً في هذا أسماه ختم الولاية كان سبباً لاتهامه بالكفر وإخراجه من بلده ترمذ، يقول عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: "تكلم طائفة من الصوفية في "خاتم الأولياء" وعظَّموا أمره كالحكيم الترمذي، وهو من غلطاته، فإن الغالب على كلامه الصحة بخلاف ابن عربي فإنه كثير التخليط). [ مجموع الفتاوى [1/363] وينسب إليه أنه قال: "للأولياء (*) خاتم كما أن للأنبياء (*) خاتماً"، مما مهد الطريق أمام فلاسفة الصوفية أمثال ابن عربي وابن سبعين وابن هود والتلمساني للقول بخاتم الأولياء (*)، وأن مقامه يفضل مقام خاتم الأنبياء (*).

    • الطبقة الثالثة:
    وفيها اختلط التصوف بالفلسفة (*) اليونانية، وظهرت أفكار الحلول (*) والاتحاد (*) ووحدة الوجود، على أن الموجود الحق هو الله وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض (*) والإشراق (*) على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت به مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية. ومن أشهر رموز هذه الطبقة: الحلاج ت309هـ، السهروردي 587هـ، ابن عربي ت638هـ، ابن الفارض 632هـ، ابن سبعين ت 667 هـ.

    ـ الحـلاَّج: أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج 244 ـ 309هـ ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي، ونشأ في واسط بالعراق، وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين، رمي بالكفر (*) وقتل مصلوباً لتهم أربع وُجِّهت إليه:
    1ـ اتصاله بالقرامطة.
    2ـ قوله "أنا الحق".
    3ـ اعتقاد أتباعه ألوهيته.
    4ـ قوله في الحج، حيث يرى أن الحج إلى البيت الحرام ليس من الفرائض الواجب أداؤها.

    كانت في شخصيته كثير من الغموض، فضلاً عن كونه متشدداً وعنيداً ومغالياً، له كتاب الطواسين الذي أخرجه وحققه المستشرق الفرنسي ماسنيون.

    • يرى بعض الباحثين أن أفراد الطائفة في القرن الثالث الهجري كانوا على علم باطني واحد، منهم من كتمه ويشمل أهل الطبقة الأولى بالإضافة إلى الشبلي القائل: (كنت أنا والحسين بن منصور ـ الحلاج ـ شيئاً واحداً إلا أنه أظهر وكتمت)، ومنهم من أذاع وباح به ويشمل الحلاج وطبقته فأذاقهم الله طعم الحديد، على ما صرَّحت به المرأة وقت صلبه بأمر من الجنيد حسب رواية المستشرق الفرنسي ماسنيون.

    • ظهور الفرق:
    وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهمي الصوفي الإيراني 357 ـ 430 هـ تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي أوّل هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة.

    • يعتبر القرن الخامس امتداداً لأفكار القرون السابقة، التي راجت من خلال مصنفات أبي عبد الرحمن السلمي، المتوفى 412هـ والتي يصفها ابن تيمية بقوله: (يوجد في كتبه من الآثار الصحيحة والكلام المنقول ما ينتفع به في الدين (*)، ويوجد فيه من الآثار السقيمة والكلام المردود ما يضر من لا خيرة له، وبعض الناس توقف في روايته) [ مجموع الفتاوى 1/ 578 ]، فقد كان يضع الأحاديث لصالح الصوفية.

    • • ما بين النصف الثاني من القرن الخامس وبداية السادس في زمن أبي حامد الغزالي الملقَّب بحجَّة الإسلام ت505هـ أخذ التصوف مكانه عند من حسبوا على أهل السنة (*). وبذلك انتهت مرحلة الرواد الأوائل أصحاب الأصول غير الإسلامية، ومن أعلام هذه المرحلة التي تمتد إلى يومنا هذا:

    ـ أبو حامد الغزالي: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي 450 ـ 505هـ ولد بطوس من إقليم خراسان، نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب (*) مثل: علم الكلام (*) والفلسفة (*)، والباطنية (*)، والتصوف، مما أورثه ذلك حيرة وشكًّا دفعه للتقلُّب بين هذه المذاهب الأربعة السابقة أثناء إقامته في بغداد، رحل إلى جرجان ونيسابور، ولازم نظام الملك، درس في المدرسة النظامية ببغداد، واعتكف في منارة مسجد دمشق، ورحل إلى القدس ومنها إلى الحجاز ثم عاد إلى موطنه. وقد ألف عدداً من الكتب منها: تهافُت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال، وأهمها إحياء علوم الدين. ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف (*) في المعرفة، التي تسلمت راية التصوف من أصحاب الأصول الفارسية إلى أصحاب الأصول السنية، ومن جليل أعماله هدمُه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية في كتابه المستظهري أو فضائح الباطنية. ويحكي تلميذه عبد الغافر الفارسي آخرَ مراحل حياته، بعدما عاد إلى بلده طوس، قائلاً: (وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ اللذين هما حجة الإسلام) ا. هـ. وذلك بعد أن صحب أهل الحديث في بلده من أمثال: أبي سهيل محمد بن عبد الله الحفصي الذي قرأ عليه صحيح البخاري، والقاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي الذي سمع عليه سنن أبي داود [طبقات السبكي 4 / 110].

    ـ وفي هذه المرحلة ألف كتابه إلجام العوام عن علم الكلام الذي ذم فيه علم الكلام (*) وطريقته، وانتصر لمذهب (*) السلف ومنهجهم (*) فقال: (الدليل على أن مذهب السلف هو الحق: أن نقيضه بدعة (*)، والبدعة مذمومة وضلالة، والخوض من جهة العوام في التأويل (*) والخوض بهم من جهة العلماء بدعة مذمومة، وكان نقيضه هو الكف عن ذلك سنة محمودة) ص[96].

    ـ وفيه أيضاً رجع عن القول بالكشف (*) وإدراك خصائص النبوة (*) وقواها، والاعتماد في التأويل (*) أو الإثبات على الكشف الذي كان يراه من قبل غاية العوام.

    • يمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني، المتوفى سنة 561ه‍ ، وقد رزق بتسعة وأربعين ولداً، حمل أحد عشر منهم تعاليمه ونشروها في العالم الإسلامي، ويزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ رغم عدم لقائه بالحسن البصري، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وتصرفه في الكون حيًّا أو ميتاً، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال الشنيعة. ومن هذه الأقوال أنه قال مرة في أحد مجالسه: "قدمي هذه على رقبة كل ولي (*) لله"، وكان يقول: "من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي في حاجة قضيت له)، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الشرك وادعاء الربوبية.

    ـ يقول السيد محمد رشيد رضا: "يُنقل عن الشيخ الجيلاني من الكرامات وخوارق العادات ما لم ينقل عن غيره، والنقاد من أهل الرواية لا يحفلون بهذه النقول إذ لا أسانيد لها يحتج بها" [دائرة المعارف الإسلامية11/171].

    • كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ت 540ه‍ ويطلق عليها البطائحية نسبةً إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وينسج حوله كُتَّاب الصوفية ـ كدأبهم مع من ينتسبون إليهم ـ الأساطير والخرافات، بل ويرفعونه إلى مقام الربوبية. ومن هذه الأقوال: (كان قطب الأقطاب (*) في الأرض، ثم انتقل إلى قطبية السماوات، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال) [طبقات الشعراني ص141، قلادة الجواهرص42].

    ـ وقد تزوج الرفاعي العديد من النساء ولكنه لم يعقب، ولذلك خلفه على المشيخة من بعده علي بن عثمان ت584ه‍ ثم خلفه عبد الرحيم بن عثمان ت604ه‍، ولأتباعه أحوال وأمور غريبة ذكرها الحافظ الذهبي ثم قال: "لكن أصحابه فيهم الجيد والرديء".

    ـ وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة (*) السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن 549-587ه‍‍، صاحب مدرسة الإشراق (*) الفلسفية التي أساسها الجمع بين آراء مستمدة من ديانات الفرس القديمة ومذاهبها في ثنائية الوجود وبين الفلسفة اليونانية في صورتها الأفلاطونية الحديثة ومذهبها في الفيض أو الظهور المستمر، ولذلك اتهمه علماء حلب بالزندقة (*) والتعطيل (*) والقول بالفلسفة (*) الإشراقية مما حدا بهم أن يكتبوا إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي محضراً بكفره (*) وزندقته فأمر بقتله ردة، وإليه تنسب الطريقة السهروردية ومذاهبها في الفيض (*) أو الظهور المستمر. ومن كتبه: حكمة الإشراق (*)، هياكل النور، التلويحات العرشية، والمقامات.

    • تحت تأثير تراكمات مدارس الصوفية في القرون السالفة أعاد ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، بعثَ عقيدة الحلاج، وذي النون المصري، والسهروردي.

    • في القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي الطائي الأندلسي أحد رؤوس الصوفية حتى لُقِّب بالشيخ الأكبر.

    ـ محيي الدين ابن عربي: الملقب بالشيخ الأكبر 560-638ه‍ رئيس مدرسة وحدة الوجود، يعتبر نفسه خاتم الأولياء (*)، ولد بالأندلس، ورحل إلى مصر، وحج، وزار بغداد، واستقر في دمشق حيث مات ودفن، وله فيها الآن قبر يُزار، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلّى فيه الصفات الإلهية إذا تيسر له الاستغراق في وحدانية الله، وله كتب كثيرة يوصلها بعضهم إلى 400 كتاب ورسالة ما يزال بعضها محفوظاً بمكتبة يوسف أغا بقونية ومكتبات تركيا الأخرى، وأشهر كتبه: روح القدس (*)، وترجمان الأشواق (*) وأبرزها: الفتوحات المكية وفصوص الحكم.

    ـ أبو الحسن الشاذلي 593-656ه‍: صاحبَ ابن عربي مراحل الطلب ـ طلب العلم ـ ولكنهما افترقا حيث فضّل أبو الحسن مدرسة الغزالي في الكشف (*) بينما فضل ابن عربي مدرسة الحلاج وذي النون المصري، وقد أصبح لكلتا المدرستين أنصارهما إلى الآن داخل طرق الصوفية، مع ما قد تختلط عند بعضهم المفاهيم فيهما، ومن أشهر تلاميذ مدرسة أبي الحسن الشاذلي ت656ه‍ أبو العباس ت686ه‍، وإبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي ت675ه‍. ويلاحظ على أصحاب هذه المدرسة إلى اليوم كثرة اعتذارها وتأويلها (*) لكلام ابن عربي ومدرسته.

    • وفي القرن السابع ظهر أيضاً جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية بتركيا ت672ه‍ـ.

    أصبح القرن الثامن والتاسع الهجري ما هو إلا تفريع وشرح لكتب ابن عربي وابن الفارض وغيرهما، ولم تظهر فيه نظريات جديدة في التصوف. ومن أبرز سمات القرن التاسع هو اختلاط أفكار كلتا المدرستين. وفي هذا القرن ظهر محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية ت791هـ. وكذلك القرن العاشر ما كان إلا شرحاً أو دفاعاً عن كتب ابن عربي، فزاد الاهتمام فيه بتراجم أعلام التصوف، والتي اتسمت بالمبالغة الشديدة. ومن كتّاب تراجم الصوفية في هذا القرن: عبد الوهاب الشعراني ت 973ه‍ صاحب الطبقات الصغرى والكبرى.

    وفي القرون التالية اختلط الأمر على الصوفية، وانتشرت الفوضى بينهم، واختلطت فيهم أفكار كلتا المدرستين وبدأت مرحلة الدراويش.

    ـ ومن أهم ما تتميز‍ به القرون المتأخرة ظهور ألقاب شيخ السجادة، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والخليفة والبيوت الصوفية التي هي أقسام فرعية من الطرق نفسها مع وجود شيء من الاستقلال الذاتي يمارس بمعرفة الخلفاء، كما ظهرت فيها التنظيمات والتشريعات المنظمة للطرق تحت مجلس وإدارة واحدة الذي بدأ بفرمان أصدره محمد علي باشا والي مصر يقضي بتعيين محمد البكري خلفاً لوالده شيخاً للسجادة البكرية وتفويضه في الإشراف على جميع الطرق والتكايا والزوايا والمساجد التي بها أضرحة كما له الحق في وضع مناهج التعليم التي تعطى فيها. وذلك كله في محاولة لتقويض سلطة شيخ الأزهر وعلمائه، وقد تطورت نظمه وتشريعاته ليعرف فيما بعد بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر.



    من أشهر رموز القرون التأخرة:
    ـ عبد الغني النابلسي 1050-1143ه‍.
    ـ أبو السعود البكري المتوفى 1812م أول من عرف بشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بشكل غير رسمي.
    ـ أبو الهدى الصيادي الرفاعي 1220-1287هـ.
    ـ عمر الفوتي الطوري السنغالي الأزهري التيجاني ت 1281ه‍، ومما يحسن ذكره له أنه اهتم بنشر الإسلام بين الوثنيين (*)، وكوَّن لذلك جيشاً، وخاض به حروباً مع الوثنيين، واستولى على مملكة سيغو وعلى بلاد ماسينه. ومن مؤلفاته: سيوف السعيد، سفينة السعادة، رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم.
    ـ محمد عثمان الميرغني ت1268ه‍. ستأتي ترجمة له في مبحث الختمية.
    ـ أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، فقيه متفلسف، من أهل فاس بالمغرب، أسس الطريقة الكتانية 1290-1327ه‍، انتقد عليه علماء فاس بعض أقواله ونسبوه إلى فساد الاعتقاد. ومن كتبه: حياة الأنبياء، لسان الحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الأحمدية الكتانية.
    ـ أحمد التيجاني ت1230ه‍. ستأتي ترجمة له في مبحث التيجانية.
    ـ حسن رضوان 1239-1310ه‍ صاحب أرجوزة روض القلوب المستطاب في التصوف.
    ـ صالح بن محمد بن صالح الجعفري الصادقي 1328-1399ه‍ انتسب إلى الطريقة الأحمدية الإدريسية بعد ما سافر إلى مصر والتحق بالأزهر، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ حبيب الله الشنقيطي، والشيخ يوسف الدجوي، ومن كتبه: الإلهام النافع لكل قاصد، القصيدة التائية، الصلوات الجعفرية.




    الأفكار والمعتقدات:

    • مصادر التلقي:

    ـ الكشف (*): ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف، بل تحقيق غاية عبادتهم، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية منها:

    1ـ النبي (*) صلى الله عليه وسلم: ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً.

    2ـ الخضر عليه الصلاة السلام: قد كثرت حكايتهم عن لقياه، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية، وكذلك الأوراد، والأذكار والمناقب.

    3ـ الإلهام: سواء كان من الله تعالى مباشرة، وبه جعلوا مقام الصوفي فوق مقام النبي حيث يعتقدون أن الولي (*) يأخذ العلم مباشرة عن الله تعالى حيث أخذه الملك الذي يوحي (*) به إلى النبي (*) أو الرسول (*).

    4ـ الفراسة: التي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها.

    5ـ الهواتف: من سماع الخطاب من الله تعالى، أو من الملائكة، أو الجن الصالح، أو من أحد الأولياء (*)، أو الخضر، أو إبليس، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن.

    6ـ الإسراءات والمعاريج: ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي، وجولاتها هناك، والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار.

    7ـ الكشف الحسي: بالكشف (*) عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر.

    8 ـ الرؤى والمنامات: وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها حيث يزعمون أنهم يتلقَّون فيها عن الله تعالى، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية.

    ـ الذوق: وله إطلاقان:

    1 ـ الذوق العام الذي ينظم جميع الأحوال والمقامات، ويرى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال إمكان السالك أن يتذوَّق حقيقة النبوة، وأن يدرك خاصيتها بالمنازلة.

    2ـ أما الذوق الخاص فتتفاوت درجاته بينهم حيث يبدأ بالذوق ثم الشرب.

    ـ الوجد: وله ثلاثة مراتب:
    1 ـ التواجد.
    2 ـ الوجد.
    3 ـ الوجود.

    ـ التلقي عن الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأشياخ المقبورين.

    • تتشابه عقائد الصوفية وأفكارهم وتتعدد بتعدد مدارسهم وطرقهم ويمكن إجمالها فيما يلي:
    ـ يعتقد المتصوفة في الله تعالى عقائد شتى، منها الحلول (*) كما هو مذهب (*) الحلاج، ومنها وحدة الوجود حيث عدم الانفصال بين الخالق والمخلوق، ومنهم من يعتقد بعقيدة الأشاعرة والماتريدية في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته.
    ـ والغلاة (*) منهم يعتقدون في الرسول (*) صلى الله عليه وسلم أيضاً عقائد شتى، فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله". ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خُلقت من نوره، وأنه أول موجود ؛ وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه. ومنهم من لا يعتقد بذلك بل يرده ويعتقد ببشريته ورسالته ولكنهم مع ذلك يستشفعون ويتوسلون به صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى على وجه يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة (*).

    ـ وفي الأولياء (*) يعتقد الصوفية عقائد شتى، فمنهم من يفضِّل الولي على النبي (*)، ومنهم يجعلون الولي مساوياً لله في كل صفاته، فهو يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويتصرف في الكون. ولهم تقسيمات للولاية، فهناك الغوث، والأقطاب، والأبدال(*) والنجباء (*) حيث يجتمعون في ديوان لهم في غار حراء كل ليلة ينظرون في المقادير. ومنهم من لا يعتقد ذلك ولكنهم أيضاً يأخذونهم وسائط بينهم وبين ربهم سواءً كان في حياتهم أو بعد مماتهم.

    وكل هذا بالطبع خلاف الولاية في الإسلام التي تقوم على الدين (*) والتقوى، وعمل الصالحات، والعبودية الكاملة لله والفقر إليه، وأن الولي لا يملك من أمر نفسه شيئاً فضلاً عن أنه يملك لغيره، قال تعالى لرسوله: (قُل إنّي لا أملِكُ لكم ضَرًّا ولا رَشَداً) [الجن:21].
    ـ يعتقدون أن الدين شريعة وحقيقة، والشريعة هي الظاهر من الدين وأنها الباب الذي يدخل منه الجميع، والحقيقة هي الباطن الذي لا يصل إليه إلا المصطفون الأخيار.

    ـ التصوف في نظرهم طريقة وحقيقة معاً.

    ـ لابد في التصوف من التأثير الروحي الذي لا يأتي إلا بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه.

    ـ لابد من الذكر والتأمل الروحي وتركيز الذهن في الملأ الأعلى، وأعلى الدرجات لديهم هي درجة الولي.

    ـ يتحدث الصوفيون عن العلم الَّلدُنّي الذي يكون في نظرهم لأهل النبوة (*) والولاية (*)، كما كان ذلك للخضر عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر الله تعالى عن ذلك فقال: (وعلَّمناهُ من لَدُنَّا عِلْماً).

    ـ الفناء (*): يعتبر أبو يزيد البسطامي أول داعية في الإسلام إلى هذه الفكرة، وقد نقلها عن شيخه أبي علي السندي حيث الاستهلاك في الله بالكلية، وحيث يختفي نهائيًّا عن شعور العبد بذاته ويفنى المشاهد فينسى نفسه وما سوى الله، ويقول القشيري: الاستهلاك بالكلية يكون (لمن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الغبار لا عيناً ولا أثراً ولا رسماً) "مقام جمع الجمع" وهو: "فناء العبد عن شهود فنائه باستهلاكه في وجود الحق".

    إن مقام الفناء حالة تتراوح فيها تصورات السالك بين قطبين متعارضين هما التنزيه (*) والتجريد من جهة والحلول (*) والتشبيه (*) من جهة أخرى.

    • درجات السلوك:

    ـ هناك فرق بين الصوفي والعابد والزاهد إذ أن لكل واحد منهم أسلوباً ومنهجاً وهدفاً.
    وأول درجات السلوك حبُّ الله ورسوله، ودليله الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم الأسوة الحسنة: (لَقد كانَ لكُم في رَسُولِ الله أُسوةٌ حَسَنةٌ).
    ثم التوبة: وذلك بالإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، وإبراء صاحبها إن كانت تتعلق بآدمي.

    ـ المقامات: "هي المنازل الروحية التي يمر بها السالك إلى الله فيقف فترة من الزمن مجاهداً في إطارها حتى ينتقل إلى المنزل الثاني" ولابد للانتقال من جهاد (*) وتزكية. وجعلوا الحاجز بين المريد وبين الحق سبحانه وتعالى أربعة أشياء هي: المال، والجاه، والتقليد (*)، والمعصية.

    ـ الأحوال: "إنها النسمات التي تهب على السالك فتنتعش بها نفسه لحظات خاطفة ثم تمر تاركة عطراًً تتشوق الروح للعودة إلى تنسُّم أريجه". قال الجنيد: "الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم".
    والأحوال مواهب، والمقامات مكاسب، ويعبِّرون عن ذلك بقولهم: (الأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود).

    ـ الورع: أن يترك السالك كل ما فيه شبهة، ويكون هذا في الحديث والقلب والعمل.

    ـ الزهد: وهو يعني أن تكون الدنيا على ظاهر يده، وقلبه معلق بما في يد الله. يقول أحدهم عن زاهد: (صدق فلان، قد غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده على ظاهره). قد يكون الإنسان غنيًّا وزاهداً في ذات الوقت إذ أن الزهد لا يعني الفقر، فليس كل فقير زاهداً، وليس كل زاهد فقيراً، والزهد على ثلاث درجات:

    1 ـ ترك الحرام، وهو زهد العوام.
    2 ـ ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
    3 ـ ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى، وهو زهد العارفين.

    ـ التوكل: يقولون: التوكل بداية، والتسليم واسطة، والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية، ويقول سهل التستري: "التوكل: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد".

    ـ المحبة: يقول الحسن البصري ت110ه‍: ( فعلامة المحبة الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل صلة، والهرب من كل ما لا يعينه على مذهبه).

    ـ الرضا: يقول أحدهم:(الرضا بالله الأعظم، هو أن يكون قلب العبد ساكناً تحت حكم الله عز وجل) ويقول آخر: (الرضا آخر المقامات، ثم يقتفي من بعد ذلك أحوال أرباب القلوب، ومطالعة الغيوب، وتهذيب الأسرار لصفاء الأذكار وحقائق الأحوال).

    ـ يطلقون الخيال: لفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يصل السالك إلى اليقين وهو على ثلاث مراتب:

    1 ـ علم اليقين: وهو يأتي عن طريق الدليل النقلي من آيات وأحاديث (كلاَّ لَوْ تَعلمُونَ عِلمَ اليَقين). [ سورة التكاثر:5].

    2ـ عين اليقين: وهو يأتي عن طريق المشاهدة والكشف (*): (ثمَّ لَتَرونَّها عَينَ اليقين) [سورة التكاثر:7].

    3ـ حق اليقين: وهو ما يتحقق عن طريق الذوق: (إنَّ هذا لهو حقُّ اليَقين فسبِّح باسمِ ربِّك العظيم) [سورة الواقعة:95،96].

    - وأما في الحكم والسلطان والسياسة فإن المنهج (*) الصوفي هو عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين لأن الله في زعمهم أقام العباد فيما أراد.

    ـ ولعل أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها، وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس، ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله، ثم بالتلبيس على الشخص، ثم بالرزق إلى علوم التصوف شيئاً فشيئاً، ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.

    • مدارس الصوفية:
    ـ مدرسة الزهد: وأصحابها: من النُّسَّاك والزُّهَّاد والعُبَّاد والبكَّائين، ومن أفرادها: رابعة العدوية، وإبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار.

    ـ مدرسة الكشف (*) والمعرفة: وهي تقوم على اعتبار أن المنطق العقلي وحده لا يكفي في تحصيل المعرفة وإدراك حقائق الموجودات، إذ يتطور المرء بالرياضة النفسية حتى تنكشف عن بصيرته غشاوة الجهل وتبدو له الحقائق منطبقة في نفسه تتراءى فوق مرآة القلب، وزعيم هذه المدرسة: أبو حامد الغزالي.

    ـ مدرسة وحدة الوجود: زعيم هذه المدرسة محيي الدين بن عربي: ( وقد ثبت عن المحققين أنه ما في الوجود إلا الله، ونحن إن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به، فما ظهر من الوجود بالوجود إلا الحق، فالوجود الحق وهو واحد، فليس ثم شيء هو له مثل، لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متماثلان).

    ـ مدرسة الاتحاد (*) والحلول (*): وزعيمها: الحلاج، ويظهر في هذه المدرسة التأثر بالتصوف الهندي والنصراني، حيث يتصور الصوفي عندها أن الله قد حل (*) فيه وأنه قد اتحد (*) هو بالله، فمن أقوالهم: (أنا الحق) و (ما في الجبة إلا الله) وما إلى ذلك من الشطحات التي تنطلق على ألسنتهم في لحظات السكر (*) بخمرة الشهود على ما يزعمون.

    • طرق الصوفية:

    ـ الجيلانية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني 470 ـ 561ه‍ المدفون في بغداد، حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرُّك به، اطلع على كثير من علوم عصره، وقد نسب أتباعه إليه كثيراً من الكرامات (*)، على نحو ما ذكرنا من قبل.

    ـ الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي 512-580ه‍ من بني رفاعة أحد قبائل العرب، و جماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني: (وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين (*) والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة (*) إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالهم عبارة عن مسك الحيات) 1/370.

    وتتفق الرفاعية مع الشيعة (*) في أمور عدة منها: إيمانهم بكتاب الجفر (*)، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر، وأن أحمد الرفاعي هو الإمام الثالث عشر، بالإضافة إلى مشاركتهم الحزن يوم عاشوراء. وغير ذلك.

    هذا رغم ما ورد عن شيخ طريقتهم ـ الشيخ أحمد الرفاعي ـ من الحض الشديد على السنة واجتناب البدعة ومنها قوله: (ما تهاون قوم بالسنة وأهملوا قمع البدعة إلا سلط الله عليهم العدو، و ما انتصر قوم للسنة وقمعوا البدعة وأهلها إلا رزقهم هيبة من عنده ونصرهم وأصلح شأنهم).

    وللرفاعية انتشار ملحوظ في غرب آسيا.

    ـ البدوية: وتنسب إلى أحمد البدوي596-634ه‍ ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته، وله فيها ضريح مقصود، حيث يقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنويًّا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ، وبعضه من الشرك المخرج من الملة. وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر، ولهم فيها فروع كالبيُّومية والشنَّاوية وأولاد نوح والشعبية، وشارتهم العمامة الحمراء.

    ـ الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي 633-676ه‍ المدفون بمدينة دسوق في مصر، يدعي المتصوفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يرجع إليهم تدبير الأمور في هذا الكون !!

    ـ الأكبرية: نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي، وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر، ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء.

    ـ الشاذلية: نسبة إلى أبي الحسين الشاذلي 593-656ه‍ ولد بقرية عمارة قرب مرسية في بلاد المغرب، وانتقل إلى تونس، وحج عدة مرات، ثم دخل العراق ومات أخيراً في صحراء عيذاب بصعيد مصر في طريقه إلى الحج، قيل عنه: ( إنه سهّل الطريقة على الخليقة) لأن طريقته أسهل الطرق وأقربها، فليس فيها كثير مجاهدة، انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب، وأهل مدينة مخا يدينون له بالتقدير والاعتقاد العميق في ولايته، وانتشرت طريقته كذلك في مراكش وغرب الجزائر وفي شمال أفريقيا وغربها بعامة.

    ـ البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني، وقد كان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول، وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.

    ـ المولوية: أنشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ت672ه‍ والمدفون بقونية، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب وفي بعض أقطار المشرق.

    ـ النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه نقشبند 618-691ه‍ وهي طريقة سهلة كالشاذلية، انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.

    ـ الملامتية: مؤسسها أبوصالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار ت271ه‍ أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها، وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستهتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.

    ـ وهناك طرق كثيرة غير هذه: كالقنائية، والقيروانية، والمرابطية، والبشبشية، والسنوسية، والمختارية، والختمية … وغيرها، ولاشك أن كل هذه الطرق بدعية.

    • شطحات الصوفية:
    سلك بعضهم طريق تحضير الأرواح (*) معتقداً بأن ذلك من التصوف، كما سلك آخرون طريق الشعوذة والدجل، وقد اهتموا ببناء الأضرحة وقبور الأولياء (*) وإنارتها وزيارتها والتمسُّح بها، وكل ذلك من البدع (*) التي ما أنزل الله بها من سلطان.

    ـ يقول بعضهم بارتفاع التكاليف ـ إسقاط التكاليف (*) ـ عن الولي (*)، أي أن العبادة تصير لا لزوم لها بالنسبة إليه، لأنه وصل إلى مقام لا يحتاج معه إلى القيام بذلك، ولأنه لو اشتغل بوظائف الشرع وظواهره انقطع عن حفظ الباطن وتشوش عليه بالالتفات عن أنواع الواردات الباطنية إلى مراعاة الظاهر.

    ـ ويُنقل عن الغزالي انتقاده لمن غلبه الغرور، ويعدِّد فرقهم:
    1 ـ فرقة اغتروا بالزي والهيئة والمنطق (*).
    2ـ وفرقة ادعت علم المعرفة، ومشاهدة الحق، ومجاوزة المقامات والأحوال .
    3ـ وفرقة وقعت في الإباحة، وطووا بساط الشرع، ورفضوا الأحوال، وسووا بين الحلال والحرام.
    4ـ وبعضهم يقول: الأعمال بالجوارح لا وزن لها وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله، وإنما نخوض في الدنيا بأيدينا، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربوبية، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب.

    ـ ومذهب الوحدة المطلقة لم يكن له وجود في الإسلام بصورته الكاملة قبل ابن عربي، فهو الواضع لدعائمه والمؤسس لمدرسته والمفضل لمعانيه ومراميه، وله فصوص الحكم والفتوحات المكية وغيرهما.

    ـ أما الحلاج فيعتبر صاحب مدرسة الاتحاد (*) والحلول (*)، وله أقوال منها:
    أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حلـلنا بَدَنـا
    فإذا أبصرتـني أبصرتـه وإذا أبصرتـه أبصـرتنا

    وقوله:
    مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة في الماء الزلال
    فإذا مسَّك شــيء مسـني فإذا أنـت أنا في كل حـال

    ـ يستخدم الصوفيون لفظ ( الغوث والغياث ) وقد أفتى ابن تيمية كما جاء في كتاب مجموع الفتاوى ص 437: (فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غوث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا نبي مرسل).

    ـ لقد أجمعت كل طرق الصوفية على ضرورة الذكر، وهو عند النقشبندية لفظ الله مفرداً، وعند الشاذلية لا إله إلا الله، وعند غيرهم مثل ذلك مع الاستغفار والصلاة على النبي، وبعضهم يقول عند اشتداد الذكر: هو هو، بلفظ الضمير. وفي ذلك يقول ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى ص 229: (وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فلا أصل له، فضلاً عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين، بل هو وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات، وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد).

    ويقول في ص 228 أيضاً: (من قال: يا هو يا هو، أو هو هو، ونحو ذلك، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره القلب، والقلب قد يهتدي وقد يضل).

    ـ قد يأتي بعض المنتسبين إلى التصوف بأعمال عجيبة وخوارق، وفي ذلك يقول ابن تيمية ص 494: (وأما كشف الرؤوس، وتفتيل الشعر، وحمل الحيات، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين، ولا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا شيوخ المسلمين، ولا من المتقدمين، ولا من المتأخرين، ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي، وإنما ابتُدع هذا بعد موت الشيخ بمدة طويلة).

    ـ ويقول أيضاً في ص 504: (وأما النذر للموتى من الأنبياء (*) والمشايخ وغيرهم أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم فهو نذرُ شركٍ ومعصية لله تعالى).

    ـ وفي ص 506 من نفس الكتاب: (وأما الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشايخ والملوك وغيرهم فإنه منهي عنه).

    ـ ويقول في ص 505 من نفس الكتاب أيضاً: (وأما مؤاخاة الرجال والنساء الجانب وخلوتهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة، فهذا حرام باتفاق المسلمين ، ومن جعل ذلك من الدين فهو من إخوان الشياطين).

    ـ وفي مقام الفناء (*) عن شهود ما سوى الرب ـ وهو الفناء عن الإرادة ـ يقول ابن تيمية ص337 من كتابه: (وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجنة إلا الله، إذا فنى بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وفي مثل هذا المقام يقع السكر (*) الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشق الصور. ويُحكم على هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليه فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال المحرمة، بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل أمراً محرماً. وكما أنه لا جناح عليهم فلا يجوز الاقتداء بهم ولا حمل كلامهم وفعالهم على الصحة، بل هم في الخاصة مثل الغافل والمجنون في التكاليف الظاهرة).

    ـ أما في مقام الفناء (*) عن وجود السوي فيقول ص337 من الكتاب أيضاً: (الثالث: فناء وجود السوي، بمعنى أنه يرى الله هو الوجود وأنه لا وجود لسواه، لا به ولا بغيره، وهذا القول للاتحادية الزنادقة (*) من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوي ونحوهم، الذين يجعلون الحقيقة أنه غير الموجودات وحقيقة الكائنات، وأنه لا وجود لغيره، لا بمعنى أن قيام الأشياء به ووجودها به لكنهم يريدون أنه عين الموجودات، فهذا كفر (*) وضلال).

    • تجاوزات بعض المنتسبين إلى الصوفية في الوقت الحاضر:

    ـ من أبرز المظاهر الشركية التي تؤخذ على الصوفية ما يلي:
    1 ـ الغلو (*) في الرسول.
    2 ـ الحلول (*) والاتحاد (*).
    3 ـ وحدة الوجود.
    4ـ الغلو في الأولياء.
    5ـ الادعاءات الكثيرة الكاذبة، كادعائهم عدم انقطاع الوحي (*) وما لهم من المميزات في الدنيا والآخرة.
    6ـ ادعاؤهم الانشغال بذكر الله عن التعاون لتحكيم شرع الله (*) والجهاد (*) في سبيله، مع ما كان لقلة منهم من مواقف طيبة ضد الاستعمار.
    7ـ كثيراً ما يتساهل بعض المحسوبين على التصوف في التزام أحكام الشرع.
    8ـ طاعة المشايخ والخضوع لهم، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم.
    9ـ تجاوزات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، في هيئة ما يسمونه الذكر، وهو هزّ البدن والتمايل يميناً وشمالاً، وذكر كلمة الله في كل مرة مجرَّدة، والادعاء بأن المشايخ مكشوفٌ عن بصيرتهم، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم.

    الجذور الفكرية والعقائدية:
    ـ إن المجاهدات الصوفية إنما ترجع إلى زمن سحيق في القدم من وقت أن شعر الإنسان بحاجة إلى رياضة نفسه ومغالبة أهوائه.

    ـ لا شك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد، والورع والتوبة والرضا … إنما هي أمور من الإسلام، وأن الإسلام يحثُّ على التمسك بها والعمل من أجلها، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات لهذه المصطلحات (*) مخالفة لما كان عليه الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته.

    لكن الذي وصل إليه بعضهم من الحلول (*) والاتحاد (*) والفناء (*)، وسلوك طريق المجاهدات الصعبة، إنما انحدرت هذه الأمور إليهم من مصادر دخيلة على الإسلام كالهندوسية والجينية والبوذية والأفلاطونية والزرادشتية والمسيحية (*). وقد عبر عن ذلك كثير من الدارسين للتصوف منهم:

    ـ المستشرق ميركس، يرى أن التصوف إنما جاء من رهبانية (*) الشام.
    ـ المستشرق جونس يرده إلى فيدا الهنود.
    ـ نيكولسون، يقول بأنه وليدٌ لاتحاد الفكر اليوناني والديانات (*) الشرقية، أو بعبارة أدق: وليد لاتحاد الفلسفة (*) الأفلاطونية الحديثة والديانات المسيحية والمذهب (*) الغنوصي (*).

    ـ إن السقوط في دائرة العدمية بإسقاط التكاليف (*) وتجاوز الأمور الشرعية إنما هو أمر عرفته البرهمية حيث يقول البرهمي: (حيث أكون متحداً مع برهماً لا أكون مكلفاً بعمل أو فريضة).

    ـ قول الحلاج في الحلول، وقول ابن عربي في الإنسان الكامل يوافق مذهب النصارى في عيسى عليه السلام.

    ـ لقد فتح التصوفُ المنحرفُ باباً واسعاً دخلت منه كثير من الشرور على المسلمين مثل التواكل، والسلبية، وإلغاء شخصية الإنسان، وتعظيم شخصية الشيخ، فضلاً عن كثير من الضلالات والبدع (*) التي تُخرج صاحبها من الإسلام.

    الانتشار ومواقع النفوذ:
    انتشر التصوف على مدار الزمان وشمل معظم العالم الإسلامي، وقد نشأت فرقهم وتوسعت في مصر والعراق وشمال غرب أفريقيا، وفي غرب ووسط وشرق آسيا.

    لقد تركوا أثراً في الشعر والنثر وفنون الغناء والإنشاد، وكانت لهم آثار في إنشاء الزوايا والتكايا.

    لقد كان للروحانية الصوفية أثر في جذب الغربيين الماديين إلى الإسلام، ومن أولئك مارتن لنجز الذي يقول: (إنني أوروبي وقد وجدت خلاص روحي ونجاتها في التصوف). على أن اهتمام الغربيين ومراكز الاستشراق في الجامعات الغربية والشرقية بالتصوف يدعو إلى الريبة، فبالإضافة إلى انجذاب الغربيين إلى روحانية التصوف وإعجابهم بالمادة الغزيرة التي كتبت عن التصوف شرحاً وتنظيراً، فإن هناك أسباباً أخرى لاهتمام المستشرقين والمؤسسات الأكاديمية والغربيين بصفة عامة بالتصوف، من هذه الأسباب:

    ـ إبراز الجانب السلبي الاستسلامي الموجود في التصوف وتصويره على اعتبار أنه الإسلام.

    ـ موافقة التصوف للرهبانية (*) المسيحية (*) واعتباره امتداداً لهذا التوجه.

    ـ ميل منحرفي المتصوفة إلى قبول الأديان (*) جميعاً، واعتبارها وسيلة للتربية الروحية، وقد وُجِد في الغرب من يعتبر نفسه متصوفاً، ويستعمل المصطلحات (*) وبعض السلوكيات الإسلامية دون أن يكون مسلماً، وذلك من بين أتباع اليهودية والمسيحية والبوذية وغيرها من الأديان.

    ـ تجسيم الصراع بين فقهاء الإسلام ومنحرفي المتصوفة على أنها هي السمة الغالبة في العقيدة والفقه الإسلاميين.

    ـ تراجعت الصوفية وذلك ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ولم يعد لها ذلك السلطان الذي كان لها فيما قبل، وذلك بالرغم من دعم بعض الدول الإسلامية للتصوف كعامل مُثبِّط لتطلعات المسلمين في تطبيق الإسلام القائم على دعوة الكتاب والسنة .

    ويتضح مما سبق:
    أن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحرافٌ عن منهج (*) الزهد الذي يحضّ الإسلام سلوكَ سبيله والمقترن بالعلم والعمل والجهاد (*) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفع الأمة ونشر الدين (*). ولذا رفضه الرسول (*) الكريم من بعض أصحابه، ثم زاد هذا الانحراف عندما اختلط التصوف بالفلسفات (*) الهندية واليونانية والرهبانية (*) النصرانية في العصور المتأخرة، وتفاقم الأمر عندما أصبحت الصوفية تجارة للمشعوذين والدجالين ممن قلت بضاعتهم في العلم وقصر سعيهم عن الكسب الحلال. وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك فحاولوا أن يُشوِّهوا الإسلام من الداخل من خلال التصوف، ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد التي يمتاز بها الإسلام، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.

    [align=center]وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.

    أصحاب العقول الكبيرة يناقشون الأفكار .. وأصحاب العقول المتوسطة يناقشون الأحداث .. وأصحاب العقول الصغيرة يناقشون الأشخاص .


    ناقش الأفكار, لا الأشخاص. [/align]



    [align=center]نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي[/align]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •